المقالات

حاكم مصرف لبنان والأزمة المالية والنقدية: ″شاهد ما شفش حاجة″… (سفير الشمال:عبد الكافي الصمد)

خلال 48 ساعة فقط ناقض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كلامه كليّاً، وأعطى دليلاً على أن الأزمة المالية والنقدية في لبنان لا يملك حاكم البنك المركزي رؤية واضحة عنها، فكيف الحال بأنه يمتلك حلولاً لها.

يوم الإثنين الماضي قال سلامة إن “كل كلام عن أزمة دولار في السوق مضخّم، وإن الدولار متوافر، والمشكلة هي بين التجار والصرافين، وأنه لا شأن لمصرف لبنان بالمشكلة بين التجار والصرافين، وأنه لا حاجة إلى إجراءات إستثنائية”، قبل أن يتراجع في اليوم التالي عن كلامه، معترفاً بوجود أزمة، وبأنه سيتدخّل لحلها، برغم أنه مضى أيام عليها.

 

كلام سلامة يوم الإثنين بدا وكأن الرجل غير مطلع على حقيقة الأمور، ولا علم له بما يجري في السوق النقدية والمالية من إنفلات وخروج على القيود والضوابط، وأن أحداً من الصيارفة لا يلتزم بالتسعيرة الرسمية للدولار الذي تجاوز أمس عتبة 1600 ليرة للدولار الواحد، فهو قال إن “البنوك اللبنانية تلبي طلب العملاء على الدولار، مع إمكانية السحب من أجهزة الصراف الآلي في معظم البنوك”، مضيفاً أن “الدولار متوافر في لبنان، والكلام الذي نراه في وسائل التواصل الإجتماعي، وأحياناً الإعلام، مضخم وله أهدافه”، وأن عدم توافر الدولار في بعض الأماكن قد تكون لوجستية، مشيراً إلى أن “لدى البنك المركزي إحتياطيات تتجاوز 38.5 مليار دولار، وهو حاضر في السوق، ولا حاجة إلى إجراءات استثنائية”.

 

كلام سلامة حينها طرح تساؤلات حول إن كان الرجل الذي اختير ذات مرة أفضل حاكم بنك مركزي في الدول العربية، يعلم أو لا يعلم أن بعض المصارف أوقفت عمليات السحب بالدولار عبر الصرّاف الآلي، حتى لو كان حساب العميل بالدولار، وأن مصارف أخرى حددت سقفاً للسحوبات النقدية يبدأ من 500 دولار، وأن بعض المصارف أوقفت عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار عند السحب والإيداع، وإلزام العميل بسحب الأموال وفقاً للعملة التي لديه فيها حساب مصرفي، أو دفع عمولة لشراء الدولار، وإلغاء الحوافز التي يحصل عليها الموظّفون لقاء طلبات القروض، ولا سيّما بالدولار، والمُماطلة بالموافقة عليها، وهو ما يعني عملياً تخفيض القروض الممنوحة إلى مستويات متدنية.

 

هذا غيض من فيض ما يحصل من فوضى واضطراب في السوق النقدية الذي اضطر بعده سلامة للإعتراف بالأزمة، ولو بشكل غير مباشر، عندما أصدر يوم الثلاثاء بياناً قال فيه إنه “سيُصدر تعميماً ينظّم فيه تمويل إستيراد القمح والدواء والبنزين بالدولار الأميركي”، قبل أن يلتقي أمس رئيس الحكومة سعد الحريري في السرايا الحكومي الكبير، بناء على طلب من الحريري، لكن سلامة دخل وخرج من غير أن يدلي بأي كلمة.

 

هذا الغموض الذي يكتنف السوق المالية والنقدية، والإرباك الذي جعل جميع المواطنين خائفين على أموالهم، سواء بالليرة خوفاً من إنهيارها، أو الدولار الذي لم يعد بإمكانهم الحصول عليه من حساباتهم في المصارف، والشائعات التي تعمّ البلاد عن وجود إياد خفية داخلية وخارجية تتلاعب بالسوق النقدية والمالية من أجل تحقيق أرباحاً ومكاسب خاصة، لم تدفع حاكم مصرف لبنان ولا رئيس الحكومة ولا وزير المال ولا جمعية المصارف إلى التبرع بمخاطبة اللبنانيين عن حقيقة الأزمة، وطمأنتهم على مدخراتهم ووضع عملتهم ومصير البلد ككل.

 

إذا لم يفعل هؤلاء ذلك، فمن يفعله إذاً، ومن يردع الحيتان التي لا تشبع عن ابتلاع البلد؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى