بماذا تختلف حالة الطوارئ عن التعبئة العامة؟
“ناصر قنديل – البناء”
خلال شهر مضى، وفي ظلال تفشّي فيروس كورونا، تكاثرت الدعوات لإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وقبل أسبوعين لجأت الحكومة إلى إعلان حالة التعبئة العامة، بعدما كانت قد بادرت إلى إقفال المدارس والجامعات قبل ذلك بأسبوعين، وقامت بتمديد الإقفال ولا تزال، فخرجت أصوات تنتقد وتندّد وتصف عدم إعلان الطوارئ موقفاً سياسياً يتصل بفيتو وضعه حزب الله، على قاعدة أن حالة الطوارئ تضع البلاد بعهدة الجيش، وتحول دون تنقل السلاح،
حتى خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يعلن أن الحزب لا يمانع إعلان الطوارئ إن ارادت الحكومة ذلك، فانتقل الانتقاد إلى رئيس الجمهورية، بادعاء أنه يخشى وضع البلاد بتصرّف الجيش، حتى أوضح رئيس الجمهورية أنه في ظل الطوارئ سيتصرّف حكماً بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، فلماذا يخشاها؟
لا يمكن اكتشاف ما إذا كانت الدعوة للطوارئ هي مجرد لعب سياسي للتنمّر، واللعب على عدم معرفة الناس بالفوارق بين الطوارئ والتعبئة العامة، وارتباط مفردة الطوارئ في الذاكرة بتكليف الجيش مهام الضبط، أمام فوضى نسبية يلحظها الناس سبباً لانتشار الفيروس، بحيث يجري تجريم الحكومة أمام الرأي العام،
بينما هي تفعل اللازم والمطلوب، أم أن هناك فوارق فعلية بين الحالتين، تجعل حالة الطوارئ إطاراً لخطوات، تحتاج عملية مواجهة تفشي الفيروس اللجوء إليها، لا توفرها حالة التعبئة العامة، ويثبت بالتالي أن الحكومة تتهرّب من إعلان حالة الطوارئ رغم ضرورتها وفوائدها، لسبب يصير مشكوكاً بطابعه السياسي وخلفياته، في هذه الحالة؟
بالعودة إلى النصوص، يبدو أن حالة التعبئة العامة التي لا يعرف عنها الناس إلا القليل، ولم يسبق اللجوء إليها في لبنان، وربما في سواه، تتحدّث عن مواجهة كارثة ذات طابع مدني، تتصل بالموارد والأغذية والإيواء والطبابة والأدوية، كالوباء والطوفان والزلزال وسواها من الكوارث الطبيعية، وتتيح حظر التجول، كما تتيح الإقفال الجزئي والكلي للمؤسسات، وفقاً لأحكامها التي تتيح للحكومة اتخاذ هذه التدابير، بينما تتركّز حالة الطوارئ على الطابع العسكري الذي يرافق حالات التمرّد، والانقلابات المسلحة،
وسيطرة مجموعات إرهابية على مناطق تصعب السيطرة عليها، فتتركز إجراءات الطوارئ على المداهمات والمصادرات، والتنصت، وعكس الاتجاه، وفرض الرقابة على الإعلام، وتقييد الحريات الفردية والعامة، وتتصدّى لكيفية تنظيم علاقة الجيش بالقوى المسلحة وما يثيره أي وضع عسكري من تفاصيل،
ومَن يقرأ النصوص سيجد أنه مدين للحكومة بالاعتراف أنها لم تخضع للضغوط الابتزازية والغوغائية، وتذهب لإعلان حال الطوارئ التي لا تشبه مقتضياتها ومندرجاتها بشيء ما تفرضه مواجهة فيروس كورونا، بينما تبدو حالة التعبئة العامة مطابقة بالشكل والمضمون للمطلوب.
بالتأكيد لا يطلب دعاة الطوارئ مزيداً من التنصت ولا تقييداً لحرية الإعلام، لنغفر لهم مطلبهم، ولذلك وجب عليهم أن يغفروا لنا وصف الحملة الدعائية والسياسية تحت عنوان التساؤل عن سبب عدم إعلان حالة الطوارئ، بأنها رغم كونها حملة ذكية ومدروسة، فهي حملة غوغائية ومدسوسة.
فهي تلعب على ثقة الناس بالجيش، وعلى عدم معرفة الناس بتفاصيل الفوارق بين حالتي التعبئة العامة والطوارئ، لإثارة الشكوك فقط، ودق الأسافين، وطرح الأسئلة، وإرباك الحكومة والناس معاً، ومحاولة التنمر على الحكومة وعلى الغالبية النيابية، وممالأة الرأي العام المتعلق بجيشه الوطني، وتصوير الحكومة ومَن يدعمها في موقع الخشية من الجيش أو التشكيك بصدقيته، لكن النص لا يحتمل الاجتهاد، وتكفي أهلَ العلم القراءة.