مقالات

جمهوريّة الضّحك حين يصبح المواطن نكتة والمتسوّل خبيراً ماليّاً

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة

في زمن لم يعد فيه المواطن يملك ثمن الحزن بات الضّحك هو العملة الوحيدة التي لا تخضع للضرائب بعد
فالمواطن لا يضحك لأنه سعيد بل لأنه إن لم يضحك سيبكي وإن بكى سيحتاج مناديل والمناديل ارتفع سعرها فاختار الضّحك توفيراً

في بلاد تقرأ فيها الملامح كما تُقرأ التقارير المالية مررت بجانب أحد المتسولين فقال من مال الله يا ابن الحلال فرددت أقسم بالله ما معي قرش فأجاب لا تحلف باين ما معك من شكلك وهنا أدركت أنني لا أحتاج إلى كشف حساب بنكي فملامحي أصبحت بيان فقر معتمد

هذا المشهد ليس طرفة بل مرآة تعكس انهياراً نفسياً واجتماعياً عميقاً
و المواطن بات يعيش في مسرحية عبثية حيث كل حوار يصلح أن يكون مشهداً في مسلسل ساخر لكن بلا إنتاج لأن المنتج نفسه هاجر

الضّحك كآلية دفاع جماعي

ففي ظل غياب العدالة وتآكل الطبقة الوسطى وانهيار منظومة الدعم بات الضّحك هو السلاح الأخير المواطن يضحك كي لا ينهار يسخر كي لا يختنق ويحول مأساته إلى مادة كوميدية تتداول على منصات التواصل وكأننا نعيش في جمهوريّة الضّحك حيث المواطن فقير والمتسوّل ناقد اقتصادي

الضّحك هنا ليس ترفا بل ضرورة وجودية إنه الحيلة النفسية التي تمنع الانهيار والصرخة التي تطلق دون أن تكلف شيئا في مجتمع باتت فيه النكتة أسرع من الخبر الرسمي وأكثر صدقا من التصريحات الحكومية أصبح الضحك هو الإعلام البديل والوعي الشعبي المتداول

المتسول كمحلل اقتصادي

لم يعد المتسول يطلب المال فقط بل يقيم حالتك النفسية ويمنحك شهادة فقر من هيئة العيون التي ترى ما لا يقال في زمن بات فيه شكل الحذاء يستخدم كمؤشر اقتصادي أصبح الفقير خبيرا في قراءة المؤشرات من النظرة الأولى بينما تتخبط المؤسسات في إعداد تقاريرها

هذا التحول يكشف عن مفارقة مريرة من لا يملك شيئا بات يملك البصيرة ومن يملك السلطة فقد القدرة على الرؤية المواطن يعيش في مسرحية كوميدية سوداء حيث كل مشهد يحمل نكتة وكل نكتة تحمل وجعا

الآثار الاجتماعية للسخرية الجماعية

تآكل الثقة بين المواطن والدولة وبين المواطن ونفسه
تحول النكتة إلى بديل عن المطالبة بالحقوق مما يضعف أدوات التغيير
انتشار ثقافة التهكم بدل التحليل والضحك بدل المساءلة مما يخلق جيلا ساخرا لكنه عاجز عن الفعل

الضحك الجماعي رغم طاقته التحريرية قد يتحول إلى غطاء يخفي عمق الأزمة ويمنح شعورا زائفا بالسيطرة إنه أشبه بمسكن نفسي لا يعالج الألم بل يؤجله

الحلول الساخرة لحالة غير ساخرة

تأسيس وزارة الضحك الوطني مهمتها إصدار نكات رسمية يومية لرفع المعنويات وتوزيعها عبر مكبرات الصوت بدل نشرات الأخبار
إطلاق عملة جديدة اسمها الضحكة تستخدم في شراء الخبز ودفع الفواتير وحتى في الزواج من يضحك أكثر يحصل على مهر أقل
إدخال مادة الوعي الساخر في المناهج لتعليم الأطفال كيف يضحكون على المأساة دون أن ينسوا جذورها
تحويل المتسولين إلى خبراء اقتصاديين ميدانيين فهم يملكون قدرة خارقة على قراءة المؤشرات من النظرة الأولى وقد يتفوقون على خبراء صندوق النقد

نحن لا نطلب الشفقة بل نطالب بالاعتراف لا نبحث عن الضحك المجاني بل عن العدالة التي لا تضحكنا من فرط غيابها في بلاد بات فيها المواطن نكتة تمشي على قدمين حان الوقت أن نعيد تعريف الضحك ليس كفعل هروب بل كصرخة واعية في وجه العبث

الضحك ليس نهاية الحكاية بل بدايتها وإذا كان المتسول يرى فقرنا في وجوهنا فلنره وعينا في كلماتنا ولنحول النكتة إلى أداة مساءلة لا مجرد تسلية

عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى