رسالةٌ من مُسيّرة إسرائيليّة في عين التينة!(عبدالله قمح)
من الواضحِ، أنّ العدو الإسرائيلي أقحمَ سلاح المُسيّرات في عمق المشهد اللبناني مراهنًا على وضعية أن يصبح أداة، لا بل أنّ البعض يعتبر، أنّ “تل أبيب حوَّلت المُسيّرات من سلاحٍ له خلفيات عسكرية لآخر يرمي إلى تحقيق مُكتسباتٍ سياسيّةٍ أو يفيد في مكانٍ ما، بتوجيهِ رسائلٍ وضغوطاتٍ ذات طابعٍ سياسيٍّ.هذه القراءة أولية للمشهد العاصف الذي طَبَعَ الضاحية الجنوبية لبيروت وعين التينة فجر السبت – الأحد، ومحاكاة “طازة” للأهداف الرامية من وراء جرعة الاستفزازات التي أقدمت على فعلها تلك المُسيّرة.على مستوى الضاحية، لا تبدو المعلومات المجتمعة من “وهميات السبت”، أنّ المُسيّرات الإسرائيلية كانت تبحث عن أهدافٍ ما لضربها، على عكس المشهد الذي حصلَ في المنطقة نفسها منتصف آب المنصرم، والاعتقاد الأوّلي، بأنّ المُسيّرة كانت موكلة مهمة الاستفزاز أكثر من الاستهداف.في وقائع تلك الليلة، أنّ مُسيّرة اسرائيليّة رُصِدَت تُحلّق بشكلٍ منخفضٍ جدًّا فوق أبنيةٍ مرتفعةٍ في “مُرّبع معوض”، في مكانٍ قريبٍ من منطقة الاستهداف الأوّل منتصف آب، وكان لافتًا، أنّها حلّقت على مستوى مُتدنٍّ بحيث استطاعت العيون المُجرَّدة تمييزها بدقةّ. ترافق ذلك مع تحليقٍ كثيفٍ لأكثرِ من مُسيّرةٍ في محيطٍ دائري فوق الضاحية، من على علوَيْن متوسط ومرتفع.وبما أنّ أي إستهدافٍ ذات طابعٍ أمنيٍّ ترُشّح المُسيّرات لـ”ضربه” يحتاج إلى درجة ما من الخفاء والدقّة، فإن أسلوب تحليق المُسيّرة ونطاقها لا يدلان إلا على وجود نية في إستدراج إستفزاز ما من نوع محاولة إسقاطها من قبل أحد الشبان المندفعين المتواجدين في المنطقة، من خلال إطلاق النار عليها، وهو سيناريو أدركه العسكريون والامنيون الذين اجتاحوا المنطقة في أعقاب التبليغ عن مُسيّرةٍ، ومحاولة منع أي أحدٍ من القيام بأي تصرّفٍ طائشٍ.ثم أنّ جانبًا ضيقًا، قرأ في مستوى التحليق على أنه ربما شمل أهدافًا لها علاقة بإجراءِ عملياتِ مسحٍ أو تصويرٍ ما للمنطقة من على مستوى تحليقٍ معيّنٍ، وهذا يندرج ضمن مشروع القرار المٌتّخذ إسرائيليًّا بمسحِ “المُربّع” منذ ما قبل عملية الاستهداف الفاشلة التي حصلت في منتصف آب، بمعنى أنّ الإسرائيلي يبحث عن شيء ما نجهله ولا تفصح المقاومة عن ماهيّته.وفي درجةٍ أقلّ، ثمّة من اعتبرَ أنّ تحليقًا من هذا النوع وعلى هذا المستوى، قد يتصل بوجودِ نيّةٍ لدى إسرائيل لاختبارِ مدى جهوزيّة المقاومة في الردِّ على تحليقٍ من هذا النوع، أو ربما كانت تبحث عن جرّها نحو افتعال شيءٍ ما. وفي تقديرِ المتابعين، أنّ المقاومة ورجال الجيش أفلحوا في طريقةِ التعاطي مع الحدث ولم يتركوا للعدو أيّ مجالٍ كي يُنفِّذ منه نحو نصبِ فخٍ في عمقِ المنطقة الإستراتيجيّة للمقاومة.وفي الحديثِ عن الأفخاخِ، فـ”عين التينة” لا تقلّ شأنًا عن الأهداف الإسرائيليّة المتوخّاة من المُسيّرة، بحيث اتضحَ أنّ “الجسم الإسرائيلي” يلقي بظلاله على مقرّ الرئاسة الثانية، بدليل تحليق المُسيرة بشكلٍ دائري توزّعَ بين منخفض ومتوسط العلو لفترة دامت ساعات من تلك الليلة.لا بل أنّ المصادر المُقرّبة من “المقرّ”، تُفصح بما هو أسوأ، إذ أكّدت لـ””، أنّ هذا التحليق ليس الأوّل من نوعه على الإطلاق، إنّما نشهد منذ فترةٍ عمليّات تحليقٍ مماثلة مُكثّفة، ما استدعى اتخاذ شرطة مجلس النواب لتدابيرٍ خاصّة منها الاستعانة بقدرات أجهزة أمنيّة “زميلة”.وفي قراءةٍ للنوايا، تعتبر المصادر، أنّ من خلف تحليق المُسيّرة رسائل إسرائيليّة قد تكون تل أبيب تنوي توجيهها إلى عين التينة ممثلة بالرئيس نبيه برّي، ولا يتّصل الحديث هنا عن “محاولةِ إغتيالٍ” كما سُوِّقَ، علمًا، أنّ الرئيس برّي لُفِتَ نظره في السّابق إلى أكثرِ من تهديدٍ يطاوله، بل يتعلّق بموضوعٍ “يثير نقزة إسرائيل” تدرجه على قائمة أولوياتها، ويخوض برّي غماره.وفي إختصار، أنّ هذا الموضوع يرتبط بدور رئيس المجلس في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، إذ يقف برّي سدًا منيعًا أمام الجشعِ الإسرائيلي الساعي إلى الاستحواذ على حقوق لبنان، وهو -أي برّي- في المقابل، يمارس نوعًا من أنواعِ المقاومة الدبلوماسية في هذا الملف، بحيث أنّه أفشلَ مرارًا محاولات “تسلّلٍ إسرائيليّة” عبر هذا الملف، إما لتعديل وجهة المفاوضات وتحويلها من غير مباشرة إلى مباشرة ترعاها الأمم المتحدة في الناقورة ما يُمثل خروجًا عن التفاهماتِ الداخليّة اللبنانيّة، وهو ما كان محلّ رفضٍ وإسقاطٍ من قِبل برّي شخصيًّا، وإما من خلال محاولة إدراج أوراقٍ مقابل أخرى، بمعنى أنّ الترسيم يجب أن يستجلبَ في المقابل ترسيمًا آخر في منطقةٍ أخرى أو أكثر، وهو ما تولّى برّّي إحباطه أيضًا.وعلى الأرجحِ، فإنّ التحليق الإسرائيلي فوق عين التينة مقصودٌ، وهو يسبق عودة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، الذي يتولى مهمة إدارة التفاوض غير المباشر بين لبنان وإسرائيل حول هذا الملف.