“طوفان الأقصى” حرر العالم.
أحلام بيضون.
تميزت حركة المقاومة الفلسطينية في غزة، إلى جانب أمور أخرى، بإتقان الحرب النفسية، فاستخدمت ببراعة المشاهد المصورة الحيّة، فأضفت على ما يقوم به مقاتليها صفة المصداقية والإقناع، وهذا العامل هو نفسه ما ميّز مقاتلي المقاومة الإسلامية في لبنان، ما جعل العدو لا يستطيع تكذيب ما يصدر عن الحزب أو قيادته من بيانات.لقد صور مقاتلو حماس والجهاد الإسلامي معاركهم بتفاصيلها، وصوروا تسليم المحتجزين الإسرائيليين، بإبداع في الصورة للمعاملة الإنسانية والرقي، كما قدموا مشاهد حيّة لحالة المحتجزين الاسرائيلين لديهم، حيث حمّل هؤلاء المسؤلية عن مصيرهم لحكومتهم، وصوروا تحركات عدوهم الهزيلة في الميدان، وصوروا وحشيته وإجرامه ضد المدنبين، وكل ما ينبض في الحياة أو يخدمها في غزة. ولا شكٌ أنه كان للإعلاميين الفلسطينيين، بما تميزوا به من شجاعة وإقدام الفضل في نقل صورة العدو بأبشع صورها للعالم.كل ذلك كان، ولكن لماذا اختارت قيادة المقاومة في غزة، “طوفان الأقصى” عنوانا لمعركتها؟ إن النسبة إلى الأقصى مفهومة، فهي تنبه إلى أهمية هذا المعلم الديني، وتنبه إلى خطورة المسّ به، معطية لمعركتها طابعا يخص المسلمين في شتى أنحاء العالم، لما لذلك من تحريك لمشاعرهم ودعوة لمحاسبة الذات. ومع ذلك، تبقى الأهمية الخاصة لاختيار كلمة طوفان، فهل كان يعلم من اختار هذه الكلمة أن أصداءها وآثارها ستمتد إلى العالم؟ وإذا علموا ذلك أو قصدوه، هل كانوا يعلمون أن من شأن ذلك أن يؤسس لتحرير العالم.؟ أظن أنهم كانوا يقصدون أن يؤثروا في شعوب العالم لكي يكسبوا مساندتها، ولكنهم لم يكونوا يتوقعوا أن يحرروا تلك الشعوب من نير الصهيونية وعقدة الاساميّة. إنهم أرادوا أن يحرروا أنفسهم، أرضهم وشعبهم من مغتصب عنصري نازي مجرم. لم يتوقعوا أن تنقلب شعوب العالم على حكوماتها المتآمرة أو المتخاذلة عن نصرة شعب مظلم، ووقفت بكل سادية تشاهد ما يتعرض له من مجازر، وانتهاكات للكرامة الإنسانية. لقد تحررت تلك الشعوب، ونطقت لأول مرة ضد الكيان الصهيوني بكل جرأة وتصميم، وعمدت إلى تفعيل المقاطعة ضده، وأعلنت بكل قوة مساندتها للشعب الفلسطيني، بعد أن كانت تلك المسندة قليلة وخجولة. لأول مرة كسرت تلك الشعوب حاجز الخوف الذي وضعوه لها، والمتمثل باتهامها باللا سامية، وما يجره عليها ذلك من خسران وتأثير على حياة الأشخاص، يصل إلى حد التصفية. لقد رفع المتظاهرون الشعارات المناصرة للشعب الفلسطيني، فصدحت الحناجر : فلسطين حرة، ورفعت صور المجازر والشهداء، واختفت كلمة إسرائيل وحلٌ مكانها توصيف لمجرمي الحرب الصهاينة، وتحركت المظاهرات لأول مرة في التاريخ إلى أمام منظمة الإيباك اليهودية الداعمة للكيان الصهيوني، والمؤثرة، وربما الحاكمة لقرار الإدارة الأميركية. وقد كانت تترافق التحركات بالتعبير عن الحالة النفسية للمتظاهرين، وكيف أنهم لم يعودوا خائفين، وكيف أنهم لن يتخلفوا عن قول الحق والدفاع عنه حتى لو كلفهم ذلك وضائفهم وربما حياتهم، لقد تحرروا. شولقد كان للتطور الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي، والتحرر من الأنباء المعلبة الأثر الأهم في تشكيل الرأي العام العالمي تجاه المظلومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن من الزمن، والتي دبرت في ليل حالك منذ أكثر من قرن، ووضعت موضع التفيذ من قبل نازيين ومستبدين ولصوص، مهنتهم السطو بوحشية على أوطان لآخرين ومواردهم، حتى لو تطلب ذلك إبادتهم.لقد حررت مأساة غزة، ومأساة الشعب الفلسطيني العالم، لقد فرز “طوفان الأقصى” العالم بشكل واضح بين شعوب حرة، وبين عصابة تمتهن الشر سبيلا.
أحلام بيضون
بيروت، في ٢٤/١٢/٢٠٢٣