حال الامة من الألم الى الامل
معن بشور
أمتنا تعيش جدلاً متعدد الأوجه وهو جدل الألم والامل جدل دائم، بل صراع دائم، يمكن أن نراه جدل الألم والامل، جدل الظلام والنور، جدل الاحتلال والمقاومة، جدل الظلم والعدوان، جدل التحرر والهيمنة، جدل الحرية والاستبداد، جدل التقدم والتخلف.
الحديث واسع عن مواقع الألم والوجع والضعف في احوالنا وهو متكرر ولا حاجة لترداده ، لكن ما نحتاج هو تسليط الضوء على نوافذ الأمل الدولية، والإقليمية، والعربية، والمحلية.
اول هذه النوافذ ما يجري في فلسطين من مواجهات بطولية على امتداد فلسطين التاريخية من البحر الى النهر وآخرها ملحمة جنين التي رأى فيها العدو مخيم جنين حديقة بيته المحصن، فاذا بالحديقة تتغلب على البيت المزعوم .وهذه المواجهات التي رسمت معادلة جديدة في الصراع، لا يمكن قراءتها دون قراءة ما يحصل من ارتجاجات داخل المجتمع الصهيوني نفسه من صراع متصاعد له طبيعة أثنية وعرقية وطائفية يهدد وجود الكيان نفسه حسب القادة والمحللين الصهاينة انفسهم .
وثاني هذه النوافذ هو المناعة التي يكتسبها لبنان المقاوم بوجه العدوان الصهيوني … حيث بات العدو يحسب الف حساب للرد اللبناني على أي مغامرة يقوم بها .
وهنا لا بد من الإشارة الى لبنان ، كما غيره من دولنا العربية يعاني من أزمة سببها بعدان أولهما خارجي وثانيهما داخلي، البعد الخارجي ينبغي مقاومته، والبعد الداخلي ينبغي معالجته، والطريق الأفعل لمقاومة البعد الخارجي هو في معالجة البعد الداخلي وهذا بحد ذاته يحتاج الى حديث خاص.
ثالث هذه النوافذ هو صمود سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، امام واحدة من اشرس الحروب الكونية وأطولها والتي بدأت خفاياها تتكشف من خلال تصريحات ومذكرات وضغوط متنوعة تسعى للحيلولة دون استعادة سورية أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدتها، والأهم من استعادة دورها المتميز داخل امتها واقليمها في مقاومة الاحتلال وكافة المشاريع الاستعمارية والمماثلة، ولعل اكثر من يكشف طبيعة هذه الحرب على سورية هو تلازم اعلان ترامب عن صفقة القرن وما رافقها من تطبيع، ومن إقرار الكونغرس الأميركي لقانون قيصر الذي ما زال على رؤوس دول عربية وإسلامية عديدة للحيلولة دون كسر الحصار على سورية وإعادة اعمارها وهما مهمتان يجب ان تتصدرا جدول اعمال العمل الرسمي والشعبي العربي.
رابع هذه النوافذ هو صمود الشعب اليمني الكبير بوجه الحرب القاسية عليه وفيه، وإصرار اليمنيين على اطلاق مسيرات مليونيه انتصاراً لفلسطين ولقضايا الأمة في تظاهرة أدهشت الكثيرين وأكدت على ضرورة الإسراع في إيجاد حل للمحنة اليمنية يقوم على الحوار والمشاركة والحفاظ على وحدة اليمن وسيادته ونطاقه الجمهوري.
خامس هذه النوافذ هو الانفراجات العربية والإقليمية التي تعيشها المنطقة وأبرزها الاتفاق السعودي / الإيراني. برعاية صينية والانفتاح الرسمي العربي على سورية الذي تجسد بألغاء قرار تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية وحضور رئيسها الدكتور بشار الأسد قمة جدة متمسكاً بعروبة سورية التي أدرك انها السبب الرئيسي للحرب عليها .
ورغم نافذة الامل التي تطل على الامة وعلى الإقليم من هذه الاتفاقات، لكن الترجمة العملية لها لم تأخذ حيز التنفيذ تماماً بسبب الضغوط الأميركية المتصاعدة من جهة ، وبسبب جهات وقوى تسعى الى تعطيل مفاعيل هذه الاتفاقات في الدول المعنية والتشويش عليها لصالح كل من يريد تمزيق كلمة الأمة ووحدتها .
فما أهمية هذه الاتفاقات اذا لم تنعكس على حياة المواطن السوري ومعيشته، وعلى تحرير سورية من كل الجيوش والقوى المسلحة المعشعشة فيها حول أي قرار رسمي.
سادس هذه النوافذ ارتباك مسيرة التطبيع التي اخذت زخماً قوياً بعد صفقة القرن وهو ارتباك سببه أولاً المناهضة الشعبية العارمة للتطبيع، ، والمقاومة الباسلة المتصاعدة في فلسطين، وصلافة العدو الصهيوني وجرائمه فرأينا قليلاً في بعض دول التطبيع وحرصاً اسرائيلياً اميركياً على التعويض في دول أخرى ولعل أبرزها المناورات العسكرية المشتركة التي شاركت فيها مع الجيشين الامريكي والصهيوني دول من المغربي العربي وقمة النقب المرتقبة في المغرب بحضور نتنياهو وسط معارضة كبيرة من شعب المغرب ومناضليه.
سابع هذه النوافذ هو بداية ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب كبديل لنظام الأحادية القطبية الذي فرضت من خلاله واشنطن وحلفاءها الاطلسيين نفسها على العالم كله لا سيّما بعد احتلال أفغانستان والعراق مع بداية هذا القرن. ولعل في الخسائر التي منيت بها الولايات المتحدة وحلفائها الاطلسيين في معارك عديدة في العديد من دول العالم ، وبروز تكتلات دولية كالبريكس وشانغهاي وأسيان وبداية البحث عن عملة أخرى بديلة عن الدولار بما يهدد سطوة واشنطن على العالم من الباب النقدي.
ثامن هذه النوافذ هو ما تشهده أمتنا والاقليم من تنامي ظاهرتين بالغتي الأهمية هما ظاهرة وحدة ساحات المقاومة داخل فلسطين وأكناف فلسطين، مما يؤكد معادلة طالما سعى الوحدويون في أمتنا الى العمل لتحقيقها وهي ان فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين، أما الأمر الآخر فهو
تاسع هذه النوافذ رغم مشاريع التفتيت والتقسيم والفدرلة والحروب ذات الطابع العرقي والطائفي والمذهبي التي تمهد لها، فإن وعياً على مستوى الامة بدأ يتكون بأن لا قدرة لأي قطر عربي كبيراً كان أم صغيراً، غنياً كان ام فقيراً، ان يواجه التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية دون وحدة عربية بأي شكل من اشكالها سواء تضامن او تعاون او تنسيق او تكامل او اتحاد كونفدرالي او فدرالي، وهو ما تجلى بوضوح في كتابات العديد من المثقفين والمفكرين وبرامج الأحزاب والاتحادات، وعبّر عنه بوضوح “نداء الوحدة” الذي أصدره المؤتمر القومي العربي في ذكرى الوحدة المصرية – السورية في 22 شباط/ فبراير 2022.
عاشر هذه النوافد هو الدور المتنامي للجزائر على الصعد العربية والافريقية والدولية ولا سيما في لمّ الشمل الفلسطيني وفي اجتماع أمناء الفصائل الفلسطينية، ولمّ شمل العرب في قمة مهدت لاستعادة سورية مقعدها في الأمم المتحدة او في طرد الكيان المؤقت من الاتحاد الافريقي كعضو مراقب .
فاستعادة الجزائر لدورها وموقعها يشكل بادرة امل مهمة على الصعد العربية والإسلامية والافريقية.
حادي عشر هذه النوافذ هو التحول الملحوظ الذي تشهده العديد من بلدان العالم على المستوى الشعبي والبرلماني واحياناً ارسمي تجاه التضامن مع الشعب الفلسطيني لا سيّما في مواجهة كل الحروب التي يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما نلحظه في مبادرات شعبية وثقافية وفنية في العديد من عواصم العالم والتي تبشر بإمكانية اطلاق حملة دولية لنزع الشرعية الدولية عن الكيان الصهيوني بسبب جرائمه المتمادية ضد الفلسطينيين والأمة العربية ولانتهاكه العديد من القرارات الدولية بما فيها القرار الذي انشاء الكيان نفسه واشترط عليه الالتزام به من اجل الانضمام الى الأمم المتحدة وهو القرار 181، ناهيك عن القرار 194 وغيرهما من القرارات الدولية وهي حملة نسعى الى اطلاقها في المؤتمر العربي العام وعبر المنتدى العربي الدولي من اجل العدالة لفلسطين.
ان تسليط الضوء على نوافذ الامل الحادي عشر لا يعني أبداً اغفالنا للمواجع والالام التي يعيشها أبناء امتنا من المحيط الى الخليج، كما لا يعني أبداً ان الطريق امامنا مفتوح لتحقيق مشروع النهوض العربي الذي أعلنه مركز دراسات الوحدة العربية ورئيسه الراحل الدكتور خير الدين حسيب في 22 شباط/فبراير 2010، بل المطلوب السعي لتطوير هذه عبر :
1- كتلة تاريخية تضم كل القوى والأحزاب والجماعات المؤمنة بالمشروع النهضوي العربي والملتزمة نهج المقاومة والساعية لوحدة الامة وتحريرها والبعيدة عن كل خطاب فئوي طائفي أو مذهبي تحريضي فتنوي.
2- جبهة عالمية لمناهضة الهيمنة الامبريالية والصهيونية تضم كل القوى المكافحة ضد الاستعمار والصهيونية في القارات.
3- اعتماد رباعية الخلاص التي اطلقتها في حزيران 2003 بعد الاحتلال للعراق وبعد انتخابي اميناً عاماً للمؤتمر القومي العربي في صنعاء وهي المقاومة، المراجعة، المصالحة، المشاركة.
في 25/7/2023