السباق إلى البيت الأبيض والدعم المطلق للكيان الصهيوني
بقلم حيان نيوف
مع إنطلاقة الانتخابات الرئاسية الأميركية اليوم الثلاثاء 5/نوفمبر/2024 يكثر الحديث عن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كواحدة من أهم العوامل المؤثرة في السباق الرئاسي، بل إنها تكاد تكون العامل الأكثر تأثيراً في نتيجة الانتخابات متقدمّةً على العوامل الداخلية على أهميتها، ويعود ذلك إلى التأثير الفاعل والواسع و العميق للوبي الصهيوني في قضايا السياسة الأمريكية وخاصة الخارجية منها على وجه التحديد، ويمتد هذا التأثير ليشمل مؤسسات ودوائر القرار الأمريكي بأركانها المتعددة في البيت الأبيض و الكونغرس و البنتاغون والاستخبارات، ويتعدى ذلك إلى الدولة العميقة بأجنحتها كافة بما فيها مجمع الصناعات العسكرية والبنوك و المؤسسات الإعلامية.
وإذا كان الانحياز والدعم الأميركي المطلق للكيان الصهيوني قد بدأ بشكل علني وتحوّل إلى واحدة من أهم الثوابت التي تبنتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس الأميركي ترومان الذي اعترف بالكيان الإسرائيلي بعد لحظات من إنشائه في العام 1948 ، وتسارع ذلك الدعم على امتداد ما يزيد عن 75 عاماً ، فإنه قد بلغ ذروته طوال العام الفائت ومنذ الحظات الأولى لانطلاق طوفان الأقصى في 7/أكتوبر 2023 وصولاً حيث تضاعف عدة مرات وفاق كل التوقعات متأثراً بالتنافس بين الإدارة الديمقراطية الحالية و خصمها الجمهوري دونالد ترامب المعروف بمواقفه المتشددة لصالح الكيان الصهيوني .
ولأن الإدارة الأميركية الحالية ممثلة بالرئيس جو بايدن ونائبته المرشحة للانتخابات الرئاسية كاملا هاريس بذلت جهوداً واسعة في محاولة منها للتضليل والتستر على قيادتها الخفية و دعمها المطلق لحرب الإبادة الجماعية و التدمير الممنهج التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ، وعلى اللبنانيين في الجنوب و بيروت امتداداً إلى الشمال ، وقدمت خلال تلك الحرب الوحشية دعماً مطلقاً ومفتوحاً ومن غير حدود للكيان الإسرائيلي المجرم ، فإنه من الضروري تسليط الضوء على ما قدمته هذه الإدارة طوال فترة طوفان الأقصى لصالح الإجرام الصهيوني في ظل الاشتباه الحاصل لدى الكثيرين بأن الديمقراطيين دعاة سلام على عكس الجمهوريين، والحقيقة هي أن كلا الحزبين لا يختلفان في ما بينهما بما يخص هذه القضية.
ويمكن لنا من أجل توضيح الصورة و إظهار الحقيقة الحديث عن تفاصيل وحجم الدعم الأمريكي الذي بلغ ذروته المطلقة على يد إدارة بايدن الديمقراطية خلال طوفان الأقصى على الصعد السياسية و العسكرية و المالية وفق الآتي :
على الصعيد السياسي :
أولاً ؛ أعلنت الإدارة الاميركية ومن اللحظة الاولى للطوفان دعمها المطلق لإسرائيل والتزامها الكامل بحمايتها ، وقال الرئيس الاميركي بايدن الذي سارع لزيارة إسرائيل بعد أيام من الطوفان ” إن التزامنا بأمن إسرائيل ثابت كالصخر” .
ثانياً ؛ ساهم الديمقراطيون من خلال الكونغرس باستصدار كل القرارات و التشريعات المتعلقة بتسهيل وتمرير الدعم والتأييد السياسي و العسكري و القانوني لحماية إسرائيل ، بما في ذلك قانون معاداة السامية ضد طلبة الجامعات الأميركية .
ثالثاً ؛ عملت إدارة بايدن على حشد التأييد السياسي الدولي لصالح إسرائيل خلال فترة الطوفان سواء عبر الضغط على أوروبا ، أو من خلال مجموعة السبع ، أو عبر الضغط على دول التطبيع العربية وعلى دول إقليمية لمنعها من اتخاذ مواقف حادة ضد الكيان الصهيوني .
رابعاً ؛ عطلت إدارة بايدن لمرات عديدة وحتى اليوم استصدار قرار ملزم عبر مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار وحرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل .
خامساً ؛ مارست الولايات المتحدة ضغوطاً واسعة على الجنائية الدولية ، ومحكمة العدل الدولية لمنع اتخاذ قرارات تنفيذية وإجرائية ضد الكيان الصهيوني و قادته المجرمين .
سادساً ؛ أعلنت إدارة بايدن مراراً ترحيبها بكافة عمليات الاغتيال الإجرامية التي نفذها الكيان الصهيوني ، ولطالما أرسلت وزير خارجيتها بلينكن إلى المنطقة للتغطية على عمليات الاغتيال تلك .
على الصعيد العسكري والمالي :
منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى بدأت إدارة بايدن بإرسال سفن وطائرات حربية إلى المنطقة، وأعلنت استعدادها لمنح إسرائيل كل ما تحتاجه لتتوالى حزم الدعم العسكري و المالي المفتوحة للكيان الصهيوني بشكل مباشر طوال عام من الطوفان والذي حصلت فيه إسرائيل على أكبر حجم من الدعم العسكري و المالي في عام واحد منذ نشأة الكيان الغاصب ، ويمكن لنا إحصاء بعض حزم الدعم المعلنة علماً أن الكثير منه بقي خفياً دون الإعلان عنه:
أولاً ؛ في الساعات الأولى لطوفان الأقصى أمر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بتوجيه مجموعة حاملة الطائرات جيرالد فورد، ومجموعة معاونة من 12 قطعة بحرية عسكرية، إلى شرق البحر المتوسط. وصرحت إدارة الرئيس جو بايدن بأن إسرائيل ستحصل على “كل ما تحتاجه” لدعم هجومها على قطاع غزة.
ثانياً ؛ أصدر الكونغرس الأميركي بجناحيه الديمقراطي و الجمهوري تشريعاً لمنح 12.6 مليار دولار من الاعتمادات العادية والتكميلية المباشرة من مخصصات وزارة الخارجية والدفاع لإسرائيل للسنة المالية 2024 والسنة المالية 2025.
ثالثاً ؛ أقر الكونغرس الأمريكي بدعم من الحزبين حزمة المساعدات الطارئة التكميلية التي تتضمن مساعدات لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار .
رابعاً ؛ بحسب تقارير صادرة عن خدمة أبحاث الكونغرس فقد شملت المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل :
* قنابل صغيرة القُطر (250 رطلاً).
* صواريخ اعتراضية لتجديد القبة الحديدية الإسرائيلية (نظام الدفاع الجوي قصير المدى، والمضاد للصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية).
* ذخائر الهجوم المباشر المشترك من طراز “جيه دي إيه إم إس” وهي مجموعة تحوّل الأسلحة غير الموجهة إلى قنابل موجهة بالأقمار الاصطناعية.
* قذائف مدفعية عيار 155 مليمتراً.
* 14 ألف قنبلة من طراز “إم كيه 84” وزن 2000 رطل.
* 6500 قنبلة من الطراز نفسه وزن 500 رطل.
* 3000 صاروخ جو-أرض موجه بدقة من طراز هيلفاير.
* 1000 قنبلة خارقة للتحصينات.
* 2600 قنبلة صغيرة القُطر تُلقى جواً.
خامساً ؛ بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ فإن إسرائيل تسلمت أسلحة وذخائر منها:
* 36 ألف طلقة من ذخيرة المدافع عيار 30 مليمتراً.
* قذائف من طراز 155 مليمتراً.
* 1800 من ذخائر “إم 141” الخارقة للتحصينات.
* 3500 جهاز رؤية ليلية.
* طلبت إسرائيل 200 طائرة مسيرة خارقة للدروع من طراز “سويتش بليد 600″، وليس لدى الجيش الأميركي أي منها في مخازنه، ومن غير الواضح ما إذا كان لدى الشركة المصنعة طائرات مسيرة في المخزن أو ستحتاج إلى تصنيعها.
وقد تم شحن الأسلحة بالفعل من الأراضي الأميركية مباشرة، أو إصدار أوامر تصنيعها الفوري، كما عمل البنتاغون على إتاحتها من مخازنه في القارة الأوروبية.
سادساً ؛ قام البنتاغون بزيادة عدة وعديد قواته في المنطقة من أجل حماية الكيان الإسرائيلي ، حيث أرسل مزيداً من حاملات الطائرات و القطع البحرية العسكرية ، ومنظومات الدفاع الجوي و الصاروخي ، ورفع عدد قواته في المنطقة من 35 ألف جندي قبيل الطوفان إلى 50 ألف جندي .
سابعاً ؛ دعت واشنطن لتشكيل تحالف عسكري بحري إقليمي ودولي في البحر الأحمر تحت مسمى “حامي الازدهار” في محاولة فاشلة لفك الحصار البحري الذي تفرضه اليمن على موانئ الكيان الصهيوني .
ثامناً ؛ أعلنت الولايات المتحدة عن تزويد إسرائيل بمنظومة الدفاع الجوي المتطور ثاد، المضادة للصواريخ البالستية مع كامل طواقمها من الجنود.
تاسعاً ؛ ساهمت منظومات الدفاع الجوي الأمريكية وكذلك سلاح الطيران الأميركي المنتشر في قواعد عدة في الشرق الأوسط في التصدي للهجمات الصاروخية التي تعرض لها الكيان من جبهات الإسناد .
عاشراً ؛ إلى جانب حاملات الطائرات فقد أعلن البنتاغون عن إرسال القاذفات الإستراتيجية B 52 بعيدة المدى إلى المنطقة لحماية الإسرائيلية.
حادي عشر : يصاف إلى ذلك كله الطيران الحرب الشبحي من الجيل الخامس F35 الذي تمتلك إسرائيل منه 50 طائرة .
ثاني عشر : بلغت قيمة إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل 186 مليار دولار ، وتشكل المساعدات المقدمة طوال العام الفائت من قبل إدارة بايدن للكيان الإسرائيلي ما نسبته التقريبية 25% من هذا الرقم الكلي ، وهي أعلى نسبة مساعدات على الإطلاق تحصل عليها إسرائيل في عام واحد .
ثالث عشر ؛ قامت إدارة بايدن بإطلاق يد إسرائيل من دون قيود في استخدام هذه المساعدات بما ينتهك حقوق الإنسان والقوانين الدولية المنظمة للنزاعات المسلحة .
أخيراً ؛ يتضح من كل ما ذكرناه ، ومن دون أدنى شك ، بأن إستراتيجيات الولايات المتحدة تقوم على تقديم الدعم اللا محدود للكيان الصهيوني من أجل المحافظة على تفوقه العسكري في المنطقة من دون قيد أو شرط ، وبما يساهم في تحقيق المصالح والأهداف الأميركية في السيطرة و النفوذ والهيمنة ، دون الالتفات لأية اعتبارات قانونية أو أخلاقية ، وأن الأمر لا يتعلق بالإدارة الأميركية الحالية أو غيرها ، بل إن التنافس السياسي في الولايات المتحدة يتضمن في عنوانه الأول التنافس في تقديم الدعم للكيان الصهيوني .