لا مكان للأوهام!
لقد مرّ وقت كافٍ منذ بداية حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزّة والصفة الغربية، وتابعتها إسرائيل بحرب تدميرية دموية ضد لبنان وأهله وشعبه وخاصة شيعة الحسين، لكن الدول الأوروبية كافة، بما فيها روسيا، وكذلك الولايات المتحدة، لم يرف لها جفن، ولم تر فيها حرب إبادة جماعية وقودها الأطفال والنساء والرضّع، بل اعتبرتها مناسبة وفرصة لإعادة بناء اقتصاداتها الحربية. أي مضاعفة معدل إنتاج القذائف والصواريخ والطائرات المسيّرة والمركبات العسكرية والخراطيش وكل ما هو مطلوب لحروب ستندلع لا محالة في المستقبل بين القاهرين والمقهورين وبين الغالبين والمغلوب على أمرهم، الذين هم شعوب الشرق الأوسط، وعلى رأسهم الشعب العربي الغارق في سبات عميق، بينما الوحوش الأجنبية تنهش جسمه وأرضه وتلعق دمه الذي يقطر نفطا وغازا!.
المجمع الصناعي العسكري في جميع دول العالم هو لوبي ضخم ومؤثر للغاية. كقاعدة عامة، يتم احتكاره بشكل خطير للغاية. ولذلك فإنه من الصعب إعادة بناء الصناعة العسكرية للغرب لتلبية احتياجات الحرب – والحرب الحالية مميزة جداً مقارنة بالحروب الأخرى. فاستخدام الطائرات بدون طيار بهذه الكميات، على سبيل المثال، لم يكن ملحوظا سواء في العراق أو في أفغانستان أو في حرب العراق الثانية. أي أن المجمع الصناعي العسكري في الغرب كان يستعد لحروب مختلفة قليلاً. هذا هو الظرف الأول. سيكون من الصعب إعادة البناء لأن الجميع سيسعون جاهدين للقيام بما يقومون به بشكل جيد بالفعل.
النقطة الثانية هي أنه بمجرد أن يرى المجمع الصناعي العسكري فجأة أن هناك حاجة كبيرة لهذا النوع من المنتجات، فإن أول شيء سيفعله هو رفع الأسعار. ونحن نعلم أن القذيفة التي تزوّد بها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا إسرائيل تكلف الآن ما يقرب من 5000 يورو، بينما قذيفة “الكورنيت”التي سيمنع على روسيا تزويد سوريا ومن بعدها حزب الله بها تكلف في شركات الأورال الروسية 800 دولار. وهذه الفجوة سوف تتسع فقط. لأنه في روسيا سيكون هناك تضخم، وفي الغرب سيكون هناك ارتفاع في الأسعار على التوالي. وسوف تلوي الحكومات عنقها لتخصيص المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، هذا كل ما في الأمر. لذلك، لنقول أنه الآن، في غضون عام أو ستة أشهر، انتظر، كل شيء سينجح بالنسبة لتأهيلنا للاستسلام… وسوف تتدفق الأسلحة كفيضان كبير – حسنًا، ليست هناك حاجة للأوهام.
قد يتساءل الكثير لماذا العالم كله يدعم دولة الكيان الصهويني وما هذة القوة التي يتمتع فيها هذا الكيان ليبسط هيمنته بهذة الطريقة العجيبة وخصوصاً على الولايات المتحدة الأمريكية
إليكم السبب الرئيسي لهذا التساؤل…
تعال وافهم…..
كان العام 1290م ذروة التأجيج في الصراع المسيحي مع الجشع اليهودي في أوروبا، اذ أصدر ملك إنجلترا إدوارد الأول مرسوماً يفرض بموجبه على يهود إنجلترا الدخول في الدين المسيحي أو الرحيل النهائي عن أراضي المملكة. وتبعه في ذلك ملك فرنسا فيليب الأول، في العام 1306 م . وهذا عكس كره الأوروبيين المسيحيين لليهود وأطماعهم وتحكمهم وخداعهم…وقذاراتهم، مما أدى باليهود إلى اعتناق المسيحية ظاهرياً والبقاء على يهوديتهم باطنياً. واستمر هذا الوضع لعقود إلى أن تمكن اليهود من تأسيس حركة دينية ظاهرها مسيحي وباطنها يهودي تطالب بإصلاح الكنيسة والحد من سيطرتها على مفاصل المجتمع وعرفت هذه الحركة بحركة “البروتستانت ” وتعني المحتجين (باللاتينية ) وكانت بقيادة مارتن لوثر(1483-1546).
لم يجد البروتستانت الذين هم في غالبيتهم من اليهود مجالاً حيوياً لهم في أوروبا بسبب قلة عددهم ورفض الكاثوليك لهم، فلجأوا لابتداع مهرب لهم الى الأرض المكتشفة حديثاً والتي سميت أمريكا والتي اكتشفت عام 1492 م ، فبدأوا بالهجرة اليها، حيث صار البروتستانت الآن الغالبية من مسيحيي أمريكا.
أما المحتوى الفكري للبروتستانتية والتي هي في الواقع دين جديد ليس له أية علاقة بالمسيحية كما وردت في الأناجيل الأربعة، بل هي مزيج من اليهودية المزورة والمسيحية المحرفة. وهم يعتبرون اليهودية والمسيحية دين واحد نزل على مرحلتين العهد القديم والعهد الجديد، على الرغم من أن السيّد المسيح جاء لينقض دين الفريسيين وتجار الهيكل وثائرا على ظلم اليهود وطغيانهم.
البروتستانتية تعتبر أن المسيحية واليهودية تكملان بعضهما البعض ويطبعون الكتابين في كتاب واحد تحت مسمى (العهد القديم والعهد الجديد). ويظهر البروتستانت التصالح اليهودي المسيحي الكاذب، فهم يعتبرون أن اليهود براء من دم المسيح ويعفونهم من جريمه صلبه، لذلك يترأون الآن في الكنائس بالدعاء لإسرائيل وجمع التبرعات لدولة الكيان ويفرضون على الحكومه الأمريكيه مساندة إسرائيل على اعتبار أن بقائها يمهّد لعودة المسيح.
لقد نجح اليهود في تزوير دين جديد أسموه البروتستانتية، وزيّنه أحبار اليهود بمقولة كاذبة مفادها أن المسيح سيعود، وادعوا أن هناك شروطا لعودته تتمثل بوجود دولة لليهود في فلسطين ووجود الهيكل فيها، وبدون تحقيق هذه الشروط لن يعود المسيح . وهذا التيار في أمريكا يسمى باليمين المتطرف وكذلك بالصهيونية المسيحية. ويشكل أكثر من 150 مليون أمريكي منخرطون في هذا التيار وفروعه العديدة الذين منهم “شهود يهوه” والمعبر السياسي عنهم هو الحزب الجمهوري كمكون سياسي أول، إذ وصل من أقطاب هذا التيار إلى سدة الحكم في زمننا الرؤساء رونالد ريغان و جورج بوش الآب وجورج بوش الإبن الذي بشر في غزوه للعراق بعودة الحروب الصليبية الى الشرق من جديد، وكذلك دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني تمهيداً لإنشاء الهيكل المزعوم .
أما المكون الثاني وهو الحزب الديمقراطي والذي انشق عام 1828 م عن الحزب الجمهوري الديمقراطي الذي أنشأ بعد الاستقلال في العام 1776م وبهذا انفصل الماسونيون عن المسيحيين الصهاينة. ويعتبر الحزب الديمقراطي أحد افرازات الحركة الماسونية والتي تشكلت في أوروبا عام 1616 م ، وهذه الحركة تعتبر نفسها قائده للعالم وتدعو الى إعادة هندسة العالم على قياسها وتتخذ شعاراً لها المنقلة والزاوية وكلمة ماسونية تعني البناؤون أي إعادة بناء العالم وقيادته وتطويعه لمصالحهم . هذه الحركة علمانية لا تؤمن بدين وذات عقيدة إستعمارية تتجلبب تعميم الليبرالية ونشر الدمقراطية.
قاد المسيحيون الصهاينة ( البروتستانت ) مع الحركة الماسونية مخاض الإستقلال الأمريكي عن بريطانيا عام 1776 م وتم تأسيس دستور علماني ينتهج مبدأ التوسع الإستعماري. فبدأ بخمسة عشر ولاية وانتهى بخمسين ، وكذلك منهج تصدير التجربة الأمريكية للخارج ، ومن هذا المنطلق أرسلت أمريكا أحد منظريها وهو فرانكلن إلى فرنسا ليساعد الثورة الفرنسية على الإطاحة بالملكية في عام 1789 أي بعد 13 عام من الثورة الأمريكية .
نجحت الثورة الفرنسية والتي قادها واشعلها الماسونيون في الإطاحة بلويس السادس عشر وتأسيس الجمهورية الفرنسية والتي كان لها العديد من الفلاسفة والمنظرين المرموقين مثل جون جاك روسو ومونتسكيو وفولتير، وبعد تسع سنوات بالضبط أماطت هذه الثورة اللثام عن وجهها الإستعماري القذر لتفرز نابليون بونابارت الذي بدأ أولى غزواته الاستعمارية في العام 1798 م نحو الشرق باتجاه مصر وفلسطين حيث ارتكب المجازر في غزة ويافا وهزم أمام أسوار عكا وهو أول من طرح فكرة إقامة دولة لليهود في فلسطين، وذلك قبل مائة عام على المؤتمر الصهيوني الأول. ولم يكتف نابليون بهذا الفشل بل قاد الجيش الفرنسي عام 1812 م لاستعمار روسيا بحملة قوامها 630 ألف جندي ليعود مهزوماً بثلاثين ألف جندي فقط.
لم يكن نابليون حاله شاذه في مشهد الثورة الفرنسية، بل هذه هي طبيعة التنظيم الماسوني، فقد قامت فرنسا عام 1830 م باحتلال الجزائر ولمدة 132 عاما دفعت الجزائر خلالها الملايين من خيرة أبنائها شهداء من اجل الاستقلال .
الحزب الديمقراطي الأمريكي هو حزب ماسوني بامتياز وهو الأكثر تشدداً في نشر العولمة وتنميط العالم حسب النموذج الأمريكي، وقيادة العالم وإعادة تشكيله وبنائه حسب الفلسفة الماسونية، وتفضيل الفرد كمحور للمجتمع بدلا من القيم المجتمعية العامة، وإلغاء القوميات واللغات والثقافات والديانات وخصوصيات الشعوب وإعادة الإنسان في سلوكه إلى الإنسان الأول (انسان الغابات) تحت ما يسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويندرج تحت هذا المفهوم إجازة الإجهاض وتشريع زواج المثليين ( الشواذ) والسماح بتعاطي المخدرات قانونياً.
هذا الحزب الديمقراطي ماسوني الفكر إستعماري التطبيق يرى في وجود الكيان الصهيوني إمتداداً استعمارياً له وقاعدة عسكرية متقدمة لمشروعه الإستعماري في الشرق.
أين نحن العرب عامة والفلسطينيون خاصة من هذين الحزبين. الحزب الجمهوري يرى وجود إسرائيل ودعمها وتفوقها وبقائها شرطاً دينياً لعودة المسيح.
والحزب الديمقراطي يرى وجود إسرئيل ودعمها وبقاءها وتفوقها شرطاً إستعمارياً للتمدد والهيمنة الأمريكية وفرض العولمة على شعوب العالم والسيطرة على منابع النفط وثروات المنطقة وطرق التجارة الدولية .
لذلك فنحن على عداء مبدئي وتاريخي مع هذين الحزبين بالرغم من الخلاف الظاهر بينهما. وكل منهما عدو للامة العربية ومناهض لوحدتها وداعم رئيسي للمشروع الصهيوني ومن يعول على أحد الحزبين يكون كطالب الدبس من مؤخرة النمس، أو كالساعي لالتقاط خيط دخان فيما تشتعل أوداجه بالنيران.
موسكو- سعيد طانيوس