المقالات

مَن يدْفع لبنان إلى «قبضة الفلتان»؟

ساد حبْسُ الأنفاس في لبنان أمس مع اندفاعةِ الاحتجاجات في أكثر من منطقة ولا سيما بيروت والتي سرعان ما انزلقتْ في شكلٍ مباغتٍ إلى مَظاهر فوضوية من قَطْعِ طرقٍ وحرْقِ إطاراتٍ وأّنْذرتْ بدفْع البلاد إلى قبْضة فلتانٍ يُسابِقُ العدّ العكسي لـ«التصديق» على «علاجٍ موْضعي» لما بات يُعرف بـ«أزمة الدولار» وشحّه في الأسواق.

وبينما كانت الأنظار شاخصةً إلى يوم غد الذي يُفترض أن يشهد البلورة النهائية لآلية تأمين المصرف المركزي اعتماداتٍ بالدولار وبسعر الصرف الرسمي (نحو 1507 ليرات) لاستيراد السلع الاستراتيجية (المحروقات والدواء والطحين)، فاجأتْ حركةُ الشارع الجميع بعدما «انفلشتْ» في شكل غير متوقَّعٍ واتخذتْ طابع شغبٍ متنقّل بعد قفْل العديد من الطرق الرئيسية في بيروت، خصوصاً المؤدية الى وسط العاصمة وحتى طريق المطار، وتلك التي تربطها بالشمال (جونية وطبرجا) إضافة إلى أكثر من منطقة في الشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان.

ومن خلْف «الدخان الأسود» الذي طغتْ سُحُبُهُ على «الويك اند» اللبناني، أطلّت «غابةٌ من الأسئلة» التي تتوالد، بدءاً من الخفايا غير الخفيّة لـ«تقنين» ضخّ الدولار في الأسواق… وسرّ استكانة السلطة السياسية إلى معالجاتٍ بدت «سلحفاتية» في مواجهة أزمةٍ مالية – اقتصادية «تقفز كالأرنب»… مروراً بالمدى الذي يمكن أن يأخذه فقدان العملة الصعبة في ظل اقتناعٍ بأن توفير مخْرجٍ لتمويل استيراد السلع الحيوية بسعر الصرف الرسمي لن يحول دون تَدَحْرُج تداعياتِ ترْك سعر التداول في السوق الموازية بيد العرض والطلب وبلوغه حتى الساعة ما يفوق 1600 ليرة لبنانية على السلع الاستهلاكية الأخرى… وليس انتهاءً بالسؤال الكبير عن «الرسائل» وخلفيات المشهدية المُقْلِقة التي ارتسمت أمس في الشارع المحتقن.

ورغم أن الاحتجاجات انطلقتْ بدايةً سلميةً وتصدّرتْها مجموعاتٌ من الحِراك المدني رفْضاً للواقع المالي – الاقتصادي – الاجتماعي السائد وتنديداً بأداء الطبقة السياسية مع المطالبة برحيلها، فإن انزلاقَها على نحوٍ دراماتيكي نحو قطْع الطرق وصداماتٍ وكرٍّ وفرٍّ مع القوى الأمنية في أكثر من منطقة ولا سيما العاصمة التي «حوصر» وَسَطُها، أثار ريبةَ أوساطٍ عدة توجسّت من هذا المناخ التصعيدي في لحظةٍ بالغة الدقة داخلياً وتحتاج إلى أقصى حدود الهدوء والتضامن السياسي والشعبي لعبور «المفترق» الخطير بأقلّ الأضرار.

واعتبرتْ هذه الأوساط أن ما حصل أمس وتحديداً في «جوْلته» التي تَقَدَّمَها «جيش الموتوسيكلات» وشبان القمصان السود، يمكن وضْعه في سياقِ واحدٍ من أمريْن: إما أنه في إطارِ محاولةٍ لدفْع البلاد إلى «الزاوية» ورفْع منسوب التوتر فيها تدريجاً من ضمن لعبة «عضّ الأصابع» الدائرة على تخوم «حرب العقوبات» الأميركية التصاعُدية على «حزب الله» الذي كان حمّل مسؤولية الواقع المالي الحالي المأزوم الى «العدوان» الأميركي (بالعقوبات)، وذلك بما يجعل كل لبنان «رهينةً» وفي «مركب واحد» مع الحزب.

وإما أنه في سياق «رسالةٍ جوابية» وخصوصاً من فريق رئيس البرلمان نبيه بري بوجه رئيس الجمهورية ميشال عون على خلفية اعتبار ما قاله الأخير في طريق عودته إلى بيروت من نيويورك تحميلاً لوزير المال علي حسن خليل (من فريق بري) المسؤولية عن شحّ الدولار في الفترة الأخيرة (مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة).

وإذ ستشكّل الساعاتُ المقبلة اختباراً حقيقياً لما إذا كانت تحرُك أمس، على طريقة «رسالة ووصلت» أو بداية مسارٍ ضاغط مُتدحِرج، فإن أوساطاً مطلعة أعربتْ عن خشية كبيرة من استحضار الشارع في هذه المرحلة وتَحَوُّلِه طَبَقَةً إضافية من الانقسام السياسي ولعبة تصفية الحسابات وتقاذُف المسؤوليات التي لاحتْ من قلب «أزمة الدولار» وعوارضها التي تنذر بأن تتمدّد كـ«بقعةِ الزيت»، مُلاحِظَةً أنّ فريق عون الذي كان اعتبر عشية «أحدِ التحركات» أن هذه الخطوة هي بوجهه بخلفياتٍ عدة، مضى بلسان بعض نوابه في تحميل «خراب البلد» إلى كل الآخَرين الذين تداولوا على السلطة منذ 1992.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى