حسان دياب رئيس حكومة مكلّف وسط أزمة وجوديّة مستمرّة – بقلم جورج عبيد
كلّف فخامة الرئيس العماد ميشال عون الدكتور حسان دياب رئاسة الحكومة العتيدة المقبلة بعد نهاية الاستشارات القضيّة الجوهريّة غير قائمة في التكليف في إطلاقيّته، بل كامن وكائن في جوهر التأليف المنتظر. غير أنّ إشارات صدرت خلال الاستشارات النيابيّة الملزمة، حملت عناوين تتضمّن معان واضحة ومنسابة في دائرة التأليف بل في المسافة الفاصلة ما بين التكليف والتأليف، والمساحة المحيطة بهما، كحديقة غير ورديّة بل قد تكون شائكة حينًا وفاتكة أحيانًا أخرى.
ينتمي الدكتور دياب جذرًا وبالعمق السياسيّ-الأخلاقيّ والقيميّ إلى مدرسة الرئيس الدكتور سليم الحصّ أطال الله بعمره. فهو مشهود له بنزاهة النفس ونظافة الكفّ ونقاوة الضمير، وهو كأكاديميّ جديّ للغاية، ةظهرت جديّته حين تسلّم وزارة التربيّة خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. في الحدود الثقافيّة عميق وحصيف، وفي الوظيفة السياسيّة معتدل ومنفتح، ومؤمن بعروبة لبنان العميقة، ولم يفصل يومًا في أدبياته بين العروبة كهويّة حضاريّة واللبنانيّة كفعل انتماء، كما لم ينفصل عن دور المقاومة في مواجهة العدوانين الإسرائيليّ والتكفيريّ، وهو متّشح بالميثاقيّة الحقيقيّة الفاعلة في السياق السياسيّ والمتفاعلة في بنية النظام السياسيّ اللبنانيّ، والفريدة بآفاقها ومثالها وبعض أمثولاتها على مستوى العالم العربيّ والمشرقيّ.
من سمّى حسّان دياب أمام فخامة الرئيس ذاق تلك الخصوصيّة المتكوّنة به بل المكوَّن هو بها. فعّل ذوقه بالكلمة-القرار ومنحه التكليف والتفويض. ومن سمّى السفير السابق نوّاف سلام قد يكون أيقظ في ذاكرتنا تاريخ رجل، ينتمي بدوره إلى عائلة ميثاقيّة وعريقة، ذلك أنّ نوّاف قاض وأكاديميّ وناشط فكريّ، وعاينّاه ضمن مجموعة متحرّكة في الأندية الثقافيّة والفكريّة إلى جانب غسان مخيبر وبول سالم وجورج ناصيف وفريد الياس الخازن وزياد بارود وسيمون كرم… كان ناشطًا عاملاً على حريّة لبنان بآفاق عربيّة واضحة استهلمها من تاريخ ناصريّ كان جزءًا منه، ثمّ دخل لجنة إقرار قانون الانتخابات النيابيّة برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس رحمات الله عليه. المشكلة مع نوّاف ليست بتاريخه المضيء، لكنها في أنّه سمع يقول كلمات لا يسوغ النطق بها خلال حرب تموز من سنة 2006، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن لم ينكره من زاوية حرصه على تاريخه. لم يصدّق من سمعه أن نواف هو الناطق بهذا الخطاب عكس الاتجاهضيّ ضدّ لبنان نفسه وليس ضدّ فريق منه فيما القذائف الإسرائيليّة تتساقط على لبنان كلّه، ودماء الشهداء تسفك وتسيل على الأرض.
ما هو سيّء في جوهر السياق الذي نحن فيه، استنزال اسم نوّاف من علُ ليلة زيارة ديفيد هيل إلى لبنان. وظهر الاستنزال بحدّ ذاته قرينًا وعديلاً للاستنزال عينه الذي حصل سنة 1988 حين خيّرنا السفير ريتشارد مورفي ما بين ميخائيل الضاهر أو الفوضى. ليس الاستنزال تمتمة منفصلة عن حراك الشارع والمراد من خلفه. ذلك أنّ الأميركيين، وكما أوضحنا في هذا الموقع غير مرّة، يقودون حربًا ماليّة ومباشرة على لبنان بالتوازي مع حربهم على العراق، برموز موجودة وفاعلة في الداخل اللبنانيّ كسمير جعجع ووليد جنبلاط وآخرين، وبالنسبة إليهم إنّ اكتمال المشهد وكمال عناصره يتمّان بالاستيلاء على رئاسة الحكومة وبمفهوم الاستيلاء يتمّ الاستيلاد المباشر لمفاهيم فتنويّة تنطلق نحو تطويق رئاسة الجمهوريّة أي العهد، وضرب المقاومة بفعل إضعاف العهد. والاستيلاد هو استلاب بالمطلق ضمن منظومة خلاف عميق وجذريّ غير محصور في المفهوم الداخليّ، بل متّسع بالضرورة ما بين الداخل والخارج وبخصوصيّة فائقة، بين رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون وتيّار أميركيّ متشدّد عامل وعامد على توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان ضمن مفهوم الدمج والاندماج، على قاعدة أن لبنان ليس وطنًا نهائيًّا لجميع بنيه بل هو وطن نزوح ولجوء لكلّ نازح ولاجئ.
بداءة الوصول إلى تلك اللحظة، أنّ القوات اللبنانيّة ليل الأحد الاثنين، أطلقت رصاصة الرحمة على إمكانيّة عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، بعد زيارته إلى الرئيس نبيه برّي ومحاولته تعويم نفسه في الموقع عينه. لم يكن عقل الرئيس برّي ولا قلبه منغلقين عليه انغلاقًا حروفيًّا، وهو الساعي إلى جانب حزب الله لكي يعود. وكان يجهد في وساطة بينه وبين الرئيس عون الذي لم يمانع بزيارته وقد زاره من دون إعلان. ليلة الأحد الاثنين تعاملت القوات اللبنانيّة مع الرئيس الحريري كما لو كان في الأسر ليفقد الهالة الميثاقيّة من الجانب المسيحيّ. وهنا لا بدّ من إبداء ملاحظة واضحة بأنّ التيار والقوات أسقطا الميثاقيّة المسيحيّة عن الرئيس الحريري من دون الوحدانيّة التامّة في الأسباب الموجبة والأهداف. ذلك أنّ إطلاق رصاصة الرحمة من القوات اللبنانيّة تمّت بإلهام وإسقاط أميركيّ-سعوديّ، ضمن مبدأ رفض عودة الحريري إلى السلطة، وقد أبلغ الأخير بذلك ولم يعلنه حتّى عصر أمس حين أعلن أنه غير مرشّح لرئاسة الحكومة ليؤكّد بأنّ الحريريّة السياسيّة قد انتهت وسقطت من عرشها المخمليّ.
في هذه الأثناء هبط اسم نوّاف سلام من جديد في باطن الترشيحات كخيار أميركيّ منزل وملزم لبعضهم. وتقول بعض المعلومات بأنّ اسم نوّاف هبط من جانح متشدّد في الإدارة الأميركيّة المتباينة في الشكل والجوهر مع الرئاسة الأميركيّة لأسباب انتخابيّة تستهلك ملفّات عديدة في دائرة الصراع على الرئاسة في أميركا بين دونالد ترامب وإدارته والإدارة الأميركيّة العميقة بصقورها. برأي متابعين إنّ الإدارة الأميركيّة العميقة المؤلّفة من جون بولتون وديفيد ساترفيلد وجيفري فيلتمان كشخصيات مستترة وفاعلة ومايك بومبيو وإليوت إنغل وديفيد شينكر وكيلي كرافت (المندوبة الأميركيّة في الأمم المتحدة) كشخصيات ظاهرة وفاعلة لا تزال أفكارها تتداعى في جوف الحراك السياسيّ كما الحراك الشعبيّ من باب التأثّر والتأثير ومن باب عكس الاتجاهك، وهي التي أملت على الرئيس الحريري بالاستقالة في لحظتها في حين لم تكن الاستقالة مطروحة في الأصل من قبله، وهي عينها التي أملت عليه بعدم الترشّح لرئاسة الحكومة. في مقابل ذلك تظهر شخصيّات أميركيّة منتمية إلى الرئاسة الأميركيّة تتحرّك في فلك الرئيس دونالد ترامب وقوامها جوزيف بادين وديفيد هيل المنتمنية إلى منهج الاعتدال المعقول والمقبول، والتي قبلت ببدء تبادل الإيجابيات مع إيران بوساطة عمانية لا بل انطلقت بتفاوض خفيّ في مسقط، كما تظهر توازنًا في مسالك التسوية مع سوريا وفي سوريا، وهي عينها أبلغت بوساطة ألمانيّة حزب الله بعدم الممانعة بأن يدخل الحكومة اللبنانيّة، والكتل التي لم يتسمِّ نواف سلام تعاملت بحذر مع المعطى الأميركيّ المزدوج، لا سيّما ان ديفيد هيل سيزور لبنان ضمن عنوانيّ الحفر في المكعّب رقم 9 وترسيم الحدود مع إسرائيل، ولكنّه سينكبّ على ترسيم حدود سياسيّة جديدة لمرحلة ما بعد تكليف الدكتور حسّان دياب والاتجاه نحو تأليف الحكومة العتيدة.
إنتهت معركة التكليف فماذا عن معركة التكليف؟ مناهج المعركة المقبلة تتمحور في ترسيخ الميثاقيّة الحيّة وفي حركة إنتاجية اقتصاديّة وماليّة ترفع لبنان من هذا البؤس الذي رموه فيه. حاولت بعض الكتل تجزئة القالب الميثاقيّ إلى مجموعة ميثاقيّات، فرأينا كتلة المستقبل تمتنع عن التسمية إلى جانب كتلة الوسط برئاسة نجيب ميقاتي، ليبدو المشهد بأنّ الميثاقيّة بالعمق السنيّ محجوبة عن حسّان دياب، لكنّها في الوقت عينه حرمت نوّاف سلام من الاتشاح بها والتماسها كمسلك للوصول إلى سدّة الرئاسة، لكنّ المفاجأة ظهرت بامتناع كتلة القوات اللبنانيّة عن التسمية لتؤكّد بأنها الحريرية السياسية انتهت في الشكل والمضمون، فلم توال لا هذا ولا ذاك، فيما كتلة الوزير وليد جنبلاط سمّت نواف سلام.
السؤال المطروح هل يكمل الرئيس المكلّف سعيه نحو التأليف أو سنشهد ضغطًا متزايدًا عليه من الشارع ومن أفرقاء آخرين، وبحال استطاع الرئيس المكلّف تأليف الحكومة فما سيكون شكلها من ناحية، ومن ناحية ثانية هل ستصمد أمام العناوين الجوهريّة المطروحة للنقاش، وأساسها قضيّة النازحين السوريين وعودتهم، والعلاقة اللبنانيّة-السوريّة بل دور لبنان في نوعيّة العلاقات ووظيفتها فيه بل وظيفته في نحتها والسير بها؟
للأيام المقبلة أن تظهر المراد ما بين الداخل والخارج، والرجاء أن تواجه الخطورة بالرصانة والهدوء، والفتنة بالحكمة والفطنة، ويبلغ لبنان شاطئ الأمان بالرضى والسلام.
حفظ الله لبنان وحماه من قساوة ما هو محجوب خلف السطور والصدور وعلى المفارق والمحاور والشطور…