يجب اخذ العبرة من التاريخ السياسي بالارقام، واللقاءات الثنائية لا تفيد في المارونية
بقلم ناجي أمهز
مقدمة: الذي يعمل في السياسة يمكنه اخذ العبرة من التاريخ، السياسة هي خبرة، وفن الممكن وهي مثل موهبة الشعر والصوت الجميل لا يمكن اكتسابها، بل تخلق مع الانسان، لذلك لا يمكن لاي قوة او تكنولوجيا في العالم ان تحول انسان غير سياسي الى سياسي.
بداية ودون مواربة، أن الذي تصور للحظة أن الوزير باسيل قادر على المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري، دون البقية المسيحية لديه مشكلة حقيقية بفهم الرأي العام المسيحي.
بل إن الذي يعتقد بأن المسيحيين مستعدون للانقسام من أجل التقرب من الشريك الآخر في الوطن، أيضا بمكان ما لم تصله الرسالة التي يعبر عنها غالبية المسيحيين صراحة، بأنهم لن يكونوا فئة ثانية، أو بالأحرى المسيحي لم يعد قادر على البقاء جالسا بينما يشعر أن الآخر يحدثه وهو واقف، العقلية المسيحية هكذا منذ نشأتها، لن تقبل بالشعور للحظة أنها تحت ضغط من أي فريق على الأراضي اللبنانية.
وهي تقول إنها قاتلت الفلسطيني (سبعينيات القرن الماضي) لأنها شعرت بهذا الشعور، ووقفت بوجه الحكم السوري لأنها عاشت هذا الشعور، واليوم هي تنتفض على السلاح من وجهة نظرها لأنه يجعلها تعيش هذا الشعور.
حتى أنا أذكر في عام 2000 سمعت من شخصية دينية مسيحية تقول لأحد السياسيين الروم (((لا تتدخل بين الموارنة تركهم يختارون يلي بدهم ياه )) ويفهم من هذه الجملة القصيرة بان الموارنة لا يقبلون من أحد أن يملي عليهم، حتى لو كان مسيحي من طائفة أخرى.
وجميعنا نذكر كيف حاول السوريون طيلة ثلاثة عقود أن يفرضوا أو حتى أن يشاركوا الموارنة بقراراتهم السياسية، وكيف فشلوا رغم الإمكانيات الهائلة والسلطة المطلقة التي كانت ممنوحة للسوريين والتفويض الأمريكي لهم في لبنان.
وكل الشخصيات المسيحية التي عمل السوريون على تعويمها على مدار ثلاثة عقود، لحظة وصول الجنرال عون 2005 تبخرت وأصابها الذوبان، مثل تماثيل الجليد.
حتى العماد عون نفسه بعد اتفاق مار مخاييل، وما تسرب من باريس أن عودته كانت مشروطة، أفقدته 50 بالمائة من الأصوات المسيحية، ولولا أصوات الشيعة في جبيل عام 2009 لخسرت لائحة التيار بوجه لائحة النائب السابق فارس سعيد.
والجميع يعلم أنه تم تأجيل الانتخابات النيابية 2013 بسبب الإحصائيات التي كانت تؤكد أنه بحال أقرت الانتخابات النيابية فإن التيار قد يخسر نصف نوابه المسحيين في كسروان وجبيل، وبالفعل جاءت انتخابات عام 2018 وأكدت دقة الإحصاءات لعام 2013، وحتى وهو الرئيس عون في سدة الرئاسة اللبنانية والتيار يمتلك أكبر كتلة وزارية ونيابية منذ عام 2009، خسر التيار نصف المقاعد النيابية.
وفي عام 2022 نشرت غالبية مراكز الإحصاءات دارسة تؤكد بالأرقام التراجع الهائل لشعبية التيار الوطني الحر، الذي حصل في 2018 على 277 ألفا بينما حصل في عام 2022 على 117 ألف صوت فقط،
بمعنى أوضح شعبية التيار في تراجع كبير وخاصة خارج لبنان بعد العقوبات الأمريكية على الوزير باسيل، والجنرال عون تأثر بعوامل التقدم في السن، إضافة أن العونيين القدامى والذين كانوا حجر الزاوية في نهوض التيار أصبحوا بغالبيتهم على نقيض مع تصرفات التيار.
بخلاصة كي لا أطيل الشرح، وأنا لا أستبعد أن 70 بالمائة من سبب الاختلاف الماروني مع الحزب هو بسبب الصراع الماروني الماروني، مع العلم أنه لا علاقة للشيعة لا من قريب ولا من بعيد بأي قرار اتخذه التيار في السياسة أو في وزارته .
في عام 2014 قال أحدهم قبل خروجه من التيار الوطني الحر، يا “ناجي” اكتب، ذكر، حاول أن تقوم بأي شيء، فالعلاقات المارونية الشيعية تمر باسوا مرحلة، بسبب تعنت التيار في بعض المواقف، وما قام فيه البطريرك الراعي من دفاع عن الشيعة وعن سوريا بوجه الموجة الإرهابية هو كبير للغاية. ((نعم من يذكر كيف علقت الصحف الغربية على مواقف البطريرك الراعي 2011 يتذكر مواقف البطريرك التي دفع ثمنها،
انقل لكم أحد تصريحات الصحف الغربية عام 2011 : (((أثارت مواقف البطريرك الراعي “الداعمة” للرئيس السوري ردود فعل غاضبة ربما هي من المرات النادرة في تاريخ العلاقات اللبنانية الأمريكية أن يقوم بطريرك الموارنة بزيارة للولايات المتحدة دون أن يحدد له موعد مسبق للقاء سيد البيت الأبيض. فالبطاركة الموارنة عادة ما يستقبلون بحرارة في واشنطن نظرا للمكانة التي يحتلها هؤلاء في بلادهم على المستويين السياسي والروحي. ومعروفة زيارات البطريرك السابق مار نصر الله بطرس صفير إلى الولايات المتحدة والاستقبال الحار الذي كان يلقاه من الرؤساء الأمريكان. وربما الاستثناء هذه المرة مع البطريرك الجديد مار بشارة بطرس الراعي الذي وصل إلى الولايات المتحدة في زيارة تستغرق عدة أيام دون أن تكون له أية مواعيد مسبقة مع مسؤولين أمريكيين))).
أقصد أنه أن الأوان لإيجاد بدائل عن اللقاءات الثنائية التي تضر بالاثنين، الشيعة والتيار الوطني الحر،
فلا التيار قادر على التغيير ولا السياسة الشيعية تلقي آذان صاغية عند غالبية المسيحيين، يجب العمل على نتاج جديد وأفكار جديدة وحتى وجوه جديدة، لم يعد بالإمكان السير بذات الأسلوب السياسي، خاصة أن اصوات التصدعات في التيار بدأت تتجاوز الجدران المغلقة، وهناك فريق يحمل الآخر الأسباب التي آلت إليه الأمور.
وبالختام وزراء ونواب التيار هم أبناء بيئتهم، لا يمكنهم الذهاب بعيدا، والذي سمع خطاب الوزير باسيل بالأمس الذي بدأه “أهلي بالبترون وعائلتي بالتيار” وكيف تحدث أنه بس يحكي مع أهله في البترون بصير قلبه يحكي مع قلبه، وتحدث أيضا عن طفولته وذكرياته في البترون وكيف إذا حدا من البترون سافر وسألوه أنت من وين ما بقول أنا من لبنان بقول أنا من البترون، واديش عائلته للوزير باسيل مهتمة بالبترون.
ربما تصريح الوزير باسيل عن البترون هو أدق توصيفا عما يعيشه، وهو يعلم أنه بالختام ومثل أي سياسي هكذا ستكون خاتمته يجلس مع ذكرياته في منطقته بين أهله،
هذا المقال اكتبه كي لا يضيع المزيد من الوقت، لأن الأوضاع تتدهور بسرعة والجميع بحاجة أن يبحث عن حل، والحل لا يمكن أن يكون في اللقاءات والتفاهمات الثنائية أبدا.