مقالات

إشتباك عند خطوط إمداد المقاومة

عبدالله قمح 2023 – آب – 10

كتبنا يوم أمس مقالاً بعنوان “3 أشهر ساخنة” ، وهو ما نحن في صدده اليوم .

تشبه حادثة “الكحالة” التي وقعت يوم أمس على إثر إنزلاق شاحنة تابعة لحزب الله، حادثة أخرى وقعت قبل أعوام قليلة في بلدة شويا الجنوبية ذات الغالبية الدرزية، على إثر قيام المقاومة بإطلاق صليات من الصواريخ تجاه مواقع العدو رداً على قيام هذا الاخير بإعتداء على الاراضي اللبنانية. إعترضَ يومذاك مواطنين لمقاوم كان في الشاحنة إثر عودتها على طريق داخلي وإعتدوا عليه. ما أريد تسجيله يومذاك كان كسر هيبة المقاومة ضمن منطقتها، وتحريض البيئة الدرزية عليها على إعتبار أن المقاومة تستخدم مناطق لا تصنف طائفياً من ضمن مناطقها، والاهم قطع طريق المقاومة، وإظهار ان ثمة عدم إجماع داخلي، طائفي تحديداً، حول ما تقوم به المقاومة.
قبلها بأعوام، إنبرى حزب الله تجاه سوريا. كان على رأس الاهداف التي أنزلته الحرب هناك، الخطر المحدق على ما يعتبره طريق إمداده اللوجستي والعسكري، المار براً في إيران – العراق – سوريا – لبنان (أو سوريا – لبنان). يومذاك ايضاً، كان من بين أهداف الحرب في سوريا، قطع هذا الطريق ووضع “حرس” عليه مؤلف من عصابات المسلحين تسهيلاً للانقضاض على المقاومة في الداخل اللبناني وعزلها. فيما بعد تولى المهمة عناصر تتبع لتنظيمات جهادية حولت طول الخط إلى ما يشبه إمارات إسلامية، إتخذت المناطق في جوار الحدود اللبنانية منطلقات لها. بعدها بأعوام، سقط المشروع وتمكن الحزب من تأمين خطوطه.
الآن ثمة خشية حقيقة من نقل المشروع من سوريا إلى لبنان. هذه النقطة بالذات، تلهج السنة مسؤولين أمنيين في حزب الله وغيره بذكرها دوماً، فيما قيادة المقاومة على بيّنة من تطور حدث في مجرى المواجهة معها في لبنان. ويعتقد على نطاق واسع، ان الاحداث الامنية المتتالية التي تشهدها مناطق على إمتداد الخط الساحلي نحو الجنوب، لها هدف بعيد المدى وهي توتير الاجواء وخلق حالات منافية للمقاومة أو تشكل خطراً عليها، وهو ما عملت وتعمل المقاومة إستتباعاً على تسكيره من خلال إنتشار “مدني” على طول هذه الخطوط في ما يشبه خطة إحترازية.
عملياً، لا ينطلق هؤلاء الأمنيون من أحلام إنما من وقائع وفرضيات يعيشونها على الأرض، ومن وضعيات بيئية هشّة تتلاعب فيها الاحزاب وبعض الاعلام الممول من الخارج.
في التحليل، مرّت إحدى هذه الفرضيات في “الكحالة” بالامس. فما جرى لا يمت بصلة إلى حماية منطقة من إعتداء “غريب”، لكون المتعدى عليه كانوا أفراد الشاحنة وعناصر حمايتها كما تظهر مشاهد فيديو كثيرة، والمتعدي هم عبارة عن مجموعات حزبية تعلم يقيناً ما الذي يمر على هذه الطريق وتنتظر فرصتها وتدرك جيداً ما تقدم عليه. هذا تحديداً، الخط البياني الذي برر إنتشارها فجأة ومن دون إنذار، وإتخاذها متاريس حربية، والمدرك لامور العسكر يعلم جيداً ان حركة من هذا النوع لا تحصل دون أمر.
إذاً، الرواية الامنية ترى أن إنزلاق الشاحنة عند المنعطق المقابل لبيت الكتائب، أسفر عن وضوح معين لصورة ما كان يتخوف منها.
بداية كان الامر عادياً. إنزلقت الشاحنة وأصابت “فان” لنقل الركاب، جرى نقله عبر رافعة مدنية، فيما إنشغل عناصر “الدرك” الذين حضروا إلى المكان في معاينة ما حصل، وعلى رمي الاتربة والرمال على بقع من الزيت والمازوت تسربت من الشاحنة، فيما بقوا في محيط الشاحنة لتأمين الطريق.
لم يكن في هذا الوقت ثمة وجود لأي مظاهر مسلحة تابعة لحزب الله. فجأة خرجت معلومة على محطة mtv تتحدث عن “إنزلاق شاحنة تابعة لحزب الله عند كوع الكحالة وإنتشار عناصر للحزب في محيطها”. بعد وقت قليل، نزل أهالي من جهة البلدة وعملوا على رميها بالحجارة ومحاولة الاعتداء على أفراد الحماية غير المسلحين، ثم حاولوا الاقتراب منها ومحاولة الاستيلاء عليها، مما دفع بعناصر الحماية “المسلحين” الذين كانوا متواجدين في سيارات رباعية الدفع إلى التحرك صوبها من جهة الطريق “التحتاني”.
على إثر ذلك، إتضح وجود إنتشار مسلح لعناصر من حزب الكتائب في محيط مكان إنزلاق الشاحنة لاسيما بين الكنيسة وأحد المنازل، وفيما بعد عملوا على إطلاق النار صوب عناصر الحماية ليرد هؤلاء بالمثل ويحصل الاشتباك.
عملياً، شكلت حادثة “الكحالة” إمتداداً غرائزياً للحادثة “عين إبل”، وهما نتاج فلسفة المنطق الاعلامي المدعوم “سفاراتياً” والاخر السياسي الذي يسوق الفتن، او حدثت بسببه. وفي تقدير أولي يبدو أن ثمة توظيف عملاني لمؤسسات إعلامية محلية من أجل المشاركة في عملية “غسل أدمغة” أو الاستخدام في مجال التحريض على حزب الله لا سيما ضمن البيئة المسيحية، وهو ما لفت إليه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله منذ أيام.
إحدى نماذج هذا السيناريو يمكن رصده في بيان حزب القوات عقب الحادث، الذي تحدث عن إعتداء وعن سلاح غير شرعي، وأهم من تضمنه تحذير من أن “دويلة العصابات والسلاح لن تمر في الكحالة”. استتبع هذا الكلام آخر أطلقه نائب القوات في الشوف نزيه متى تحدث عن إعتداء (غير موجود) على الاهالي، وعن رفض مرور السلاح على هذا الطريق، ولماذا مروره صوب بيروت.
كل هذا التحريض يوحي بجولات من الاستثمار الرخيص تخرج منه روائح طائفية نتنة، وحوادث قد لا تكون محصورة في منطقة محددة، هنا عودة إلى 3 أشهر ساخنة، أريد لهذا البلد أن يوضع في الوقت الراهن على فوهة بركان، وإختار من قرر وضعه محاولة “كَعم” فريق الممانعة في الشارع أو محاولة إختيار هذا الفريق عند معابر إمداده.
إذاً المواجهة في الوقت الراهن بين مشروعين، عنوانهما العريض في الرئاسة، وعمقمها أبعد من ذلك بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى