“طوفان الأقصى”: نتائج وأبعاد.
عمر معربوني* خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
إن أي توصيف يصف عملية طوفان الأقصى بالعملية النوعية هو توصيف خاطيء، كما أن أي مقاربة للوقائع الحالية ترتكز الى ما قبل العملية هي ايضاً مقاربة خاطئة.
طوفان الأقصى هي تطوُّر وتحوُّل نقل الصراع من مرحلة معادلة الردع الى مقدمات معادلة النصر، وهو ما يجب توصيفه بدقّة.إن تمكُّن 1200 مقاتل من إحداث هذا التطوُّر أو التحوّل هو في حد ذاته مسألة تحتاج إلى الكثير من الدرس والمتابعة، وهو برأيي ليس موضوعاً ملحّاً الآن ويمكن تأجيله إلى ما بعد هدوء عاصفة الميدان، لكن ببساطة وعلى عجالة، ما حصل هو مدرسة عسكرية جديدة بالكامل قناعتي انهّا على مدى العقود القادمة سيتم تدريسها في كل الكليات والأكاديميات العسكرية عبر العالم.اولاً: ماذا حقّقت العملية؟ ببساطة حقّقت العملية المفاجأة العسكرية بأبعادها الثلاثة التكتيكية والعملياتية والإستراتيجية.1- على المستوى التكتيكي: يمكن الإستدلال على هذا البعد من السرعة في تنفيذ المهمّة والتنسيق العالي المتمثل بضبط إيقاع مجموعات الإقتحام والتناغم فيما بينها سواء منها البريّة أو الجويّة أو البحرية، وهذا ان دل يدّل على مستوى الكفاءة في منظومة القيادة والسيطرة والإنضباط العالي لضباط وافراد العملية من اعلى مستوى الى ادناه.إضافة الى ذلك كان عامل الجرأة حاضراً في كل لحظة من لحظات العملية وهو الترجمة الطبيعية لعاملي الإرادة وثقافة المواجهة المرتبط بالبعد العقائدي المنطلق من ايمان ثابت وراسخ بعدالة القضية كمحرك أساسي شكّل وسيشكّل رافعة للعمليات اللاحقة.2- على المستوى العملياتي (التعبوي): استطاعت مجموعات الإقتحام أن تنفذ مهامها على مسرح عمليات وصل الى ما يقارب 700 كلم مربع أي ما يعادل ضعفي مساحة قطاع غزّة ما يعني عسكرياً نقل المعركة الى مناطق السيطرة الإسرائيلية والإحتفاظ بهذه المساحة لأيام ما يعكس طبيعة الصدمة الإسرائيلية التي لم تستعد القدرة على إعادة اطلاق منظومة القيادة والسيطرة بشكل متسارع ما ابرز بشكل واضح العجز والفشل وعدم القدرة على تفعيل الجهد المضاد واستعادة المبادأة إلاّ بعد أيام.3- على المستوى الإستراتيجي: أبرزت العملية هزيمة ثلاثية الأبعاد لا يمكن ترميمها واستعادتها الا بتحقيق الأهداف التي اعلنها نتنياهو كاملة، فبمقاربة سريعة يمكن القول إن “إسرائيل” التي قامت على دعامتين أساسيتين وهما الجيش والدعم الغربي قد تعرضت بدعامتها الأولى لإنكسار كبير هو ما يفسّر الإندفاع الغربي السريع والمحموم لتقديم النجدة ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه ووضع كل الإمكانيات الغربية بتصرف المواجهة، وللتذكير فإن بن غوريون أحد مؤسسي الكيان الإسرائيلي قال بوضوح ان المجتمع هو مجتمع محاربين ما يعني أن أي هزيمة تلحق بالجيش ستلحق بالمجتمع وهو ما وصفه نتنياهو بمعركة الوجود وان لا خيار سوى النصر او الموت.اذن نحن أمام وضعية جديدة تحولت فيها “إسرائيل” من جيش لا يُقهر الى جيش ومجتمع مهزوم، فمجتمع المحاربين هو الآن مجتمع مهزومين وخائفين ومذعورين وصل الى مرحلة الإضطرار للقتال على العديد من الجبهات بصيغة الدفاع وبات مطوقاً بحزام من النار وهذا ايضاً انكسار للعقيدة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعتمد على القتال خارج أراضي سيطرتها بنمط الحرب الخاطفة دون أن يتعرض أي إسرائيلي في الداخل لطلقة بندقية.انطلاقاً من هذه الوضعية الجديدة التي لن تستطيع “إسرائيل” خلالها تحقيق أي هدف من أهدافها التي أعلنها نتنياهو بالقوة وهي:1- القضاء على “حماس”2- تحرير الأسرى3- فرض السيطرة على القطاع وحكمه مباشرة أو عبر السلطة الفلسطينية.موضوعياً: يستطيع جيش العدو قتل المزيد من الفلسطينيين وتدمير مساحات إضافية من مباني القطاع، لكنه لن يستطيع تحقيق هدف القضاء على “حماس”، وسيكون مضطراً الى اطلاق عملية تفاوض لإطلاق الأسرى ولن يكون بمقدوره تحقيق حكم القطاع لا مباشرة ولا بواسطة السلطة الفلسطينية لأن ذلك دونه تصعيد العمليات على الجبهات الأخرى وصولاً الى مرحلة المعركة الشاملة التي سيكون لها مقاربة مختلفة عن مقاربات المرحلة الحالية.وفي كل الأحوال هناك المزيد من الوقت للحديث عن تفاصيل الأيام الـ 30 من المعركة وما سيترتب عليها من تحولات على عناوين الصراع وتفاصيله.