مقالات

قبل فوات الاوان، على المارونية السياسية التعاون مع بري لانتخاب رئيس

بقلم ناجي أمهز

بدايةً، أنا ربيب المارونية السياسية بأدق وأصغر وأكبر وأعقد تفاصيلها، وهذه الجملة أكتبها للوافدين الجدد إلى عالم السياسة والصحافة، كي لا يعتقدوا أننا نتحدث بما لا نعرف.كما نذكر أيضًا أنه قبل وبعد انطلاقة لبنان الكبير، كان الشيعة هم الذين يديرون الحوار بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني من أجل تقريب وجهات النظر، خاصةً أن النخب المارونية والسنية كانت تحث على الدور الشيعي لأسباب عديدة منها:

“إن الموارنة والسنة لم يكن باستطاعتهما النقاش أبداً في الآليات السياسية، حيث كان عند كل مفترق وخلاف بينهما يؤدي إلى التراشق العلني. وكان يقال لآل الصلح الكرام: “هلق المصري بدو يعلمنا شو بدنا نعمل بالسياسة اللبنانية؟

والله صدق المثل الذي قال: تمسكن حتى تمكن وبعدها تفرعن”، لأن أصول آل الصلح من مصر. فكان آل الصلح يتجنبون هذا الجدل لتفادي الدخول في المزايدات.حتى الشيخ بيار الجميل، الذي هو حقيقةً عقلية في السياسة وقارئ عميق لما يجري دوليًا، عانى كثيرًا بسبب أصوله الشامية ثم المصرية وبعدها اللبنانية. وكان الموارنة أنفسهم ينتقدون طروحاته وأفكاره تحت نفس المقولة: “شوام مصر صار بيعرفوا أكثر منا بطريق القصر.”إضافة أن الغالبية الدرزية التي قاومت الانتداب الفرنسي مقاومة شرسة على امتداد بلاد الشام، لم تكن محايدة أو وسطية في صناعة السياسة اللبنانية بسبب اندماجها الكامل مع التيار الإسلامي العربي الذي سعى سعيا دؤوبا لإلغاء دولة لبنان الكبير.القصد أن الشيعة منذ الأساس هم المعبر الرئيسي لانتخاب أي رئيس لجمهورية لبنان الكبير، وكان الجميع يفوضهم بهذا الأمر، كون الشيعة في تلك الفترة لم يكن لديهم أي طموحات او اطماع ولا حتى أدوار لا في السياسة ولا في التنمية أو حتى توظيف حاجب على باب دائرة حكومية رسمية (وجميعنا نتذكر مقولة “عم علملكم فلان”، أو “شو بدكم بالطريق بتصير الدولة بتوصل عليكم وبتكمشكم”).لكن اليوم، الشيعة هم أساسيون على طاولة صناعة القرار في لبنان وشركاء فعليون في تحديد وجهة ومصير البلاد. لذلك، المتابع السياسي يتفهم سبب اعتراض بعض الموارنة على دور الرئيس بري، خاصةً أن نجاح الشيعة في انتخاب رئيس في هذه الأيام له امتدادات مختلفة كثيرًا عن السابق، لأن التوافق الشيعي على اسم الرئيس ينتج عنه حصة حكومية متنوعة، إضافة إلى سلة كبرى وإقرار بنود وتوصيات تلحظ التنمية المتوازنة والشراكة الكاملة.لقد التقيت ببعض الساسة الموارنة، وكان جميعهم يتحدثون بنفس الفكرة والطرح: أنه لا يوجد رئيس دون حوار. لكن في المقابل، لا يوجد شيء اسمه “دعوة للحوار”، بل يوجد شيء اسمه “حوار”، ونحن نرحب أن يقوم به الرئيس بري، لكن دون إعلانه أو إلزامنا بطاولة الحوار قبل انتخاب الرئيس كي لا تتحول إلى عرف. كما أن الرئيس بري اليوم طرف، عندما أعلن عن تبنيه مرشحًا رئاسيًا هو الوزير فرنجية.

وكنا نتمنى على الرئيس بري لو قدم أو وزع ورقة تحتوي على عدة أسماء، تختار كل كتلة نيابية ثلاثة أسماء تناسبها لرئاسة الجمهورية.

وهكذا، في الختام، يصل الجميع إلى ورقة مشتركة تحتوي على ثلاثة أسماء، سيتم انتخاب أحدها بالتأكيد، على الأقل في حال تعنت الجميع أمام اسمين، يبقى الاسم الثالث وهو من حصة الجميع.

وبذلك، نكون أمام نتيجة “لا غالب ولا مغلوب”، ويتم انتخاب الرئيس.ما يطرحه الموارنة هو، للأمانة، مقبول وموضوعي من وجهة النظر السياسية للأطراف المارونية تحديدًا. لكن في المقابل، هناك أمور أخرى ربما هي التي فرضت على الرئيس بري أن يعلن عن طاولة الحوار. وأنا هنا أتحدث استنتاجًا لما كنت قد علمته وعرفته من أكثر من مصدر التقى مع اللجنة الخماسية، أو حتى صارحه لودريان، موفد الرئيس ماكرون، بأسرار الأزمة الرئاسية اللبنانية.كي لا ندخل في جدليات الأزمة وتشريحها، هناك إجماع ما بين لودريان واللجنة الخماسية على أن أزمة الرئاسة سببها الموارنة تحديدًا، وليس الرئيس بري أو دعوته لطاولة الحوار. فالأسماء أو الأطراف التي فقدت الأمل في الفوز بالرئاسة تريد سلة وازنة من عملية انتخاب الرئيس، حيث يسعى كل فريق للحصول على حصته الوزارية والوظيفية، كما أنه يريد ربط موقفه بموقف دولي يشبه إلى حد ما مؤتمر الدوحة الذي أدى إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية.لكن المشكلة، حتى لو تم الاتفاق على عقد مؤتمر شبيه بمؤتمر الدوحة، فإنه حتى في هذا المؤتمر سيكون هناك أيضًا سلة مطالب مختلفة ومتشعبة أكثر مما يريده بعض الموارنة في الداخل. إذ يطمح كل فريق ماروني إلى طرح رزمة مطالب قد يعجز أصحاب المؤتمر عن تحقيقها. لذلك، فإن الدعوة إلى مؤتمر غير واردة في ظل السقوف العالية لبعض الأطراف.في الختام، وكي لا أطيل الشرح لتعقيداته، ولأنني لا أريد أن أوضح أكثر، فالمعلوم معلوم لدى الساسة.

لذلك، ربما يكون الرئيس بري قد طرح موضوع طاولة الحوار من هذا الباب، أي أنها طاولة يجلس عليها الجميع، مما يشكل مؤتمرًا لبنانيًا برعاية أو ضمانة إقليمية ودولية، انسجامًا مع اللجنة الخماسية.

وهذا يعطيه نفس حجم مؤتمر الدوحة دون أن يلقي بظلاله على الدول، ومن جهة أخرى هو أكبر من مجرد حوار لأن الموضوع اللبناني تجاوز ازمة انتخاب رئيس الجمهورية بسبب تعقيدات الأزمة وتشابكها، خاصةً بعد الانهيار الاقتصادي الكبير وتداعيات طوفان الاقصى الذي حتما غير الخارطة السياسية وربما الديمغرافية والجغرافية بالمنطقة.

وإذا كان انتخاب الرئيس هو فرصة جامعة قد تنجح في عقد هذا الحوار لإنقاذ لبنان، فإن من الجيد أن يشجع الرئيس بري على الاستمرار في الدعوة إليه.بعيدا عن عملية الاسناد التي قام بها حزب الله وكي لا تكون ذريعة للتهرب من طاولة الحوار، الجميع شاهد ما فعله الاسرائيلي في الضفة الغربية حيث حكومة محمود عباس التي تهاجم وتحرض على المقاومة الفلسطينية بكل امكانياتها بل هي التي تعتقل بعض افراد المقاومة، ومع ذلك يقوم الاسرائيلي ودون وجود ذرائع بتدمير وقتل سكان الضفة الغربية، اذا ما قام به حزب الله كان بمكانه اقله من هذه النقطة. لذلك، أتمنى على الموارنة الذهاب إلى الحوار قبل انتخاب الرئيس بعيدًا عن التسميات والاعذار، لأنه إذا كان وضع مأساوي كوضع لبنان لا يستحق طاولة حوار، فمتى نتحاور؟

وأنا أعتقد أن الحريصين على الوطن سيجتمعون على هذه الفرصة ليعود موقع الرئيس كمدخل لاشتراع الحلول لإنقاذ لبنان. لأنه في حال وفاة لبنان، لن يبقى شيء نتحاور أو نتخاصم حوله، ولن يبقى منا شيء جميعًا.

“وانا اعتقد بان بعض الدول الكبرى تريد موت لبنان، والوحدة الوطنية تفشل المخططات الدولية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى