المقالات

النظام العالمي يتغير فهل ستتغيروا؟ إليكم بعض النصائح

برقية إلى الزعماء العرب والتنظيمات الفلسطينية..

الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر

قمة عربية جديدة تعقد خلال يومين في ظروف دولية وإقليمية ومحلية شديدة التوتر والحساسية والدقة، يمكن وصفها بلا مبالغة بالتاريخية.

فالنظام العالمي يتغير وتتحدد ملامح النظام العالمي الجديد، بين من يحاولون التمسك بأهداب نظام الأحادية القطبية المتهاوي، وبين من يسعى بنشاط وحماس إلى الانتقال إلى التعددية القطبية بما تحمله من مساواة بين الدول، صغيرها وكبيرها، ونصيب لكل دولة ذات سيادة للمشاركة بفعالية في صياغة القرارات الدولية، بلا تهديدات أو عقوبات أو حصار، وبلا “أخ أكبر” أو “شرطي للمنطقة” يحدد “القواعد” التي يضعها “الغرب الاستثنائي” الذي يرسم ملامح ما يسميه “العالم الحر”/”المتحضر”/”الديمقراطي” إلى غيرها من الأوصاف التي فقدت على أرض الواقع معانيها وأسباب وجودها.

إن انعقاد مؤتمر القمة العربية في الرياض في ظل هذه الظروف إنما يلقي بمسؤوليات جسام على الحكام العرب، ويضع مستقبل الأمة العربية أمانة في أعناقهم، حيث يتعين عليهم اتخاذ قرارات ومسارات سوف تحدد مصير شعوبهم، التي هرمت في انتظار الاستقرار والأمن والازدهار لمنطقة تستحق أن تكون أكثر المناطق جذبا للسكان على كوكبنا بما تمتلك من موارد وثروات طبيعية وبشرية على حد سواء.

ما أود التركيز عليه في برقيتي للزعماء العرب وكافة التنظيمات الفلسطينية هي قضية العرب المركزية: فلسطين، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنني أستهين بأي من القضايا الأخرى الملحة في العالم العربي، من سوريا والعراق وحتى ليبيا والسودان مرورا باليمن ولبنان وغيرها من القضايا الأخرى التي يأنّ بها الجسد العربي، إلا أنني أخص فلسطين، لأن الشعب العربي الفلسطيني هو الشعب الوحيد عمليا الذي لا يزال غير متمتع بحقه في العيش بدولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، وكذلك لأن عدم قيام الدولة الفلسطينية حتى الآن لا يعد انتقاصاً من حق الشعب الفلسطيني فحسب، بل انتقاص من حق العالم العربي كله.

ويكفي الإشارة إلى أن فلسطين كدولة عضو في الجامعة الدول العربية محتلة من قبل الدولة “الإسرائيلية” حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما ترتكب يومياً من جرائم قتل وتعذيب وقمع بشعة تجاه الشعب العربي الفلسطيني الأعزل، وتمارس ضد الشعب العربي بكامله سياسة الاضطهاد والقمع والاستيطان والتوسع ونهب الممتلكات، وإضافة إلى هذا كله المساس بالمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية.

وهذا ما لا يرضي الإنسان العربي الأبيّ، وبينما تحل في هذا العام الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية، نكبة العرب أجمعين، أود أن أتوجه برجاء خاص للسادة المسؤولين عن قمة الرياض بإعلان هذا العام “عام فلسطين”، لأنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من “إسرائيل” وغيرهم أن يعوا أن العرب مصممون على تحرير الأرض، وتحرير دولتهم العربية فلسطين، وأن هذا هو هدف عربي تتمسك به جميع الدول العربية، حتى بما فيها الدول العربية التي أقامت علاقات مع “إسرائيل”.

لهذا أرجو من مؤتمر القمة العربية في الرياض من خلال هذا الإعلان أيضاً أن تتجاوب مع الجهود التي قامت بها الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي قررت لأول مرة أن تقيم فعالية في قاعة الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية.

إن إعلان القمة العربية عن “عام فلسطين” سيكون بمثابة تخليد للشهداء العرب الفلسطينيين الذين استشهدوا منذ بداية العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذين بلغ عددهم حتى اليوم 175 شهيداً، بينهم أطفال ونساء.

إن الولايات المتحدة الأمريكية عاقدة عزمها على عرقلة قيام دولة فلسطين العربية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولن تتراجع الولايات المتحدة عن ذلك إلا إذا شعرت بأن هناك تصميم وإصرار عربي راسخ وحاسم لتحرير فلسطين، وهو ما يعود كذلك على أراضي الجولان العربية السورية المحتلة، ويجب أن يدرك الجميع أن العرب لن يسمحوا ببقاء شبر واحد من أراضيهم محتلا، مهما طال الزمان.

لقد أكدت في كثير من مقالاتي أن استعادة الوحدة الفلسطينية وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية شديد الأهمية لترسيخ دور الأصدقاء في جميع المحافل الدولية دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني ودعم نضاله ونضال الشعب العربي من أجل إعلان الدولة الفلسطينية العربية المستقلة، لهذا آمل أن ينتج عن اللقاء المرتقب لتنظيمي فتح وحماس عن نتائج مبشرة، وأنصح بأن ينضم لهذا اللقاء كذلك تنظيم الجهاد الإسلامي للاتفاق على أرضية مشتركة، وإزالة كل الخلافات بين الجميع، على أن يتم بعد ذلك اجتماع لجميع التنظيمات الفلسطينية والاتفاق على تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية من قبل الجميع، حتى إذا لم يكن لدى بعض التنظيمات عضوية بالمنظمة، فهذا لا يمنع أن تؤيد تلك التنظيمات دعم المنظمة باعتبارها الكيان المعترف به دوليا ممثلاً شرعياً عن الشعب العربي الفلسطيني، وأنا على ثقة أن القيادات الفلسطينية بعد ذلك ستتفق على كيفية مشاركة الجميع في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية وكافة مؤسسات المجتمع الفلسطيني.

إن الأمة العربية تمر بمرحلة شديدة الحساسية في ظل ثورة الاتصالات وتغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، وما مرت به تلك المجتمعات من تجربة الثورات الملونة، وما تعلمته من دروس خلال الأعوام السابقة بكل ما بها من صراعات ونزاعات وحروب أهلية، لهذا فأنا على ثقة أن الزعماء العرب سيضعون خارطة طريق لتلك الأمة لتجاوز تلك المرحلة، وتخطي المصاعب، والتضامن العربي الذي تستحقه هذه الشعوب، وكذلك حق هذه الشعوب في الحياة بكرامة وإنسانية والتخلص مما لا زال يعلق بالثوب العربي من وصمة الاحتلال الإسرائيلي.

بهذا الصدد أود التأكيد على أنه ليس لدى الشعب الفلسطيني تنظيمات “متطرفة” كما يزعم البعض، وإنما التنظيمات الفلسطينية جميعها اختارت النضال على طريقتها الخاصة من أجل تحرير الأرض، وهو حق مشروع للشعوب وفقا للقانون الدولي، والهدف النهائي لدى الجميع واحد، ولا توجد جهة واحدة في عموم الشعب الفلسطيني كله تقبل بالتخلي عن أي جزء من حقوق الشعب الفلسطيني، واعتراف المجتمع الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً عن الشعب الفلسطيني هو مكسب وطني لجميع الفلسطينيين والتنظيمات الفلسطينية أينما تواجدوا.

وفي ضوء التغيرات الدولية والإقليمية الجديدة، لا سيما بداية مرحلة التعددية القطبية، فإن القضية الفلسطينية تكتسب زخماً جديداً، حيث ستبدأ الجهود الدولية، إضافة إلى العربية، في أن تصبح أكثر فعالية في جميع المؤسسات والمحافل الدولية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة. لهذا أكرر، أنه في هذه اللحظة الدقيقة، نحتاج بشدة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودعم كافة الأنشطة، بما في ذلك ما تقوم به الجاليات الفلسطينية والعربية أينما تواجدت حول العالم، والكف عن اتهامات التشكيك أو العمالة أو التبعية بشكل أو بآخر، فلا يوجد بين أبناء الشعب الفلسطيني كله شخص واحد يعمل ضد استعادة كامل أراضينا وكافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أينما وجد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى