السودان يسير إلى الزوال
بقلم علي خيرالله شريف
رسمياً اسمها “جمهورية السودان”، وهي دولة عربية تقع في شمال شرق أفريقيا. تحدها مصر من الشمال وليبيا من الشمال-الغربي وتشاد من الغرب وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب-الغربي، وجنوب السودان من الجنوب(بعد اقتطاعه من الدولة الأم) وإثيوبيا من الجنوب-الشرقي وأريتريا من الشرق والبحر الأحمر من الشمال-الشرقي.
قبل انفصال الجنوب كانت تبلغ مساحة السودان 2,589,000 كم2، كان أكبر دولة عربية ومن أكبر الدول العالمية، ومن أغناها بخصوبة الأرض، وبالمعادن الثمينة والنفط والثروات،وهنا بيت القصيد. وكان يُقَدَّر عدد سكان السودان بحوالي 48 مليون نسمة فقط، أما بعد انفصال الجنوب فقد أصبحت المساحة 1,882,000 كم2 وعدد السكان حوالي 39 مليون نسمة، موزعين على حوالي 570 قبيلة. وحبلٌ الانفصالات على الجرار.
يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرقي وغربي، وتقع العاصمة الخرطوم عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض رافدَي النيل الرئيسِيَّيْن. ويتوسط السودان حوض وادي النيل.
انفصل الجنوب عن الدولة الأم عام ٢٠١١ باستفتاء كان قد تم الشحن له بمختلف السموم الغربية إلى أن أتت النتيجة المتوخاة بأن نسبة ٩٩٪ من الجنوبيين هم مع الانفصال، وهكذا حصل. والاشراف كان كالعادة، من قبل لجنة سُمِّيَت “لجنة الإشراف على الاستفتاء”، وهي نسخة طبق الأصل عن تلك اللجان التي يخترعها الغرب كأدوات تجميل “لديمقراطياتهم” المزعومة، والتي يرفعونها شعارات لغزو الدول المستهدفة بمطامعهم. فاستفتاء جنوب السودان يشبه إلى حدٍّ ما إجراء استفتاء على سبيل المثال، في منطقة معراب في لبنان(مع فرق الحجم والأهمية) لمعرفة رأي سكانها إن كانوا يفضلون الانفصال عن دولة لبنان(والنتيجة ستكون حتمية كما تشتهي الجهة التي تحكم إمارة معراب)، أو كأن يُجري الفرنسيون استفتاءً لسكان مناطق الباسك والكاتالون في فرنسا، إن كانوا يحبون الانفصال عن الدولة الفرنسية. وطبعاً لن تفعل فرنسا ذلك حتى لو أبادت الباسك والكاتالون عن بكرة أبيهم. فخدعة الاستفتاء لا تنطلي على الفرنسيين إن أراد أحدٌ تمريرها، بل هم يطلونها علينا، فننصاع لها نحن العرب بكل سهولة، ويتم تشكيل تنظيمات مسلحة منا وفينا، للدفاع عنها ولتنفيذها، وتُفتَحُ مزاريب خزائنهم ومنابع نفط بيادقهم لتمويل التنفيذ.
إن التقاتل الذي يجري حالياً في السودان لا ينفصل عن السعي لتفتيت العالمين العربي والإسلامي واغتصاب مُقَدَّراتِهِما. والمحزن في الأمر أن العرب هم رأس الحربة في التنفيذ بكل إخلاص. وإلا كيف يمكن لنا أن نصدق أن السعودية تسعى لوقف القتال في حين أنها تشترك مع أميركا في لجنة وقف ذلك القتال؟ والكل يعلم أن أميركا هي صانعة ذلك القتال وهي رأس الأفعى في تدمير السودان وغيره، وبالتالي كل من يتعاون معها مشبوه، وللسعودية وأخواتها في الخليج للأسف سوابق وحواضر وخدمات جُلَّى للسيد الأميركي. وكيف يمكن تفسير انتشار الإمارات بشكلٍ مخيف في السودان وإنشاء ميليشيات عسكرية فيه تابعة لها، ومناطق نفوذ تستعبد الشعب السوداني فيها، وتنسق بشكلٍ فاضح وخطير مع مخابرات العدو الصهيوني؟ أما عن الانتشار الواسع للبريطانيين والفرنسيين والألمان وغيرهم من دول الناتو المتوحشة المجرمة، وحتى الأتراك فحدث ولا حرج.
في المقابل نرى ٤٠٠ مليون عربي سكارى، متقوقعين في ٢٣ دولة لا حول لها ولا قوة، ونرى مؤتمراتٍ تُعقَدُ برعاية الدول الراعية للتقاتل. ويعزف على مسامعنا السعوديون ووسائل إعلام العرب، ليل نهار أنشودة الوساطة السعودية الأميركية لوقف القتال أو لتحييد المدنيين أو لإنشاء ممرات إنسانية… ويتناغم معهم أمين عام الأمم المتحدة ليعبر عن “قلقه” الـمعهود لما يجري في السودان. والله إن الأمر غاية في السخرية والوقاحة والغباء.
سودانياً، لو كان جعفر النميري أو الصادق المهدي أحياء اليوم، فماذا كانا سيفعلان؟
وعربياً، لو كان جمال عبد الناصر أو حافظ الآسد أو أحمد بن بِلَّا أو هواري بو مدين، أو أي قامة عربية حقيقية، على قيد الحياة، فهل كانوا سيقبلون أن يتم حرق السودان؟
إنه عصر الانحطاط العربي بكل معنى الكلمة؛ في المشهد حالياً، ها هي دول الجوار من البيادق ومن الدول الطامعة بالسودان ومياهه وثرواته، تعمل كالأوركسترا، بقيادة المايسترو الأميركي؛ لقاءات عربية وأفريقية وأطلسية، ثنائية ورباعية وخماسية وسداسية وكل الأشكال الهندسية، تعمل لاستكمال المشهد الذي سيتم تتويجه بقرارات أممية أو أطلسية مستعربة، تضع السودان تحت الوصاية الدولية لتتم إدارته بشخصياتٍ صهيونية على نمط بريمر وهوكستاين والمبعوثين المنتحلين لصفة الأممية ثم تخرج علينا بخلاصاتٍ تقسيمية تُنهي شيئاً اسمه “السودان”. نفس الوصفة السحرية المستنسخة عن سوريا والعراق واليمن والدول العربية وأفغانستان والبوسنة والهرسك وغيرها، مع بعض “الريتوش” للضرورات الجيوسياسية.
فصائل سودانية تتقاتل فيما بينها وتتلقى أوامرها، ضمنياً وظاهرياً، من فرنسا وأميركا والكيان الصهيوني وبريطانيا وكل دول الناتو. من الغرب اقتطعوا إقليم دارفور، ومن الجنوب قضموا جنوب السودان، ومن الشرق لا شك أن هناك خطة قادمة لفصله عن الدولة الأم، وفي جعبتهم حتماً الكثير من الشرذمة للسودان لكي يضمحل ويزول ويتم تقاسم ثرواته بين دُول النيوليبرالية المتوحشة.
السبت 15 تموز 2023