مقالات

٢/ افريقيا تنهض .. المرة الثانية اثبت…ماذا عن العرب …

بيروت؛ ٣٠/ ٩ / ٢٠٢٣
ميخائيل عوض
تأثرت افريقيا الواقعة تحت الاستعمار الاوروبي والمنهوبة والمفقرة وتعيش ابشع صور وممارسات العنصرية المجرمة. وتفاعلت مع مجريات الاحداث والتحولات العالمية النوعية مع انفجار الحرب العالمية الاولى التي جرت مسارحها واحداثها بين الضواري الإمبريالية الأوروبية وفي مسرحها الأوروبي.
ومع انتصار الثورة البلشفية في روسيا التي هزت القيم والمنظومات وغيرت في ايقاع التطورات واعلت من شان الانسان والعدالة والتعليم العمومي ودور الدولة والاقتصاد المركزي المخطط، تفاعلت وبدأت ظواهر وعناصر التمرد في افريقيا، وازداد منسوب المعرفة والتفاعل بين نخبتها والتطورات الجارية، كما تأثرت نوعيا بالتطورات العربية فالعلاقة بين افريقيا والعرب علاقة وحدة جغرافية وتاريخ وتفاعل وتاريخ ومستقبل تعززها الجغرافية والتواصل فليس للقارة من اتصال جغرافي الا مع عرب افريقيا المتصلين بعرب اسيا والمتفاعلين معهم كجسم واحد.
في الحرب العالمية الثانية امتدادا الى ال ١٩٩٠ من القرن المنصرم شهدت افريقيا حراكا ثوريا وطنيا تحرريا وانتجت العدد الوافر من القادة الوطنيين؛ من عبد الناصر، ل باتريس لومومبا، ل نكروما وتوماس سنكارا  ومعمر القذافي و مانديلا وابن بلا وابن بركة وكابيلا…  وقد تأثرت الحركة الوطنية والتحررية في افريقيا بنموذجين عربيين رائدين، فالثورة الجزائرية شكلت محور التطورات والنهوض والنموذج وقد تعزز اثرها في افريقيا بظاهرة عبد الناصر وثورة الضباط الاحرار والاجراءات السيادية والتنموية التي جسدتها وحملت قضية افريقيا وتحررها وقاتلت في سبيلها بثبات وحماس كما امنت القاهرة الثورة الجزائرية والحركات الوطنية والتحررية في القارة وعلى امتدادها الواسع،ط.
وكان للثورة الكوبية وانتصارها التاريخي اثرا نوعيا بلغت حد تعدد زيارات القائد الاممي تشي غيفارا لدول القارة؛ فزار الكونغو عام 1965 وشارك في جهود دعم الثوار وزار تنزانيا وشارك في الجهود الثورية هناك.  وشارك في الثورة الزنجبارية في عام 1964.و زار الجزائر في عام 1964 بصفته ممثلاً للحكومة الكوبية. وكانت هذه الزيارة جزءًا من جهود تعزيز التعاون بين كوبا والجزائر وبين حركات التحرير الوطني في مناطق مختلفة.
 وتفاعلت الثورة الكوبية بشكل مباشر مع حركاتها التحررية، فتركت الكوبية اثرا كبيرا في انماط تشكيلات الحركات الثورية والتحررية وسر العلاقة بين الثورة الكوبية والحركات الثورية والتحررية في افريقيا تكمن في طبائع الامور وفي تشكل الوعي والعلاقات بين البشر فإفريقيا متنوعة ومنفتحة و متفاعلة وكذا كوبا التي جسدت ارقى نماذج الثورة الاجتماعية التحررية والأممية.
وكما انتكست الحركة الوطنية والتحررية العربية وفي امريكا اللاتينية ولذات الاسباب انتكست الحركة التحررية الوطنية في افريقيا، ووقعت كما العرب امام ضوابط واحكام وتوازنات نواتج الحرب العالمية الثانية وتقاسم العالم في  النظام العالمي ثنائي القطبية، ولم تفلح جهود تشكيل المحور الثالث لدول عدم الانحياز.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي فقدت الحركات الوطنية والتحررية قوة اسنادها وملهما وضاعت في متاهات الاندماج في النظام الرأسمالي الاستعماري الانكلو ساكسوني الليبرالي المتعسف.
شكلت تجربة مانديلا والحراك الثوري التحرري في جنوب افريقيا علامة فارقة ليس في افريقيا والعرب والعالم الثالث انما على الصعيد العالمي وتركت بصمة نوعية في تاريخ الامم والشعوب والحركات التحررية، فقد عاكست التجربة مسارات ازمنتها وبرغم سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة والنموذج انتزعت جنوب افريقيا انتصارا باهرا، عام ١٩٩٠ وتغيرت واسقطت نظام الفصل العنصري. وانتجت تجربة رائدة وعصرية متسامحة في المصالحة الوطنية ورفض الدموية والثأرية ولم تبادل المستوطنين البيض الغزاة واللصوص الحقد والثأر وشكلت تجربة تصالحية على غير ما فعلته الجزائر وزيمبابوي من تصفية وطرد المستعمرين البيض.
جمهورية جنوب افريقيا المتصالحة مع نفسها متفردة بزمانها والنموذج الصارخ لإمكان انتصار الشعوب في ازمنه هزيمة الحركة التحررية العالمية التي مثلتها التجربة السوفيتية، اشعل جذوة النضال التحرري في القارة وشكلت الجمهورية الوليدة والمنتصرة قوة نموذج واسناد وتثوير واحتضان، وبرغم ركود النضال لعقود الا ان جنوب افريقيا الدولة القوية والمستقلة والقادرة بدأت تتحول الى قوة ركنية في تقرير مستقبل القارة وحركات شعوبها بل وشكلت ظاهرة عالمية ذات تأثير نوعي في مساهمتها بتأسيس وتشكيل مجموعة البريكس التي التقت فيها اكبر وافعل دول وقوى القارات في منظومة عالمية تناكف وتعارض الهيمنة الانكلو ساكسونية والليبرالية المتوحشة وتعزز الخطوات الانتاج ظواهر وتشكيلات اممية وعالمية تعمل بخيارات وتقاليد وانماط علاقات بين الامم والشعوب والدول والقارات على غير نموذج الانكلو ساكسون الاستعماري المتوحش. وبذلك تقف جمهورية جنوب افريقيا طودا وتتشكل قوة ونموذج حافز وحام ومساند للحركة التحررية وفي صلب النهوض الثاني للقارة النهوض الاكثر ثباتا والاقوى والافضل فرص من النهوض الاول.
على طرف اخر وهام جدا حافظت الجزائر على روح تورتها التحررية وبرغم ما ضربها من زلازل وما تعرضت له من تامر لم ترفع راية بيضاء ولا غادرت قيمها ونموذجها التحرري والسيادي وادارت حقبة وعبرت من الأزمنة السيئة ولم تنقلب او تنهار منعتها  وفي الزمن الجاري لها ان تلعب دورا مهما وحاميا وحافزا للنهوض، وقد لعبت دورا محوريا بمنع تحالف الاكواس من جر افريقيا الى حروب بالنيابة ولصالح القوى الاستعمارية ولم تقبل تدخل الأكواس في النيجر بل احبطت المحاولات.
وعلى ضفة البحر الاحمر والمتوسط وعلى تخوم عرب الشمال واسيا، تعود مصر الى صناعة دورها الوطني والسيادي وتامين نفسها، وتنقلب على حقبة السقوط والتيه، وتتفاعل نوعيا مع الصين وروسيا، تحضيرا واستعدادا للعودة الى دورها ومكانتها الافريقية والعربية والعالمية. وبذلك باتت ايضا تشكل قاعدة ثالثة حاضنة ومساعدة وساعية الى تامين واسناد نهوض افريقيا وسعيها للتحرر من هيمنة بقايا الدول الاستعمارية الاوروبية الهرمة والشائخة والمازومة.
نهوض افريقيا الثاني تبزغ براعمه على وقع حقبة الفوضى والمخاض الدامي العالمي الجارية لتوليد عالم جديد من رحم القديم وتلعب ايران ومحور المقاومة دورا نوعيا في تأزيم وهزيمة العالم الانكلو ساكسوني وكشف عجرفته وعدوانيته كما تقود اوراسيا بعاموديها الصلبين روسيا والصين الجهود والحروب العسكرية والاقتصادية والمالية والتقنية، لتسريع الولادة المتعسرة. والفواعل الثلاث هم من طبائع وانماط اجتماعية وثقافية وقيميه اكثر قربا مما هي عليه القارة السمراء، وموازين القوى العالمي تنزاح بسرعة وقوة في غير صالح اوروبا الاستعمارية والمترنحة جراء الازمات والضغوط الامريكية لتحويل اوروبا الى جمهوريات موز تابع منفذ للاملاءات ومحقق مصالح امريكا المأزومة ايضا والمتعجرفة والتي لم تعد تقبل او بحاجة الى شركاء محاصصون بل تحتاج الى اتباع منصاعون ومنفذون.
هكذا تنهض افريقيا على اسس ومرتكزات صلبة وبدوافع وطنية اجتماعية تحررية وانسانية، وبطرد فرنسا وتصفية الاستعمار الاوروبي والاندماج في العالم الاسيوي –  الاوراسي الصاعد وما تم تأسيسه من دور صيني حافز وراع وضامن للتحولات ودور روسي مساند ومحارب في افريقيا بثبات ومنذ سنوات، يمكن الجزم بان النهوض الثاني واعد ومتجذر وليس امامه الا افق النصر والتمكن.
…/ يتبع
عن الاثار النوعية لتحرر افريقيا في الدفع لاستعجال ولادة العالم الجديد.. وماذا عن العرب وفرصتهم التاريخية؟  
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى