مقالات

هل تكون سورية كعب آخيل المقاومة والمنظومة الشرقية الصاعدة؟.

أحمد رفعت يوسف

بين عدوان مستمر منذ أكثر من اثنتي عشر عاما، واحتلالات أمريكية تركية تمسك بمفاصل الثروات والمياه السورية، وحصار وضغوط أمريكية غربية، ومجموعات إر.ها.بية لا يزال خطرها موجود، وانعدام الأفق لأي حل سياسي، وسوء إدارة وفساد، يكاد يقضي على كل شرايين الحياة في الداخل السوري، تقف سورية على مفترق طرق خطير، ويجعل من القلق الحقيقي على المستقبل، هو الشعور الطاغي على الشارع السوري، الذي يطالب بالحل، ولا من يسمع أو يجيب.
ولا نكشف سراً إذا ما قلنا إن سوء الإدارة والفساد، يعادل في خطورته اليوم كل المخاطر الأخرى، لأنه يفتك بكل أسس ومقومات الدولة، وفي مقدمتها العلاقة بين مؤسسات الحكم والشارع السوري، التي تكاد تصبح فيه الثقة معدومة نهائيا، كما يفرمل مساعدات الأشقاء والأصدقاء.
فالأصدقاء الروس والإيرانيين الموجودين على الأرض يعرفون هذه التفاصيل، وهو ما يؤدي إلى تعطيل وتوقف تنفيذ الاتفاقات التي تتم مع الدولة السورية، وآخرها الاتفاق الاستراتيجي الذي تم توقيعه مع روسيا لتنفيذ أربعين مشروعا استراتيجيا، والاتفاقات التي تمت مع إيران، خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق.
أما الصين فقد اختارت الطريق الأسهل، بتغيير مخطط مسار مشروع “الحزام والطريق” بتوزيعه انطلاقاً من العراق إلى فرعين لا يمرّان من سوريا، الأول إلى تركيا ثم أوروبا، والثاني إلى الأردن ثم شمال أفريقيا، رغم وجود اتفاق سابق مع الدولة السورية، لتكون سورية محطة رئيسية لهذا المشروع، مع تقديم مساعدات اقتصادية توقفت كلها اليوم.
كما تبخرت الآمال التي كانت معقودة على الانفتاح العربي على سورية، وخاصة بعد قمة جدة، بعدما تبين أن كل ذلك مشروط بخطوات للحل السياسي، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وفق ما عرف عنه بسياسة “خطوة مقابل خطوة” وهو المشروع الذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية ومنظومتها، والذي يعني في النهاية، تغيير أسس الدولة السورية وحتى هويتها.
ما يجري يدفع الشارع الوطني السوري، الذي قدم التضحيات الكبيرة للدفاع عن سورية، ونجح في ردع العدوان الإر.ها.بي، ومشاريع تحالف العد.وا.ن، وفي الإبقاء على أسس الدولة السورية، للتساؤل عن مبررات هذا الفساد وسوء الإدارة، والسؤال الأخطر الذي يطرحه الشعب السوري اليوم، فيما إذا كان هذا الفساد مجرد جشع وطمع وتناهش لخيرات سورية، من قبل فئة أصبحت تتحكم بكل مفاصل الاقتصاد والثروات، أم أن ما يجري يقف وراءه مخططات خارجية، يتم تنفيذها بواسطة أدوات وأيادي داخلية، من هذه الفئة المتحكمة بخناق الدولة.
هذا الوضع الخطير، يقدم للمعارضين والعملاء، كل التسهيلات والأسلحة والمادة الإعلامية، لممارسة كل أنواع الحرب النفسية والإعلامية على الشعب السوري، بما فيها التشويه والتضليل، يقابله عجز حقيقي في الإعلام الوطني، عن تبرير ما يجري، وهذا ما أدى إلى فقدان ما تبقى من مصداقية لهذا الإعلام، وفي الخطاب الرسمي في الشارع السوري، ولم يبق ما يمكن التعويل عليه سوى ما تختزنه الثقافة الجمعية في الشارع الوطني، من مناعة تفقد قوتها رويدا وريدا، ونشاط النخب الوطنية وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأت ترفع الصوت عاليا في وجه الفساد وسوء الإدارة من جهة، وتمارس حملة توعية من الوقوع في المحظور من جهة ثانية.
مع هذا الوضع يبرز التساؤل حول مواقف القوى الإقليمية والدولية المتدخلة والمعنية بالملف السوري، حيث تقع سورية على خط الصدع، في الصراع بين القوى الآسيوية الصاعدة، وفي مقدمتها روسيا والصين وإيران، والقوى الغربية برأسها ألأمريكي، وإدارتها الصه.يو.نية، التي تخوض صراعاً على استمرار وجودها كقوى مهيمنة على العالم، والكل هدفه سورية كما يريدها.
فالولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتشديد الحصار والضغوط على سورية، دولة وشعباً، وتزيد من تواجدها العسكري في مناطق شرق الفرات والتنف، وتحاول إعادة هيكلة الميليشيات العميلة، وزيادة عددها وعتادها، وتحاول كسب المزيد من المجتمع المحلي في مناطق تواجدها.
كما تمارس ضغوطاً كبيرة على الدول العربية لوقف انفتاحها وتعاونها مع سورية، وممارسة ضغوط على العراق لمنع فتح بوابات الحدود بين البلدين، وقطع طريق التواصل البري بين طهران- بغداد- دمشق، وترافق كل ذلك مع زيادة وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، على مواقع حيوية سورية.
كما تراهن الولايات المتحدة ومن معها، على الوقت لتحقيق المزيد من التآكل في الداخل السوري، الذي يشكل اليوم نقطة الضعف الأكبر، التي تنتظرها هذه القوى للانقضاض عليها، ولذلك نرى هذه الضغوط مترافقة مع حملة مكثفة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لمحاولة كسر إرادة الشعب السوري، ودفعه إلى مزيد من الإحباط واليأس، والانتقال إلى الفوضى في الشارع.
أما تركيا فهي ترى في أي فوضى أو انهيار في مؤسسات الدولة السورية، فرصة ذهبية لتحقيق مخططاتها وأهدافها، وفي مقدمتها اقتطاع وضم أجزاء من سورية بشكل نهائي، ولذلك نراها تراوغ وتتنصل من وعودها لروسيا وإيران، بالاتفاق مع الدولة السورية، على ترتيبات معينة، وتعمل على تعزيز تواجدها والميليشيات التابعة لها.
كما أن الميليشيات المجموعات الإر.ها.بية المسلحة، التي تعمل بأمره هذه المنظومة، لا يزال خطرها موجود وهي جاهزة للعمل وبقوة.
وفي الطرف المقابل، حيث الحلفاء والأصدقاء، وتحديدا الروسي والإيراني، وأيضاً الصيني، فهم يدركون مدى ارتباط الوضع في سورية مباشرة بأمنها القومي والاستراتيجي، ولذلك تدرك خطورة انزلاق الأوضاع في سورية إلى مرحلة من الفوضى، وتمكين الطرف الآخر من السيطرة على الوضع فيها، لأن مثل هذه الخطوة ستحدث تبدلاً دراماتيكياً، ليس في سورية فقط، وإنما في المنطقة والعالم، لأنه سينتج عنه مباشرة العودة إلى أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، وستكون من نتائجه المباشرة:
** قطع طريق بغداد – طهران – دمشق بشكل تام، وهذا يعني حصار المقا.و.متين اللبنانية والفلسطينية، وقطع كل طرق الامداد والتواصل معها.
** إخراج الروس والإيرانيين من سورية وحصارهما، حيث سيكون فقدان سورية أكثر خطورة على روسيا من الجبهة الأوكرانية، وستخسر إيران كل نفوذها وتأثيرها الإقليمي، وعوامل القوة التي اكتسبتها حتى الآن.
** قطع ووقف طريق الحرير الصيني.
من السهل الاستنتاج أن روسيا وإيران ومن معهما من حلفاء وأصدقاء لسورية دول وتنظيمات، لن يستسلموا لهذا الواقع، ولن يتركوا الساحة للأمريكيين وحلفاءهم، للعمل وتحقيق أهدافهم وغاياتهم، لأن انزلاق الأوضاع في سورية إلى مرحلة الفوضى، سيضعها ويضع العالم ككل أمام خطر حقيقي، مفتوح على كل الاحتمالات.
ولتلافي هذا الاحتمالات الخطيرة، تسعى روسيا إلى بناء نظام إقليمي جديد في المنطقة، قائم على مجموعة أستانا (روسيا سورية إيران تركيا) مضافاُ إليه السعودية والإمارات، مترافق مع ضغوط عسكرية على الأميركيين، في الجزيرة السورية، لمنع إراحتهم، وتمكينهم من تنفيذ مخططاتهم فيها.
نجاح المحاولات الروسية، تتطلب أولاً تحقيق المصالحة السورية التركية، والعمل باتجاه إيجاد حل سياسي ودستوري، ودفع الدول العربية وتحديداً السعودية والإمارات إلى المزيد من التعاون، وتقديم الدعم للدولة السورية.
أما إيران فهي تحاول جاهدة تقديم المساعدات بما يكفي لاستمرار عمل مؤسسات الدولة السورية، وخاصة في موضوع المشتقات البترولية، وهو ما رأيناه في الاتفاق الذي ويقع مؤخراً خلال زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لطهران، لتزويد سورية بكمية ثلاثة ملايين طن من المشتقات النفطية يومياً.
لكن المشكلة أن نجاح الجهود الروسية والإيرانية، وأي جهود أخرى، لمساعدة سورية، ورفع الخطر المحدق فيها، يحتاج إلى مقاربة مختلفة في الإدارة السورية، وهو ما يبدو أنه غير متوفر حتى الآن.
من خلال هذه الصورة غير المطمئنة، تعيش سورية حالة من الهدوء القلق، والمفتوح على كل الاحتمالات، لكن أخطر ما في هذا الوضع، هو أنها مرشحة للتحول إلى كعب آخيل حلف المقا.و.مة والمنظومة المشرقية ككل، مالم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان.
ورغم هذه الصورة غير المريحة، فأننا نستطيع التأكيد، أن سورية لا يمكن أن تترك رهينة لمجموعة تعمل وراء مصالحها الضيقة، وتنفذ سواء بعلمها أو بدون علمها، مخططات تحالف العدوان، وتضع سورية والمنطقة أمام خطر حقيقي، ولذلك نتوقع أن تتم معالجة لهذا الأمر، وهناك عدة سيناريوهات، لكن كلها تحتاج في بعض مفاصلها إلى عمل جراحي، لا أحد يعرف حجمه، وكيف وأين سيتم، خاصة وأن لا أحد يمتلك ترف الوقت.

أحمد رفعت يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى