ما بعد جولة طوفان القدس؛ حرب استنزاف ام تسوية حزيران وماذا عن انهيار الكيان
ميخائيل عوض
بيروت؛ ٢١/١٠/٢٠٢٣
ثلاث سيناريوهات لتطورات طوفان القدس
– الحرب الكبرى وما بعدها، وقرارها بيد قيادة المحور، وموجباتها كثيرة، ومنها استمرار محاولات تدمير غزة. والمحور ملزم بإسنادها اذا وقعت الحرب البرية وشكلت خطرا عمليا عليها، او اذا امتلك المحور تصور ومعرفة واضحة وايقن ان الظروف والمعطيات والفرص كلها موفورة لحرب تحرير فلسطين والشروع بها عمليا.
– سيناريو الحرب المفتوحة بصيغة حرب استنزاف لمحور المقاومة مصلحة فيها واستدامة الاشتباك بوتائر مختلفة ومشاركة الجبهات الثلاث الجارية؛ جبهة الجنوب المفتوحة على حرب استنزاف. والجولان بحالة حرب لا تحتاج لمبرر كي تعصف بحدة.الضفة وقد تحولت الى ساحة حرب بحسب قدرات المقاومة فيها وغزة قادرة على حرب استنزاف طويلة اذا تأمنت غذائيا وطبيا. فحرب الاستنزاف من شانها ان طالت ان ترهق إسرائيل اقتصاديا، وشعبيا، واجتماعيا، وان ترهق الجيش الإسرائيلي وان تعطل الدولة والمجتمع والنظام فالجيش الاسرائيلي هو في تعبئة الاحتياط والاحتياط هم القوة العاملة في اسرائيل. واطالة الحرب توفر الاسباب والشروط لاختمار الحركة الشعبية العربية والاسلامية والعالمية لتي عادت الى الشوارع وهي في نمو مضطرد وايضا اطالة الحرب يستنزف امريكا والاطلسي بالاقتصاد والسمعة ويحرض عليها ويكشف عوراتها ويشغل الجميع عن حرب اوكرانيا ويريح روسيا والصين.الاهم ان اطالة الحرب واستمرار الاستنزاف يمثل استراتيجية رائعة ومتقنة، فانضاج انفجار الشارع الاردني او الزام حكومة الملك عبدالله بفك العلاقة مع إسرائيل وامريكا تنضج حرب الاستنزاف طبخته.
وتنضج طبخة حسم مصر امرها وتغيير اشرعتها فاليوم هتفت التظاهرات في القاهرة والاسكندرية للسيد حسن نصرالله وطالبته بقصف تل ابيب.
فالحرب على غزة حرب على السنة وتستنهضهم بينما الشيعة يصيرون انصار غزة والمدافعين عنها فتنعقد المصالحة الشعبية في اطياف الامة على افضل ما يكون وتشفى الجراح والتقيحات التي اصابتها وافضل دواء وبلسم لها فلسطين وقضية غزة ونصرتها.السيناريو الثالث؛ وقف النار والشروع بترتيبات هدنة طويلة، والزمن تحتاجه غزة لإعادة الاعمار ومعالجة جراحها وتحتاجه إسرائيل وامريكا لإعادة هيكلة اسرائيل وتأهيلها لقبول تسوية على اسس الانسحاب وتفكيك مستوطنات الضفة والانسحاب من الجولان على شروط حافظ الاسد ووديعة رابين.
ومن غير المستبعد ان يقبل بها محور المقاومة وقد تتحمس لها حماس فقد كرستها جولة طوفان القدس القوة الفلسطينية الاولى على حساب فتح والسلطة والجهاد والاخريات وهذا مكسب كبير لحماس وحلفها من الاخوان المسلمين وقطر وتركيا ولو ان قطر وتركيا لم يكن لها يد في الانجازات ولا تحركت للضغط او هددت بقطع العلاقات مع إسرائيل وامريكا.
اذا سارت الامور لصالح سيناريو الهدنة وبدا حراك دولي واقليمي لتنشيط الحديث عن تفاوض لإنجاز تسوية للصراع بالعودة الى قرارات مجلس الامن ٢٤٢ و٣٣٨، سيسجل لحافظ الاسد ولسورية مكسب تاريخي ومكانة محورية في ادارة العرب ومستقبلهم. فقد انتزع الاسد وديعة رابين التي ادت لقتله عام ١٩٩٤، بعد تفاوض شاق ومضني. وانتزع فيها شروطه كاملة وتمسك بأمتار من الجولان ولم يقبل تنازل عنها وعندما رجاه كلينتون في اخر القمم وهدده بعظائم الامور اجابة؛ الاجيال الاتية ستكون اكثر وطنية وتمسكا بالحق والحق الوطني لا يقاس بالأمتار انها مسالة كرامة.وبعد خمسون سنة على حرب تشرين التي اصر عليها السوري بالتحريرية بينما خاضها السادات كحرب تحريك تعود عقارب الزمن وتنتصر الرؤية السورية وما بصح الا الصحيح ويسجل لسورية انها الطود العربي الوحيد الذي قاوم وحارب وجاع ولم يوقع او يتنازل.
وبعد عقود تعود الامور الى سكته هو، ولم تنجح لا الحروب ولا الغزوات ولا التجويع والحصار والافقار من لي ذراع سورية او تغيير قيمها ومبادئها، وينصفها الزمن لتنتصر كلمتها وشروطها.الا ان الهدنة المترافقة مع تنشيط السعي لتحقيق تسوية على اساس الانسحاب الى حدود ٤ حزيران تحتاج اولا لإعادة تأهيل اسرائيل وبنيتها وتكويناتها الاجتماعية الامر شبه المستحيل بعد التحولات التي صربت بنيتها وتوازناتها وقد اختلت لصالح المتدينين والمتطرفين الذين يعتبرون الضفة هي يهودا والسامرة وفيها كانت مملكة اسرائيل.
وغالب الظن ان تطويع إسرائيل سيطول به الزمن وقد لا يتحقق قبل انفراط عقدها وانفجار صراعاتها او هروب الملايين بهجرة معاكسة بحيث لا يعود هناك سبب او حاجة لتسوية سياسية للصراع.
وتأهيل إسرائيل يتقاطع مع سنة الانتخابات الامريكية وامريكا تنشغل بنفسها وانتخاباتها التي ستجري وهي في ازمات هيكلية وبنيوية وعميقة وتضرب العامود الفقري لنظامها.فهل تستطيع تأهيل إسرائيل قبل تأهيل نفسها..؟
وهل يحتمل الصراع وتحولاته سنتان من ارتباك امريكا واسرائيل … انه الزمن وحاجاته القاتلة وعندما تنضج شروطه وتستحق حاجاعه تتسارع كثيرا ولا تنتظر احد.وبافتراض تمت الامور على الضفة الامريكية الاسرائيلي وسمح به الزمن، فمن يضمن ان الجانب العربي والفلسطيني والسوري وقد اختلت موازين القوى وهزم مشروع التصفية وادت التسويات والاتفاقات السابقة الى تعنت الإسرائيليين والتعامل مع الامر ان كل فلسطين لهم.
والارجح ان الامور ستنقلب الى الضد وعندما تتأهل اسرائيل لقبول الاعتراف بان جزء من فلسطين هي حق لأصحابها سيطالب اصحابها بها كلها. فليس في تاريخ البشرية ان دمل حق قومي او قبل القسمة الا اذا ابيد القوم كما جرى من ابادة الهنود الحمر، وفي الحالة الفلسطينية والعربية جرت محاولات الابادة وفشلت بل وانقلبت التوازنات والبيئات والظروف وموازين القوى كلها للقوم صاحب الحق..
فهل يقبل التنازل واهداء عدوه الغاصب والاستيطاني جزء من الوطن والحق القومي، ويعترف لإسرائيل بدولة هذه لم تحصل من قبل وغالب الظن انها لن تحصل ابدا.وسورية التي تشكلت الصخرة الصلبة وقاتلت خمسون سنة وضحت وقدمت وحاربت ولم تتنازل عن امتار في الجولان وقول حافظ الاسد مازال يتردد الجولان وسط سورية وفلسطين جنوبها ولا هل او تشريع او تطبيع بلا عودة اللاجئين الى وطنهم بموجب قرارات ١٨١ و١٩٤ وقد اشهرها في مؤتمر السلام وفي المفاوضات وابقاها قضية حية ولم يتنازل عنها في قمة بيروت ٢٠٠٢ واصر على ربطها بمبادرة الملك عبدالله….
السؤال الا يستطيع تعطيل التسوية او استخدامها والتفاوض واشتراط عودة اللاجئين، واذا تحققت عودتهم فاين تقوم اسرائيل في اي جغرافية وفي اي توازن ديمغرافي وهو مختل اليوم وقبل عودة اللاجئين وقبل ان تفرغ اسرائيل ويهجرها ملابين اليهود بمجرد وقف النار بعد ان فقدوا كل واي امل باستمرارها وزاد تشكيكهم عملية طوفان القدس الاسطورية.
كيفما ذهبت الامور وكيفما استقرت السيناريوهات والاحتمالات فان ايام اسرائيل العادية باتت معدودة ونهايتها محتومة بأيام او اسابيع او اشهر وان طال وجودها فسنة او سنتين ويقضي الله امرا كان مفعولا.
فكل الجداول تصب في طاحونة نضج الظروف والحاح الحاجة لتحرير فلسطين من البحر الى النهر.