خطوة إلى الأمام.. خطوات إلى الوراء
… خطوة إلى الأمام، خطوات إلى الوراء. هكذا يبدو الواقعُ في لبنان الذي يسعى إلى إيجادِ كوابحَ توقف انزلاقَه نحو اضطراباتٍ بدأتْ مؤشراتُها تلوح وسط ازدياد صعوبة الفصل بين مساريْ الوضع المالي – الاقتصادي البالغ الحراجة والوقائع اللاهبة في المنطقة التي تمْتحن بيروت ومدى قدرتها على الحفاظ على آخِر خيوط «النأي بالنفس».
ولم يكن عابراً المشهد الذي ارتسم بـ«صورتيْن»، واحدة في نيويورك والثانية في إيران، من خلْف ظهْر الحِراك الذي لا يهدأ داخلياً ومع الخارج لتوفير «مخرج طوارئ» للبنان من إحدى أسوأ الأزمات المالية – الاقتصادية والتي بدأت مظاهرها تتجلّى في يوميات اللبنانيين وتشكّل «أزمةُ الدولار» أحد «عوارضها» غير الصامتة.
ففي مقرّ الأمم المتحدة، سرَقَ الأضواءَ «اللقاءُ السريعُ» بين الرئيس اللبناني ميشال عون ونظيرِه الإيراني حسن روحاني أول من أمس بمشاركة وزيريْ خارجية البلديْن جبران باسيل ومحمد جواد ظريف.
وفي طهران، نشْر مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي للمرة الأولى، صورةً تجمعه مع كل من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، من دون تحديد تاريخها وملابساتها.
وفيما ظهرتْ الصورةُ أيضاً على غلاف العدد الأول من مجلّة «مسير» التي ضمّت حواراً مطولاً مع نصرالله شرَحَ فيه طبيعة العلاقات التي تربطه بالمرشد الأعلى.
ودعتْ أوساط سياسية إلى رصْد تداعيات هذه الصورة على مستوى النظرة الخارجية للبنان الموضوع «تحت العين» الدولية.
والثاني أن كلمة عون أمام الجمعية العامة حَمَلتْ إشاراتٍ اعتُبرت من أطراف غير مؤيّدة له في بيروت بمثابة ابتعادٍ للبنان الرسمي عن النأي بالنفس، وذلك عبر تلويحه بفتْح حوار مباشر مع النظام السوري لحلّ ملف النازحين، معلناً أن عرقلة بعض الدول الفاعلة والمنظمات الدولية المعنية عودة هؤلاء «قد يدفع لبنان حكماً إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها، بالاتفاق مع الدولة السورية لحلّ هذه المعضلة التي تهدد الكيان والوجود»، ثم تأكيده «ان لبنان بلد محبّ للسلام، وهو ملتزم القرار 1701، إلا أن التزامنا هذا لا يلغي حقنا الطبيعي وغير القابل للتفرغ، بالدفاع المشروع عن النفس، بكل الوسائل المتاحة».
إلى ذلك، بدا واضحاً أمس، أن بيروت باتت تحت تأثير الشحّ المتمادي للدولار من الأسواق والذي صار يهدّد قطاعات حيوية مثل المحروقات والطحين والدواء ويعكس في أحد نواحيه وجود قرار اضطراري أو إرادي بتحرير تدريجي لسعر صرف الليرة، بحيث أصبح للدولار عملياً سعرٌ رسمي نظري أو يُعتمد فقط لتغطية استيراد «السلع الاستراتيجية» في ما يشبه «الدولار المدعوم»، في موازاة سعر السوق المتروك من هوامش العرض والطلب التي تشي بتفلُت تصاعُدي ولو مضبوط يُخشى أن يجرّ إلى انفلات بالأسعار وتالياً اضطرابات اجتماعية.