سباق بين الأوهام .. اميريكا وصناعة البروليتارية في سورية .. من الذي جلب كل هذا الويل على شعبي؟
نارام سرجون
اميريكا هي مزرعة الأكاذيب .. وخبرتها في صناعة الأكاذيب هي التي جاءت بالهزيمة للهنود الحمر الذين كانوا يصدقون أكاذيب المؤسسين الأوائل .. وصار الكذب هو احد أهم نظريات السياسة الاميريكية .. من كذبة الصعود الى القمر التي انطلت على الناس الى كذبة حرب النجوم التي صدقها الرفاق الشيوعيون ..
اميريكا تعنى جدا بهذا السلاح الخطير الكذب والذي اخترعت منه نظرية حروب الجيل الرابع .. حيث يتبنى مجتمع او جزء من المجتمع وهما يقتنع به ويؤمن به ويصل ايمانه به حد اليقين وهنا لحظة التفجير حيث تكبس اصبع اميريكا على زر التفجير وتتفاعل الانفجارات ..
في الحرب على سورية أسقي بعض الناس في سورية وهما اسمه التغيير بالقوة الثورية .. ثم وهم الإسلام هو الحل .. ثم وهم الخلافة الإسلامية القادم من تركيا .. أوهام بعد أوهام .. وكلما تنحى وهم حل محله وهم .. وكانت الحرب حقولا للاوهام والالغام ..
اليوم زرع الاميريكيون وهما خطيرا بين الناس هو ان الفشل الاقتصادي في سورية سببه الركود والجمود الحكومي والفساد وحده تماما .. وان الاجراءات التقشفية الحكومية موجهة ضد الفقراء وانها حكومة الأثرياء وحكومة الاحتكارات ورجال الاعمال .. وتم توجيه حزمة الغضب الشعبي الى المواجهة مع الدولة .. وصار الوجود الأمريكي والقرارات التي تشد الحصار لادور لها في هذه الضائقة الاقتصادية .. لأن كل الاهتمام والتوتر يتم توجيهه بطاقة مكثفة ليكون خاصة في منطقة الساحل السوري لأنها المنطقة التي لاتزال بعيدة عن الدمار وفيها مخزون وطني كبير .. ولأنه المنطقة التي يتواجد فيها الروس ويحتاج الاميريكيون للتضييق على الروس بتحريض البيئة المحيطة التي صارت ترى ان نقص امدادات الوقود والمحروقات سببه عدم وفاء الروس بالتزاماتهم تجاه الشعب السوري الذي راهن عليهم واعطاهم كل ماطلبوه في المياه الدافئة ..
فيما مضى كان اصعب شيء هو ان تقنع الجمهور المؤيد لما سمي بالثورة السورية انه يتعرض لخدعة وان هناك مؤامرة وان كثيرا من التحريض يقصد به تحريض الناس على الناس وتدمير الدولة والمجتمع .. وكنا لانقدر ان نحدث اي خرق في عقل ثورجي مهما أتينا له بحجج وبراهين ومنطق .. ولكن اليوم هناك فريق ممن يتبنى طرح المواجهة مع الدولة السورية بسبب الوضع الاقتصادي يتعامل مع المنطق والبراهين بعناد ورفض ويصعب عليك احداث اي اختراق لان لديه اليقين انه على صواب .. رغم ان الفريقين الثورجي القديم والبروليتاري الجديد لهما طرحان مختلفان تماما .. الا ان العناد واحد والرفض واحد والتشنج واحد ووهم اليقين واحد ولايمكنك الاختراق .. فصانع العقلين واحد وهو مصنع الوهم الاميريكي وعبقرية التحريض وعلم التفكيك للمجتمعات الذي أبدع فيه العقل الانغلوساكسوني ..
يستطيع الواهمون ان يصنعوا أي وهم يريدون .. وان يحلموا بما يشاؤون .. ولكنهم لايستطيعون ان يجيبوا على سؤال واحد يتحداهم ويتحدى عبقريتهم .. هو سؤال أزلي طرحه الزعيم أنطون سعادة عندما سدد السؤال على العدو بقوله: من الذي جلب كل هذا الويل على شعبي؟؟
لماذا كل هذا الفقر والحصار والفوضى وتدمير كل البنية التحتية ومصادرة القمح والنفط ؟ الجواب واضح وهو لانتاج صدام حتمي باتجاه اجباري بين الناس والدولة لأن الفقر سيولد الفقر .. والفقر المتسع سيؤدي الى تراكم الفساد ويطلق التفاوت الطبقي البشع .. وسيفرز التنافس بين القطاعات الإنتاجية في هذه المجتمعات طبقة مستفيدين طفيلية لايمكن الا ان تكون منتجا من تفاعلات الحرب .. وهذا سيكون وقودا كافيا لتحريك الطبقات ضد الطبقات .. مايحدث هو عملية انتاج لبيئة ثورية وفق نظرية ماركس حيث يتم انتاج البروليتارية بشكل قسري والتي تنتج بشكل صناعي وليس وفق تطور طبيعي .. فالفقر يغير الناس .. ويغير الشعارات .. ويشق الصفوف والولاءات .. وبذلك تتغير العقول والقلوب وتنطلق شرارات التمرد ..
أسئلة كثيرة يجب ان نطرحها على الواهمين هي: من هو ذلك الشعب الذي اشترى الوهم الاميريكي وفاز .. أهم العراقيون او المصريون ام الليبيون ام حتى الإسلاميون؟؟ ..
الوهم الذي يباع اليوم هو ان مساوئ النظام صارت تطغى على محاسنه .. وأنه بقرة يحلبها الفاسدون .. ولم تعد تحلب للشعب وجف ضرعها .. ويجب ان تترك للضباع .. ضع سلاحك أيها السوري واترك البقرة التي صارت حلوبا للفاسدين يقتلها الفاسدون او بادر نفسك الى نحرها ..

الاميريكيون أفلحوا في تسميم الرأي العام وابتعدوا عن المشهد وجعلوا يراقبون المسرح الجديد من خلف الكواليس بانتظار ان يعيد السوريون انتاج نفس المشهد السريالي .. مايحتاجه المشهد السريالي هو فقط تغيير الشعارات التي كانت ضد رامي مخلوف في بداية الثورة السورية والذي حملته قنوات الفضاء مسؤولية نهب الشعب السوري لحساب الرئيس شخصيا وحرضت باسم استثماراته على الثورة بحجة منع نهب الشعب السوري الذي يريد حريته وثروته المنهوبة لعائلة الأسد .. وكان هذا التحريض سببا في قيام الجحيم الأسود ..
اليوم غاب رامي مخلوف عن شعارات الثوار واعلام اميريكا ولكن صارت هناك حاجة لاطلاق بديل يحرض الشارع المقابل الذي كان فيه رامي مخلوف سابقا .. واطلقت أسماء وسمعت اساطير واشاعات بعضها حقيقي وبعضها خيالي .. وتموضع الاميريكيون في الشرق وكمنوا بهدوء ينتظرون نهوض الوهم الجديد ليقطفوا ثماره ..
باختصار .. هناك وهمان وليس مشروعان يتكاملان الان .. الوهم الأمريكي والوهم الشعبي العربي .. حيث ان اميريكا تسقي الوهم الاميريكي بالوهم الشعبي العربي كما هي عادتها .. فوهم اميريكا في ان تسيطر على الشرق من دمشق لايفارقها .. ولكنها تسقي هذا الوهم بوهم أخر هو أوهام الشعوب العربية وأوهام بعض السوريين ..
الوهم الشعبي الذي تسقيه الاكاذيب هو سلاح انغلوساكسوني .. فمنذ الثورة العربية الكبرى التي قادها لورنس العرب بعد ان اوهم هو وحكومته العرب انهم يؤسسون لدولة عربية مستقلة .. لم ينتبه العرب الى ان الثورة لايقصد بها تحريرهم بل نقلهم من احتلال عثماني لاحتلال أوروبي .. ولكن من لايحلل الوهم سيبتلع الوهم وسيدخل السم في عروقه .. وفي حروب فلسطين تناقل العرب الوهم اثر الوهم بالوعود البريطانية والهدنات الى ان نضجت الدولة اليهودية وصارت هي الحقيقة فيما احتفظ العربي بالوهم والوعود .. وفي عام 67 سقطت الجبهات بوهم ان الجيش الإسرائيلي لايقهر .. فانسحبت الجيوش العربية ولم تقاتل ..
أنور السادات وجزء من الشعب المصري تم بيعه ان وهم السلام مع إسرائيل سيجعل مصر ثرية وغنية لأن فلسطين هي التي تفقره .. وباع فريق كامب ديفيد ذلك الوهم .. ولكن مصر لم تصبح ثرية بل صارت من افقر البلدان .. حنى انها لاتقدر اليوم ان توقف سرقة مياه النيل .. وتقدر قطر ان تتحرش بها ويتجرأ اردوغان عليها من ليبيا ..
ياسر عرفات وجزء من الشعب الفلسطيني شرب من وهم ان السوريين سبقوه للاتفاق مع الإسرائيليين وانه سينقذ نفسه في أوسلو .. فهرول الى وهم سلام الشجعان .. ولم يأخذ أي شيء سوى الوهم .. بدليل ان إسرائيل تمددت في أراضي أوسلو .. وكانت الضفة الغربية اكثر حرية وفلسطينية اكثر قبل أوسلو ..
وفي حرب العراق وايران أوهم الانغلوساكسون صدام حسين وجزءا من الشعب العراقي انهم يريدون مساعدتهم لإستعادة عربستان انتقاما من الخميني فاذا بالعراقيين يلحقون بالخديعة ويكتشفون ان الغاية ليست إعادة عربستان بل إعادة الصراع العربي الفارسي الى الواجهة بعد ان غاب مئات السنين وضرب اهم قوتين ناهضين في الشرق ببعضهما ..
الاميريكيون اوهموا العراقيين مرة ثانية في حرب الخليج الاولى انهم لايمانعون من دخول الكويت .. واكتشف المخدوعون ان الاميريكين كانوا يريدون تحطيم العراق بإدخال رأسه في المقصلة الكويتية .. وفي صفقة خديعة اكبر توهم الشعب العراقي ان تسليمه العراق للاميريكيين بالتخلي عن القتال الى جانب دولته سيحل مشاكله في الحرية والديمقراطية ويكسر الحصار والجوع وتنتهي الحكاية العراقية وتوتة توتة خلصت الحدوتة .. اي حدوتة صدام حسين .. وتبين لاحقا ان الحدوتة الدموية وحفلة الرعب بدأت عندما انتهت حدوتة صدام حسين .. وبدأت حدوتة الحرب السنية الشيعية والحدوتة الكردية والحدوتة الداعشية .. ومن يومها لم يشبع العراقيون الحرية ووزعوا انفسهم بين زعماء الطوائف والفساد .. والخدمات التي حلوما بها لاتساوي خدمات دولة في وسط افريقيا ..
الشعب الليبي شرب من قارورة الوهم الانغلوساكسوني .. وثمل بوهم ان القذافي انتهت أيامه وبدأت أيام الشعب الليبي وبناء الدولة العصرية .. واليوم نجد ان ايام الشعب الليبي هي التي انتهت بين مجموعة من الزعران والفصائل المتقاتلة .. ولايوجد رأس للدولة .. وهناك حكومتان ولكل جكومة مدراء تنفيذيون في الخليج يديرهم مدراء تنفيذيون في اوروبة يديرهم مدراء تنفيذيون في اميريكا ..
اميريكا تعنى جدا بهذا السلاح الخطير والذي أخترعت منه نظرية حروب الجيل الرابع .. حيث يتبنى مجتمع او جزء من المجتمع وهما يقتنع به ويؤمن به ويصل ايمانه به حد اليقين وهنا لحظة التفجير حيث تكبس اصبع اميريكا على زر التفجير وتتفاعل الانفجارات ..
الوهم بالحرية والديمقراطية هو كان بضاعة اميريكا في العراق .. وهي التي كانت بضاعتها الرائجة في الربيع العربي .. ولكن كل من لحق الأوهام لم يعد بخفي حنين .. بل عاد بلا قدمين .. وبلا ساقين ..
اذا كان الاميريكيون يصنعون الوهم فلا شيء سيوقف مصنع الوهم الا ان يضرب هذا المصنع وهو في الجزيرة السورية .. لان استعادة الثروات سيعيد توازن الطبقات .. وسيقلل من تراكم الفساد والفاسدين ويحاصر طريقتهم في الاحتكار وتواصلهم مع السلطات الفاسدة والطبقات الطفيلية التي طفت على سطح الدولة في ظل الحرب وتناقضات الحرب ..
البروليترية المصنعة بالحصار التي تنتجها اميريكا بالضغط الاقتصادي .. ستنتج بشكل او بأخر مايعرف بالبروليتارية الرثة التي بدأت تظهر في فوضى النداءات للتمرد .. يجب توجيهها الى المنطقة الشرقية .. والحرب لاشك انها اقتربت من الاميريكيين في الشرق .. وهذا هو سبب تعزيز الجبهات والتحشيد الاميريكي ..
عش الفساد ترعاه امريكا برعايتها لافقار الشعب .. وبيوضه التي تفقس بيننا هي بسبب ذلك الطائر القبيح الذي يعشش في الشرق .. وتدمير عش الفساد وعش الفقر هو بضرب ذلك الطائر الامريكي .