من العدوان الثلاثي إلى العدوان الخماسي
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
لم يكن العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم قناة السويس أو بسبب الدور الإعلامي للإذاعات المصرية في دعم حركات التحرّر في القارة الإفريقية، ولم يكن لإنهاء مفاعيل ثورة 23 تموز وتوجهاتها القومية بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فقط، وإنما استجابة لشهوة التوسع الإسرائيلي المنسجمة مع الفكر الاستعماري الغربي، وللقضاء على عناصر القوة السياسية والعسكرية والبشرية التي يمكن أن تهدد مصالح الغرب الاستعماري في منطقة الشرق الأوسط.
وبعد ستة عقود ونيف وتحديداً قبل شهرين من الآن يتم تنفيذ العدوان الخماسي على الشعب الفلسطيني في غزة الذي تشارك فيه قوات عسكرية واستخباراتية من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا إضافةً إلى “إسرائيل” لإدارة العدوان، وإنهاء الوجود الفلسطيني في غزة وترحيل سكانه تحت نيران الإرهاب العسكري إلى مصر، وبعد إتمام ذلك يتم التوجه إلى الضفة الغربية المحتلة لتهجير سكانها قسرياً إلى الأردن وتصفية القضية الفلسطينية، وخاصةً بعد توفر ذريعة (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها) بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملية طوفان الأقصى، وما نتج عنها من إحباط شديد لدى الغرب عموماً وقادة “إسرائيل” على وجه الخصوص، وانكشاف الضعف العسكري والاستخباراتي والأمني الإسرائيلي، وقناعة هؤلاء بأن ما حدث ليس طوفاناً وإنما زلزال ينذر بنهاية وشيكة لهذا الكيان.طائراتٌ مسيرة أمريكية وأُخرى بريطانية إلى جانب سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي، وخبراء عسكريون أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون وإيطاليون في غرفة العمليات التي ترسم الخطط وتتابع التنفيذ، وتتلقى الصور والمعلومات الفورية من أحدث طائرات مسيّرة في العالم (والبناء على الشيء مقتضاه)، أما الذريعة من الاشتراك الفعلي لأمريكا وبريطانيا، وحضور وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين في غرف العمليات مع خبراء الدول الأخرى يؤكد أنه بالفعل عدوان خماسي، وأن مهمة المسيّرات الأمريكية والبريطانية ليست الكشف عن مكان الرهائن الإسرائيليين ومزدوجي الجنسية – كما يدعون – لأن تلك الطائرات التي تجوب قطاع غزة عشرات المرات في الساعة لم تسهم في تحرير رهينة واحدة، ولم ولن يتم تحريرهم إلا بعملية تبادل مع أسرى فلسطينيين.العدوان الخماسي على غزة والأساطيل وقطع البحرية الأمريكية التي تم زجها شرق المتوسط والجسر الجوي الذي زاد على مئتي طائرة أمريكية لشحن السلاح ل”إسرائيل” لم تُطمئن الرئيس الفرنسي على نجاح هذا العدوان في تحقيق أهدافه، لذلك فإن مطالبته في الأيام الأولى للعدوان بتشكيل حلف دولي لمحاربة المقاومة الفلسطينية في غزة لم يكن زلة لسان، وإنما محاولة لتطوير العدوان الخماسي إلى عدوان دولي.في العدوان الثلاثي على مصر شارك أحرار العرب بالوقوف إلى جانب مصر وقدموا ما يستطيعون وشاركت سورية عسكرياً في التصدّي للعدوان من خلال البطل جول جمال الذي فجر البارجة “جانبار” ولم يقل أحد، إن “من وقف إلى جانب مصر هم أذرع إيران”، كما يتبجحون الآن، ناهيك عن اتهامهم قوى المقاومة في لبنان وسورية واليمن والعراق التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتشارك عسكرياً وفق ما تتيحه الإمكانات بأنهم “أذرع إيران”، وهذا مرده إلى أنهم لايقرؤون التاريخ ولا يقيمون وزناً لروابط الدم والمصير التي توحد العرب الأحرار وخاصةً في الأزمات.لقد فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ولم يحقق أهدافه العسكرية والسياسية، وسيفشل العدوان الخماسي على غزة في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية، ولهذا فإن حرب الإبادة التي تشنّها قوى العدوان على المدنيين العزل وبهذه الوحشية هي دليل حقد وعنصرية وانتقام مؤلمة للغزاويين وللعرب ولكل أحرار العالم، لدرجة أن أمريكا التي تقود هذا العدوان بدأ المسؤولون فيها يتحدثون عن ضرورة انتهاء الحرب بعد أسابيع وليس بعد أشهر، وهذا الكلام أخذ بعين الاعتبار ما قاله المجرمون الإسرائيليين بأنهم سينتهون من العمليات العسكرية خلال شهر واحد.