السادات وهيكل حين تصادم الحلم مع السلطة

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
السادات وهيكل حين تصادم الحلم مع السلطة في الزمن كانت فيه الكلمات تصنع الثورات والأقلام توازي البنادق اجتمع رجلان على خشبة المسرح السياسي المصري
أحدهما يرتدي عباءة السلطة
والآخر يحمل سيف الكلمة
أنور السادات ومحمد حسنين هيكل لم تكن علاقتهما مجرد تقاطع مصالح
بل كانت صراعا بين من أراد أن يكتب التاريخ ومن أراد أن يحرره من قيود الرواية الرسمية
في هذه العلاقة لم يكن السؤال من انتصر بل من استطاع أن يسبق عصره دون أن يحترق بنار التغيير
هيكل لم يكن صحفيا فحسب بل كان عقلا سياسيا نافذا يرى أن دوره يتجاوز نقل الخبر إلى صناعة الرؤية
آمن بأن مصر يجب أن تبقى في قلب العالم العربي وأن استقلال القرار السياسي لا يعني الارتماء في أحضان الغرب
كان يرى في الانفتاح الاقتصادي خطرا على الطبقة الوسطى
وفي السلام مع إسرائيل تنازلا عن الكرامة القومية
توقع هيكل أن العالم العربي سيرفض التطبيع وأن الغرب لن يمنح السادات شرعية مجانية دون تنازلات مؤلمة
توقع أن الصحافة ستظل شريكة في القرار لا مجرد بوق للسلطة
وأن الانفتاح سيؤدي إلى تفكك اجتماعي وظهور طبقة طفيلية
ما تحقق كان صادما طردت مصر من جامعة الدول العربية بعد كامب ديفيد
قُطعت العلاقات مع معظم الدول العربية
ظهرت طبقة جديدة من رجال الأعمال على أنقاض الطبقة الوسطى
الغرب احتفى بالسادات لكنه لم يمنحه حماية دائمة
كما ظهر في اغتياله لاحقا
أما السادات فقد رأى أن مصر لا يمكن أن تبقى رهينة شعارات عبد الناصر
أراد أن ينقلها من زمن الشعارات إلى زمن المصالح
توقع أن العرب سيلحقون به في مسار السلام وأن الغرب سيمنحه شرعية دولية
وأن الانفتاح الاقتصادي سيجعل من مصر نمرا شرق أوسطيا
توقع أن الشعوب ستؤيد السلام إذا شعرت بالاستقرار
وأن أمريكا ستدعمه اقتصاديا وسياسيا
وأن الإعلام الغربي سيعتبره رجل السلام ويمنحه مكانة تاريخية
ما تحقق كان جزئيا حصل على جائزة نوبل للسلام
وقّعت الأردن ومنظمة التحرير لاحقا اتفاقيات مشابهة لكن مصر عانت من عزلة عربية استمرت سنوات
الدعم الغربي جاء مشروطا ولم يتحول إلى نهضة اقتصادية حقيقية
هيكل كتب التاريخ
والسادات صنع الحدث
الأول توقع انهيار المشروع القومي إذا فُقدت البوصلة
والثاني راهن على أن الواقعية السياسية هي الطريق الوحيد للنجاة
كلاهما كان محقا وكلاهما خسر شيئا
هيكل خسر منصبه لكنه كسب خلودا فكريا السادات كسب السلام لكنه دفع حياته ثمنا له
في النهاية لم يكن الصراع بين رجلين
بل بين رؤيتين واحدة تؤمن بالرمزية والهوية وأخرى تؤمن بالبراغماتية والمصلحة
وبينهما ضاعت مصر في مفترق الطرق
تبحث عن ذاتها بين الحلم والواقع