مقالات

“كومسومولسكايا برافدا”: الفوضى تعمّ الجيش الأوكراني


ألكسندر غريشين

أوضاع الجيش الأوكراني (والمجتمع كذلك)، ليست سلسة ووردية كما يراها وزير الدفاع الأوكراني أو يحاول تصويرها. وهو في المناسبة، دخل مؤخراً في فضيحة فساد جديدة.

يتناول المحلل العسكري في صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” المسكوفية ما آلت إليه أوضاع الجيش الأوكراني بعد الهجوم المضاد الفاشل الذي يشنه على مختلف الجبهات، مقارناً بين خطابات رفع المعنويات من جهة والواقع الفاسد من جهة أخرى.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

في مقابلته الأخيرة، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، إن “القوات المسلحة الأوكرانية قوية بوحدة جنودها وضباطها”. هذا ليس البيان الأول ولا الأخير، المصمم لرفع الروح المعنوية وتحفيز الحالة النفسية لدى المحاربين الأوكرانيين.

إلا أن أوضاع الجيش الأوكراني (والمجتمع كذلك)، ليست سلسة وردية كما يراها وزير الدفاع أو يحاول تصويرها. وهو في المناسبة، وبعد هذا التصريح مباشرة، دخل في فضيحة فساد جديدة. إذ اتضح أن هذا الوزير في وقت “الهجوم المضاد” للقوات المسلحة الأوكرانية، اشترى فيلّا فاخرة في مدينة كان الفرنسية، ذات موقع رائع، بلغ سعرها 7 ملايين يورو، وأهداها لابنته أناستازيا شتاينهاوز.

في الواقع، لماذا يستطيع زيلينسكي شراء فيلّا في “إسرائيل” مع حوض سباحة، وامتلاك عقارات في لندن وفي عواصم العالم الأخرى، ويحرم ريزنيكوف نفسه من ذلك؟ وهل هو أسوأ من زيلينسكي أو يرماك، أو من المفوض العسكري في أوديسا، أو من حفيدة سكرتير المجلس الوطني للأمن والدفاع أليكسي دانيلوف، التي أطلقت إعلاناً لمقطع فيديو خاص بها على أكبر شاشة في وسط كييف؟ ولا علاقة لراتب ريزنيكوف بالفيلا، فهو لم يبتاعها براتبه.

16 ألف فار من الجيش
في القوات المسلحة لأوكرانيا، بات الجميع يدرك ربما، أنه لو لم تسرق النخبة في كييف بوقاحة، فإن أوكرانيا، على الأرجح، كان يمكن أن يكون وضعها أفضل بكثير على الجبهة. لكن الأمر كذلك، فيما تسعى القوات المسلحة الأوكرانية لتعزيز وحدتها بكل إمكاناتها.

على سبيل المثال، مسألة الفرار الجماعي من الخدمة العسكرية. بحسب مصادر مطلعة، فُتحت العام الماضي 6174 قضية جنائية على خلفية “الفرار من وحدة عسكرية أو مكان خدمة”، وفق معطيات رسمية فقط. في العام الحالي، على الرغم من أن نصفه مضى فقط، هناك بالفعل 6476 قضية من هذا القبيل. في المجموع، منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة، فر من الخدمة العسكرية أكثر من 16000 جندي أوكراني.

أما القيادة الأوكرانية فهي تتنكر جزئياً ببساطة، وتبقي على الأمر غامضاً بين القتلى والمفقودين والفارين من الخدمة كي لا تدفع تعويضات لعائلاتهم، وهكذا يبقى عدد الفارين 4 ألوية.

تهديدات للمفوضين العسكريين وغارات على الشوارع و”شباك التذاكر الأسود”
بالإضافة إلى ذلك، فإن التصدع بات يصيب وحدة الجيش. باتت تنتشر في كثير من الأحيان مقاطع فيديو مسجلة على خط المواجهة من قبل الجيش الأوكراني، حيث يعد أصحاب هذه الفيديوهات المفوضين العسكريين الذين اتصلوا بهم للعودة بأنه: “لن يموت الجميع، سيبقى شخص ما على قيد الحياة”. فيما يعدهم المفوضون بمعاقبتهم إلى أقصى حدود “العدالة” العسكرية.

وقد بدأت فرق التجنيد العسكري، في بعض المدن، بتنظيم مداهمات لتجنيد الشبان بالقوة. لكن الغالبية تفضل ببساطة دفع رشوة للدوريات المداهمة، تتراوح عادة بين 300 و400 دولار أميركي، وتقوم كل دورية، بالتالي، بدفع 8 آلاف غريفنيا للمفوض العسكري (وهذا لم يكن سراً لأي شخص في أوكرانيا منذ مدة طويلة)، فبملغ 400 دولار هو أكثر من ضعف “المكافأة” على الشخص الواحد المتهرب من التجنيد.

أما “شباك التذاكر الأسود” لدى المفوضين العسكريين، فهو قائم على بيع شهادة “عدم اللياقة للخدمة العسكرية”، ومنح إذن بمغادرة البلاد، وإلغاء تسجيل المركبات، وما إلى ذلك. اعتماداً على المستند و”مدى التعقيد” لدى الحالة، تتراوح الرسوم هنا من 6 إلى 15 ألف دولار أميركي.

علاوة على ذلك، يذهب جزء من المال إلى إدارة أمن الدولة ووزارة الداخلية، حتى لا يتدخل موظفوها مع المفوضين العسكريين في عملهم هذا وليحافظوا على “احتكارهم” له، وكل من يخرج عن دائرتهم يعتبرونه فاسداً ويسلمونه للأجهزة الأمنية المختصة. على سبيل المثال، الأطباء الذين يقررون الربح بشكل منفصل عن المفوضين العسكريين.

هكذا يبدو أن “الوحدة” المتبقية لدى الأوكرانيين هي الائتلاف على فرصة للسرقة أو تلقي رشوة، على جميع الصعد والمناصب.

في بعض الأحيان، تبدو هذه الأمور مضحكة. فعلى سبيل المثال، في مكتب التسجيل والتجنيد العسكري في تشرنيغوف، جاء محام إلى موكله، الذي احتجزته دورية بشكل غير قانوني لتجنيده. ولم يقتصر الأمر على أنه لم يُسمح له بمقابلة الموكل، لكن الجيش احتجز المحامي نفسه وأصدر بحقه أمر استدعاء. إذا كان من الضروري أن يتوجه المحامي إلى خدمات شركة أمنية، من تلك التي تقدم خدماتها مقابل بدل مادي، عبارة عن رشوة توزع على المسؤولين، ومن خدماتها “مرافقة المستدعين إلى الخدمة من باب الشقة إلى باب لجنة التجنيد والعودة به إلى منزله”.

وعلى الرغم من أن المبالغ التي تتلقاها هذه الشركات ليست قليلة، إلا أنه لا يوجد نقص في زبائنها. وكما جاء في الإعلان عن الخدمات “يتمتع موظفو الشركة بمهارات عديدة، بما في ذلك التفاوض في ظروف حل النزاعات والترافع أمام القيادة الشديدة”. أي، بعد مفاوضات فاشلة في سياق تعارض مع دورية مكتب التجنيد العسكري، سيكونون قادرين إخراج العميل وإلى منزله سالمًا آمناً.

كتبت بعض وسائل الإعلام التركية أنه أثناء الاجتماع الخاص في قمة الناتو في فيلنيوس، الذي جرى بعيداً عن عيون الصحافة والجمهور، نوقشت مسألة تسليم الرجال في سن الخدمة العسكرية من دول الحلف إلى أوكرانيا. وفقاً لهيئة الأركان العامة الأوكرانية، أن هذا الإجراء يمكن أن يمنح التعبئة العامة ما بين 30 إلى 40 ألف شخص إضافي، يجب أن يعوضوا عن الخسائر البشرية التي منيت بها القوات المسلحة الأوكرانية في الهجوم الصيفي.

وإلى جانب ذلك، فإنه سيجعل هروب الرجال الأوكرانيين إلى الاتحاد الأوروبي بلا معنى على الإطلاق، والذي، وفقاً لبعض الخبراء، اتخذ منحى خطيراً بالفعل. ولا يمكننا البتّ في مدى خطورة هذه المسألة، لكن زيلينسكي، وفقاً لشائعات موثوقة من مصادر في كييف، بعد عودته من فيلنيوس، أصدر أمراً بتعبئة ما لا يقل عن 200 ألف شخص إضافي في القوات المسلحة الأوكرانية من أجل تحقيق بعض التقدم المهم على الجبهة. وينبغي التسويق للهجوم وإبلاغ الغرب بالانتصار كي لا يهدد الأخير بسد صنبور المال والتسليح في غياب إحراز أي تقدم.

نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى