٣/٥
بين مصر وتركيا تقاطعات وازمات طاحنة واختلاف بالخيارات.
بيروت ؛ ٢٢-٨-٢٠٢٣
ميخائيل عوض
مصر مالها وما عليها
تتقاطع مصر مع تركيا بالكثير من المعطيات والخصائص، فمصر دولة كبير، وعدد سكانها يربو على المئة مليون ونسبة الخصوبة عالية، ومجتمع شاب، ونسبة التعليم مقبولة، وطبائع الاسرة تضامنية ومساواتيه، ودولتها العميقة راسخة وقوية، وتمثل مركزا دينيا اسلاميا عبر الازهر، وقومي يميل الى العلمانية ووجود كتلة كبيرة من الاقباط المسيحين الارثوذكس، وعند المصريين محرمان؛ الله والفرعون، ولها موقع جغرافي مميز وحاكم، زاد اهميتها الاستثنائية شق قناة السويس كممر اجباري للتبادلات التجارية العالمية، ٨% من التجارة العالمية وخاصة النفط والغاز.
تاريخيا دولة قوية فاعلة في محيطها منذ العصر الفرعوني وقاتلت في سورية الطبيعية، ويمتد امنها القومي واذرعها الى الهضبة الايرانية وجبال طوروس وزغاروس وكان لمعركة قادش بين الفراعنة والحثيين ١٣٦٨ قبل الميلاد ان احدثت فراقا انسانيا عظيما ودشنت وثيقتها المكتوبة كأول صلح اممي العصر الحضاري الانساني الاول في التاريخ البشري” معاهدة قادش المعلقة على جدارية الامم المتحدة” . ودأبت على انشاء الحضارات والامبراطوريات ولم تقبل السلطنة العثمانية وانتجت تجربتها الخاصة مع محمد علي وذريته في الصدام مع العثمانية وسعت لإخضاع الجزيرة العربية وبلاد الشام. ومع ثورة الضباط الاحرار والتجربة الناصرية القومية عرفت مكانتها واسهمت بتأسيس قطب عالمي ثالث بين قطبين جبارين في تجربة عدم الانحياز، وبصفتها واسطة العقد بين اسيا وافريقيا تركت بصمتها النوعية وخاصة في القارة السمراء وتبنت واسندت حركاتها التحررية وتعتبر البوابة الحكمية لوادي النيل والبحر الاحمر والقرن الافريقي كما في شمال افريقيا وصحرائها وغربها ويدها فاعلة دوما في اليمن.
ومصر على هذه الاهمية تعرضت بعد رحيل عبد الناصر وحرب تشرين ١٩٧٣ الى عملية اخضاع وتخريب وتدمير منهجية وفي انقلابها على عروبتها واسلامها وتوقيعها اتفاق كمب ديفيد بددت دورها ومكانتها وتحولت الى دولة هامشية مأزومة ومنهوبة تعتمد على المساعدات الامريكية والغربية والخليجية. وانتقالها الى الضفة الاخرى غير من موازين القوى في الصراع العربي الإسرائيلي وفي توازن قوى القطبين العالميين ما اسهم بتسريع سقوط الاتحاد السوفيتي وبتمكين امريكا من العرب بعد حرب عاصفة الصحراء وغزو كابول وبغداد وتفجير لبنان والصومال ومن ثم في العقد الاخير سقوط ليبيا واضطراب اليمن والعراق وسورية، ما يجعل من الاستحالة خلاص العرب والاقليم من الازمات والفوضى الناتجة عن فعل تامر وعن استنفاذ جغرافيا ونظم سايكس بيكو وظائفها، وجدواها، كنظم وجغرافيا قاصرة ومصنعة في خدمة إسرائيل والغرب والموروثة من منتجات الحرب العالمية الاولى وتوابعها في الثانية والحرب الباردة.
اعطبت مصر وتم العبث بمقدراتها وموقعها ومكانتها، ونهبت، وتحولت الى منفذ وصايا امريكا واسرائيل وحلفائها وامنت بعد كامب ديفيد الفرص لسيادة الساداتية والسعدنة وقيادتها للعرب والمسلمين. فتكرست واقامت طويلا حقبة العجز العربي، والانكسارات والفوضى والجوع، والهجرات واللجوء والتخلف والتبعية.
بحسب مذكرات هيلاري كلينتون خطط لمصر في موجة الربيع العربي واستراتيجية الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد والواسع ان تقع تحت سلطة الاخوان المسلمين وان يقام في غزة وسيناء دولة اسلامية متصالحة مع اسرائيل كبديل عن فلسطين ولتوطين اللاجئين. الا انه وبحسب المذكرات وهيلاري كانت رئيسة الدبلوماسية الامريكية قد فوجئت وصعقت الدوائر والادارة والبنتاغون والوكالات بحدث اسقاط مرسي بثورة شعبية نظمها وقادها بتقانة الجيش المصري، وتقول هيلاري؛ ان البنتاغون ارسل السفن والحاملات الى المتوسط الا انه فوجئ بالغواصات المصرية وبطائرات ميغ ٢١ محدثة، التي كشفت عما يبطنه الجيش وجاهزيته للمواجهة، ما حال دون التدخل العسكري الامريكي الاطلسي لاستعادة سلطة الاخوان وانفاذ مخطط الدولة الاسلامية وتصفية القضية الفلسطينية وتفتيت مصر وانهاء وجودها ومكانتها العربية والاسلامية.
هكذا فاجأت مصر المخططين والمنفذين والساعين الى انهاء دورها ومكانتها وتسليمها للإخوان في خطة محكمة لإعادة هيكلة السيطرة الغربية على العرب واقليمهم الاسلامي وافريقيا لتامين القرن الامريكي.
…/يتبع
غدا؛ لماذا الجيش المصري وكيف قاد الانقلاب بتقانة وسلاسة ابداعية؟؟ وكيف يقود تحول جذري نوعي في مكانة ودور مصر؟؟