إنهم أخوة يوسف يا جبق! (عبدالله قمح)
من هي الجهة اللبنانية التي تتصرَّف مع شريكها في الوطن وفق منطق “أخوة يوسف”، أولئك الذين أخذتهم الغيرة من شقيقهم الأصغر إلى رميه في البئر غيلة؟ بالتالي، من يحاول رمي وزارة الصحة اللبنانية اليوم في البئر ومعها مئات آلاف المرضى غير آبهٍ بالنتائج والأضرار المترتبة عن ذلك؟ هل تعلم تلك الجهة أو الجهات، أن محاولات التآمر تلك ستضع الأمن الصحي على شفير البركان؟ الثابت بعد انجلاء غيمة رفض منح وزير الصحة جميل جبق تأشيرة عبور إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في مؤتمر الصحة العالمي المزمع انعقاده على هامش المؤتمر العام للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، ان الواشي بالوزير “محلي الصنع”، اسدى نصائح وتمنيات جليلة إلى من هم في واشنطن، وربما لفّق وحرّف أدلة وتهم تُصرّف تحت فعل “واستحوذ حزب الله” رغبة منه في تعميم “بنود العقاب” على الوزارة، ويبدو أنّه نجحَ في ذلك.وما يزيد الأمور سلبيةً ويجعلها حمّالة أوجه، أن ضم وزارة الصحّة إلى رزمة الضغوطات الأميركية، يأتي بالتزامن مع اتساع الضغوطات على مجموعة من المراكز والقطاعات الحيوية اللبنانية، من الليرة والاقتصاد إلى الجيش والقضاء، ما يدل إلى أن الهجوم على ركائز الدولة هو عبارة عن “package” يجري تناولها بشكلٍ متدحرج تندرج غالباً تحت مشروع الإخضاع نفسه.المشكلة، أن “رماة الغدر” قد سقط سهواً عنهم ربما، ان من رميَ في البئر وسلب حقه، عوّضه ربّه بأن تحوّلَ إلى “عزيز مصر”، فهل نحن أمامَ تشكّل حالة “عزيز لبنان” الذي سيمنّ الله عليه بأثمان الطعنات، وينال المؤمنون جزاء البلاء؟الجهة، أو الجهات، ليست مجهولة! بمقدور المتابعين البحث عنها بين رزم الأوراق المتراكمة التي تفوح منها رائحة التآمر. الشيخ نعيم قاسم الذي أشار بالعموميات إلى تلك الجهات، كأنه كان يوجه إليها رسالة “تمنٍ” عساها تدرك نتائج أفعالها قبل أن تمعن في اذيتها وتنضم إلى قائمة بنود “خيارات الرد المناسبة” التي يدرسها حزب الله “رداً على استهداف مواطنين ومؤسسات لبنانية”.وعلى ما يبدو ان الوشاة بوزارة الصحة، الناشرين إتهامات خضوعها لحزب الله عبر بث سلسلة رسائل ومقالات صحفية تحت فعل “استحواذ” قد وجدوا اذناً صاغية لدى الدولة التي تقيم فرائض العقوبات علينا، فعدلت عن قرارها التعامل مع وزارة الصحة “في الضرورات” إلى تعميم قرب إتخاذ بـ”إجراءات قاسية بحق الوزارة والوزير، ومنها العقوبات”.السامع لكلام مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب، مارشال بيلينغسلي، الأسبوع الماضي، واتهاماته لحزب الله بـ”دخول سوق تجارة الدواء”، يوحي ان البلاد ووزارة الصحة مقبلة على أزمة على صعيد القطاع الصحي، ازمة مفتعلة، يريدها اصحاب النوايا السيئة مشروعاً لزيادة الضغط على حزب الله من خلال استثمار البعد الشعبي وتعزيزه بعدما أدخل من بوابة “العقوبات المالية على المصارف”.ثم ان حياكة التهم يُعد جزءًا من محتوى يعمل على إدخاله إلى الملف الذي يُعد لوزارة الصحة كي يبرر وضعها على قوائم العقوبات وبالتالي وقف التعامل معها، وهذا كله يجري، وفق معنيين، “بترتيب محلي لبناني يقف خلفه اصحاب ضغائن”، يعملون ليلاً نهارًا على ربط “ترهات” بوزارة الصحة.الكلام الأميركي الذي يُسرّب إلى السامعين في بيروت، يشير إلى تبدّل طرأ على تعامل الإدارة الأميركية مع وزارة الصحة، بعدما كانت قد حيّدتها عند إعلان تشكيل الحكومة عن أي إجراءات، بدليل سفر جبق إلى واشنطن خلال شهر أيار المنصرم ومشاركته في مؤتمر أطباء من دون أية عوائق، ما اوحى ان واشنطن قد تراجعت يومها عن تهديداتها التي واكبت تشكيل الحكومة، او انها احتكمت إلى واقع.السؤال اليوم، لماذا تبدل الموقف الأميركي من “إحتواء وزارة الصحة” و تحييدها عن “الأزمة” إلى إدخالها في عنق زجاجة الأزمة؟ ما هو السر الذي وقف خلف هذه الانقلابة المفاجئة في غضون أقل من 6 أشهر، من له مصلحة في ذلك؟المكشوف الآن، أن جهة لبنانية تقف خلف أعمال الوشاية الجارية، مستعينة بقدرات تتمتع بها لوبيات معادية لحزب الله، لبنانية وغير لبنانية.المشكلة الأعمق تكمن في طريقة المعالجة اللبنانية، التي وإلى حد الآن ورغم معرفتها بالتوجه الاميركي ومنه رفض إعطاء تأشيرة، ما زالت تتعامل مع الوضع وكأنه غيمة صيف عابرة، من دون اي تحرك او تدخل، ما اوحى بأن الامور السيادية متروكة لكي يقرر فيها أصحاب الرؤوس الحامية!