الجثة المقدسة
اعتمدت نظرية التفوق اليهودي على أسطورة أن الإسرائيلين/اليهود هم شعب الله المختار و بالتالي هم يملكون جينات مختلفة تميزهم عن بقية البشر في نظرية عنصرية تجعلهم بمنزلة عالية لا يدانيها اي مكون بشري آخر.هذه العنصرية اليهودية تجذرت أكثر مع قيام الكيان المزعوم فتمازجت ضمن العقيدة العسكرية و أصبحت في صلبها كمبدأ يقول بأن (الإسرائيلي) متفوق من حيث القدرات العقلية و البدنية على الجميع و كذلك من حيث قدسية جسده حتى لو كان (جثة). من هنا حاولت إسرائيل تكريس هذه النزعة بين أفراد مجتمعها و بين صفوف جنودها حيث كانت تبذل الغالي و النفيس لاستعادة جثة أي جندي إسرائيلي يسقط في المعارك الخارجية مع مصر و سورية و لبنان و في المعارك الداخلية مع قوى المقاومة الفلسطينية على مر العقود.لذلك تسعى في نهاية كل حرب على استعادة الجثث مهما كلف الثمن فقد شنت عدواناً كبيراً في تموز 2006 ضد المقاومة في لبنان لاستعادة (جثتين) فقط و كانت سابقاً قد أطلقت سراح آلاف الأسرى في عمليات تبادل شهيرة. و تبذل المستحيل لاستعادة جثة الطيار روني آراد و جثة الجاسوس ايلي كوهين رغم مضي عشرات السنوات. لا شك بأن هذه السياسة حققت لإسرائيل نجاحاً معنوياً بأن هذا الكيان لا يترك جثث قتلاه مهما بعد الزمن أو تغيرت الظروف.لقد استطاعت عملية طوفان الأقصى كسر هذه النظرية بالعمق…إن منظر مئات القتلى و جثثهم في شوارع سديروت و غيرها من المستوطنات أحدث شرخاً عميقاً في البنية النفسية لدى الإسرائيلين الذي أصبحوا يتسائلون بذهول… ( لماذا تركتكم جثثنا المقدسة تتعفن على الطرقات يسحلها الفلسطينيون مثل اللعب البالية). لم يكن للحرب الإعلامية التي شنتها المقاومة شأناً أقل من العسكرية بل تفوقها في البعد الاستراتيجي طويل الأمد..و من هنا كانت الماكينة الإعلامية فعالة بطريقة جعلت قادة الكيان في حيرة و عجز طوال 36 ساعة عن قدرة التفكير بالرد.إن مشاهد الاذلال للأسرى الإسرائيلين و هم (يشحطون) على ركبهم لا تقرأ من ناحية طريقة جلب أسرى بل بطريقة اخفاق قادة إسرائيل على فهم ما يجري.كما انتهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر في حرب تشرين أكتوبر و في النصر الألهي في جنوب لبنان…. انتهت أيضا في هذه الحرب أسطورة الجثة المقدسة…
شادي أحمد