مقالات

في أحد أفرع البنوك بحلب حيث تُدفن الكرامة في طابور وتُنجز المعاملة في حياة أُخرى

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة


إنّ ما سوف أكتبه بهذا المقال قصة حقيقيّة حصلت معي أنا شخصياً واشكيت لمدير البنك فأجابني ضاحكاً أعطيت / ٤ / موظفين إجازة اليوم والبقية لا يلعبون رغم أن نصف ما تبقى من الموظفين جالسين بدون عمل و إليكم واقع ما حصل والحقيقة أصعب و أمر

في مدينة حلب حيث الطّوابير أطول من الذّاكرة الجماعية قرر مدير أحد فروع البنوك أن يمنح أربعة موظفين إجازة في يوم واحد وكأننا في مسلسل لبناني تديره فيروز شخصياً و تغني ” بكتب اسمك يا حبيبي ” بينما المواطن يكتب رقم دوره على شاهد قبر صبره

المشهد لا يُصدق طابور يمتد من باب البنك حتى باب الجحيم المواطنون يتنفسون الانتظار والموظف الوحيد المتبقي يتعامل معهم وكأنه ينتقم من البشرية لأنه لم يُقبل في كلية الفنون الجميلة كل ساعة تمر تُنجز معاملة واحدة والمواطن يدخل بكامل قواه العقلية ويخرج وهو يطلب من الحائط سحب راتبه لأن الحائط على الأقل لا يطلب صورة عن البطاقة الشخصية مُصدقة من كاتب العدل الذي مات منذ عامين

أمّا الموظف الآخر فكان يجلس بجانب جهاز الدور يراقب الأرقام وكأنها نتائج يانصيب لا يضغط على زر تم الإنجاز لأنه ببساطة لا يريد أن يرى وجهاً بشرياً آخر يتظاهر بالانشغال بمعاملة سرية ربما مع كائن فضائي أو مع نفسه في جلسة تأمل وجودي بينما المواطن يصرخ أنا بس بدي راتبي فيرد عليه الموظف بنظرة تقول وهل أنا مسؤول عن اختياراتك في الحياة

وفي زاوية المشهد موظف ثالث ذو وجه أسود من الغضب لا من اللون ينقط غصباً على المواطنين يطلب من أحدهم أن يبتعد لأنه يضيق صدره من وقوفه أمامه وكأن المواطن ارتكب جريمة الوقوف في طابور عام

لا رقيب و لا حسيب و لا حتى كاميرا مراقبة تلتقط لحظة انهيار المواطن وهو يكتب وصيته على ورقة الدور أمّا
١ _ المدير فيستحق وسام اللامبالاة الذهبية ويُرسل في دورة تدريبية بعنوان كيف لا تُدير مؤسسة عامة
٢ _ الموظف المنتقم يُكافأ بمنصب في قسم التعذيب النفسي لأنه أثبت كفاءة عالية في تحويل الانتظار إلى عقوبة جماعية
٣ _ الموظف المتظاهر بالعمل يُرشّح للأوسكار عن فئة اللامبالاة الصامتة
٤ _ المواطن يُمنح وسام الصبر ويكتب اسمه في سجل الأبطال الذين واجهوا البيروقراطية ونجوا بأعجوبة

في النهاية البنوك لا تحتاج إلى إصلاح إداري فقط بل إلى طقوس تطهير جماعية وربما إلى جلسة استحضار روح المواطن الذي دخل بعقله ولم يخرج به فهنا تُنجز المعاملة في حياة أُخرى وتُدفن الكرامة في طابور لا نهاية له إلا إذا قرر أحد الموظفين أن يضغط على زر تم الإنجاز بالخطأ .

عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى