طوفان الاقصى للتحريك ام للتحرير..
ميخائيل عوض
بيروت؛ ١٢/١١/٢٠٢٣
برغم مرور ٣٧ يوما على جولة طوفان الاقصى، وتشغيل ستة جبهات في الحرب الاقليمية الجارية بمساحة ملايين الكيلومترات، وبعدد سكان يفوق المائتا مليون انسان غالبيتهم من الشباب، وليست مقتصرة على غزة ومساحتها التي لا تجاوز الثلاثمائة وستون كيلو متر مربع والمحاصرة لعشرين سنة وتقتل وتصبر وتصمد، وتبدع، وتنتج رجالا هم درة رجال الحروب واثمنهم.وبرغم كل ما هو جار، ووصف الحرب من قبل خبراء عالميين مشهود لهم بانها الحرب العالمية الثالثة، ووصف كبريات الصحف العالمية السيد حسن نصرالله بانه الرجل الذي يملك مفاتيح الحرب العالمية.
مازالت نظرية المؤامرة جارية، كما تنظيرات اقتصادوية لا علاقة لها بالوقائع والمعطيات والتطورات.والنظريتان تقومان على ان حماس اخوان مسلمين والاخوان لا يؤتمن منهم وعليهم.وان نجاح ويسر العملية يسمح بالاستنتاج انها مخططة مسبقا ومتفق عليها مع امريكا وربما اسرائيل وان شطب شمال غزة وتهجير الغزيين الى الجنوب بقصد تمرير قناة بن غوريون القاتلة لمصر وقناة السويس في سياق التطبيع السعودي الإسرائيلي ولتامين الطريق الهندي بديلا عن الطريق والحزام الصيني.وتجزم النظريات المشككة بانه كيفما جاءت النتاىج فستعزز خيار التسوية وتصفية القضية الفلسطينية واعادة تشغيل المخطط الامريكي لتفتيت المنطقة وتقسيم المقسم فيها، لتفويض اسرائيل وتأمينها وتامين السيطرة الامريكية وكسر اوراسيا الصاعدة وتنطلق من فكرة ان امريكا واسرائيل قوى قهري وقدرية يستمر الزمن طوعهم وطوع مشاريعهم وخططهم ومصالحهم.الا ان الواقع ينفي وينسف تلك النظريات واقتصاداتها. فمن بدا الجولة حماس ومحور المقاومة سارع لدخول الحرب وتنسيق الجهد على الجبهات، ولم تبدأها او تخطط لها اسرائيل والثابت ان لا كتائب القسام ولا محور المقاومة يعمل مع او عند اسرائيل وامريكا وقادة حماس لم يعلموا بالعملية الا بعد تنفيذها بساعات. اما تحقيق اهدافها بسهولة وبنتائج تفيض عن الحروب الكبرى يعود لدقة التجهيز والسرية والمفاجأة وللظروف التي وفرت اسباب وشروط نجاحها الباهر وبلوغها درجة العمل الاعجازي والعجائبي، وفي تجارب الشعوب كثيرا ما يشبهها وبمستوى عجائبيتها، ناهيك عن ان اسرائيل اصلا في حالة ازمة بنيوية وعميقة وجيشها مترهل وانماط دفاعها قامت على دور التكنولوجيا التي يمكن تعطيلها والحروب تحتاج لحسمها وانجاز اهدافها الرجال والرجال المحاربون هم في صف وجند محور المقاومة كما اثبتت التجارب والحروب منذ خمسين سنة.وبكل حال لا يعيب حماس ولا كتائب القسام ان تكون اخوانية او متحالفة معهم او على هامشهم، ولا عيب عليها توسيط قطر للتفاوض، فالميدان هو الحاسم وليس طاولات التفاوض وتشاطر المتفاوضين. ويسجل للقسام هذا الانجاز العبقري مضافا عليه القتال البطولي والتحكم بمسارات الحرب وبامتلاك قدرة على السيطرة والتحكم والاتصالات في حرب حقيقة وفي وجه عملية تدمير شاملة وبمشاركة امريكية واطلسية مباشرة في الحرب وادارتها.وبكل الاحوال فالعملية اسقطت قدرات إسرائيل وأسطورتها وكسرت كل الحملات التي صورتها سوبر مان وقوة قاهرة لا يجرؤ احد على مهاجمتها.وغزة تستنفر وتستنهض العالم، والحراك الشعبي عارم ومتصاعد وتغير غزة في ثقافة وقيم الشعوب كما عرت الاطلسي والانكلو ساكسوني.وكيفما انتهت الحرب واي سبيل ستتخذه فأيام اسرائيل العادية باتت معدودة فبقائها مسالة ايام اذا عصفت الحرب وتحولت الى حرب يوم القيامة في مختلف الساحات واسابيع او اشهر اذا استمرت الحرب لأسابيع واشهر باعتبار ان إسرائيل وامريكا لا تتحملان حرب استنزاف طويلة ولا النخب الاوروبية.
وابادة مليونان من فلسطيني غزة تعني ابادة إسرائيل والقواعد والمصالح الاطلسية في الاقليم، واذا توقفت الحرب وعدنا الى حرب الجولات وترصيد النقاط فغزة وفلسطين منتصرة وإسرائيل ستنفجر على نفسها ويستحيل عليها قبول حل الدولتين والانسحاب وتفكيك مستوطنات يهودا والسامرة والجولان. وانتصار غزة والنقمة لأطفالها سيدفع بالفلسطينيين الى التمسك بالحق القومي كاملا اي تحرير فلسطين من البحر الى النهر، وتتقاطع استطلاعات الرأي ورأي الخبراء بان اكثر من مليونين من المستوطنين بمجرد وقف النار سيرحلون ويختل لتوازن الجغرافي بصورة دراماتيكيه والسلاح الصواريخ والرجال سيصيرون في الضفة كما هم في غزة والضفة في قلب فلسطين وعلى احتكاك من مسافة صفر مع الجيش والمستوطنين.بغض النظر عن من قرر العملية وما هي اهدافها عند تنفيذها الا انها اطلقت تفاعلات وستطلق نتائج بأبعاد استراتيجية وما فوق استراتيجية لجهة ما تحقق فيها وما كشفت عنه، ولجهة تأثيرها على امريكا وانتخاباتها ومستقبل وجودها في الاقليم وذات الشأن بإزاء النخب الاوروبية الحاكمة والتي سارعت لكشف حقيقتها نصيرا لإسرائيل وتدمير المشافي وقتل الاطفال والنساء.فليس من مكان لمشروعات اسرائيلية امريكية ولا فرصة لإنشاء قناة بن غوريون، او نجاح استراتيجية تفتيت المقسم في العرب فذاك زمن اصبح من الماضي وطوفان الاقصى دفنه والى الابد. اي كانت دوافع عملية طوفان الاقصى، ومقاصد المبادرين شكلت ارهاصا للمستقبل وقررت ان الحل الوحيد للصراع بات تصفية اسرائيل وليس تصفية القضية الفلسطينية.
ولن يكتب بعد اليوم سطرا واحدا في مشروعات التطبيع والابراهيمية ولا في احتمالات انجاز تسوية للصراع العربي الاسرائيلي فقد انتفت ظروف وشروط التسوية مع قتل اسرائيل لرابين لأنه اعطى وعدا بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران ١٩٦٧ فكيف تستطيع جهة ان تفرض على اسرائيل ما رفضته مع رابين وقد اختلت بنيتها وتوازناتها المجتمعية لصالح المتطرفين والمتدينين.