في ظلال طوفان الأقصى “4”
المعركة البرية الإسرائيلية بين الإقدام والإدبار
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
ما زالت حكومة الكيان الصهيوني قبل وبعد تشكيل حكومة الحرب المدعمة بالجنرالات ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر فادحةً جداً ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً.
قبل أن يصل جنرالات الحرب الجدد إلى مكاتبهم الوزارية، كان جيش الاحتلال قد أحاط قطاع غزة على حدوده الشرقية بمئاتٍ من الدبابات، وصفها بعض ضباطه أنها جدارٌ فولاذي معزز بالنار، وإلى جانبها وخلفها انتشرت مدافع الميدان ومنصات إطلاق القذائف الموجهة، وتجمعت دباباتٌ أخرى على الحدود الشمالية للقطاع بالقرب من بلدة بيت حانون، وأما البحر الذي يشكل الحدود الغربية للقطاع فتجوب شواطئه بوارج وسفن حربية تشارك الطائرات المغيرة بقصف مناطق مختلفة من القطاع بقذائف وصواريخ مدمرة، وما زالت حشود جيش الاحتلال تتوالى حشداً وتموضعاً وتزداد عدداً وعتاداً.
يحرص جيش الاحتلال أن تكون حركة آلياته العسكرية مكشوفة ومعلومة، ولا يمانع قيام وسائل الإعلام المختلفة بتصويرها والاقتراب منها، وكأنه يريد أن يقول للمقاومة الفلسطينية أن هذا ما أعددناه لكم وما جهزناه لقتالكم، وعلى المدنيين الفلسطينيين الاستجابة إلى التعليمات العسكرية الإسرائيلية بالتحرك جنوباً والابتعاد عن وسط وشمال القطاع قبل بدء العمليات البرية،
وخلال عمليات الحشد والاستعداد للاجتياح البري للقطاع، لا تتوقف طائرات العدو وسفنه الحربية عن قصف جميع المناطق الفلسطينية في قطاع غزة بلا استثناء أو تمييز، وتقوم بقصف بعض المناطق التي سبق وأن قصفتها مراتٍ عدة، في محاولةٍ لتحويل المناطق إلى أراضٍ محروقة، لا سكان فيها ولا مباني سكنية ولا مؤسسات ولا شيء آخر يدل على الحياة، حيث تستهدف المدنيين العزل في البيوت والشوارع، وفي المدارس والمساجد، وفي الأسواق وعلى الطرقات، مما تسبب في سقوط قرابة 1600 شهيداً وأكثر من 7000 جريحاً في بداية اليوم السابع للعدوان على قطاع غزة، وما زالت تهدد بالمزيد في حال قيامها بالدخول البري.
بغض النظر عن قدرة الكيان الصهيوني على خوض حربٍ بريةٍ ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أم لا، إذ أن قيادته السياسية والعسكرية لم تحسم أمرها، ولم تحدد قرارها، وما زالت تتخبط في تيها وتتعثر في خلافاتها، وهي تحسب المكاسب والخسائر، وتوازن بين المنافع المرجوة والأضرار المتوقعة، ولها في الحروب السابقة خبرة وتجربة، ودرساً وعبرةً، تعلمت منها وخافت، وقاست فيها وعانت، وانسحبت منها خائبةً وعزمت ألا تعود لمثلها أبداً، إذ لا قدرة لجنودها على مواجهة رجال المقاومة، ولا يستطيعون فرادى ومجتمعين أن يفلوا عزم المقاتلين وبأس المقاومين.
لكن قد يكون الأمر هذه المرة مختلفاً عن المرات السابقة، فحجم الخسارة كبير، وأثر الإهانة فاضح، وعمق الجرح غائر، وأعداد القتلى تزداد، وصور الأسرى تذل، وحالة المستوطنين مزرية، فالخوف يسكنهم، والرعب يجمد أوصالهم، ولم يعد لديهم ثقةً في جيشهم ولا أماناً في مؤسساتهم الأمنية، فضلاً عن حكومتهم التي يتهمونها بأنها حكومة الأغرار التي لا تحسن التصرف ولا تملك الخبرة وتعوزها التجربة، وإن التحق بها آخرون فإنهم لن يزيدوها إلا ضعفاً ورهقاً، وتعثراً واضطراباً، وسجلاتهم العسكرية عليهم تشهد، ولهذا فإنهم يتطلعون إلى عملٍ حاسمٍ يحقق أهدافهم المرجوة، ويطمئن قلوبهم الخائفة، ويعيد الثقة بحكومتهم الخائبة.
فهل يقدمون على فعلتهم، ويستطيعون المغامرة بسمعتهم وحياة جنودهم وأمن مستوطناتهم، بعد التجربة المرة التي خاضوها، والخسائر الكبيرة التي منوا بها، وبعد أن علموا أن المقاومة قد أعدت خطة الدفاع قبل أن تعد خطة الهجوم، وأنها استخدمت في هجومها أقل من 5% من قواتها وقوتها وقدراتها، وأنها ما زالت تحتفظ بالكثير من الأوراق الرابحة والأسلحة الرادعة، أم أنها فقط حرب نفسية ومحاولة محمومة لكسر الروح المعنوية، وإضعاف المقاومة، وتفتيت وحدتها وتشتيت صفوفها، وإرهاب الشعب وتخويفه، والتأثير على الحاضنة وتشتيتها، ودفعها للتخلي عن المقاومة والابتعاد عنها.
بيروت في 13/10/2023