مقالات

اردوغان المأزوم يجمع ابو مازن وهنية، وفي اليوم الثاني يحتفي بالسيسي… ماذا يعد لفلسطين….


بيروت؛ ٢٩-٧-٢٠٢٣
ميخائيل عوض
حقق اردوغان نصرا انتخابيا بطعم الهزيمة، وقد اشتراه بالمعنى الكامل للكلمة وانفق من الخزينة عشرات مليارات الدولارات لرشوة الناخبين واغدق بالوعود، واسندته قوى عالمية وإقليمية كل لأسبابه. وكان بوتين اكثر المتحمسين له بتزويد تركيا بالغاز والنفط شبه المجاني وبديون بلا فائدة وطويلة الاجل.
حقق فوزا بتعادل نقاط وبفارق بسيط جدا عن مرشح المعارضة، وبقي في القصر. غير ان حسابات البيدر لم تطابق تقديرات الحقل، فما ان انتهت اعراس النصر حتى انهارت العملة الوطنية بصورة دراماتيكية، كتعبير عن عنف وعمق الازمات التي تضرب تركيا بنيويا، وعليه ارتكب اردوغان كعادته نصف انقلاب على بوتين واطلق سراح قادة ازوف ووافق على دخول السويد الناتو، واستجدى الاتحاد الاوروبي، كما شكل حكومة ميول وزرائها الاساسيين اطلسية لتطمين واشنطن واوروبا ومغازلتها.
ومن فوره زار السعودية وقطر وقبل استجدى الامارات لتامين الودائع والاستثمارات وعرض ما تبقى من اصول الدولة التركية للبيع بابخس الاسعار فقد كان باع القطاع العام خلسة وبالرخيص ونهبته اولغارشية الاردوغانية،  فالأوضاع عنده حرجة جدا. وفقدان السيطرة وانفجار الفقاعة على النموذج اللبناني مجال بحث وتقدير عند مطلعين وخبراء المصارف وصندوق النقد والبنك الدولي، وبينهم نازاروف الشهير بتوقعاته وابحاثه الاقتصادية المعمقة.
راحت السكرة وجاءت الفكرة، وبوتين الذي امن اردوغان مرات ومرات واسنده في كشف الانقلاب ٢٠١٦ وفي تامين قطاع السياحة والانشاءات والموازنة بعطاءات وهبات وامن الغذاء والمشتقات وفوض تركيا باتفاق الحبوب مع اوكرانيا غير الزعماء الذين خدعهم وناور عليهم اردوغان وليس بيدهم حيلة لتلقينه الدروس.
لم يبقى في جعبته الا المتاجرة بالقضية الفلسطينية التي كانت بين عناصر ارتقائه وتفويضه بالعرب والمسلمين السنة، ومعبره اليها غزة وحماس الاخوانية كمثله، وعلاقات تركيا بإسرائيل الاقتصادية والامنية والعسكرية تضاعفت مرات في عهده برغم لغته التصادمية، ولكي يلعب بالملف الفلسطيني لابد من مصالحة مصر وترطيب خواطر الرئيس السيسي بعد اشتباك حاد لم يخلوا من صدام عسكري بالواسطة في ليبيا وكباش كبير في تونس والسودان نجح السيسي بكسر اذرعته.
يسجل لاردوغان حيويته وقدراته البارعة على المناورة والتملص من التزاماته، وخديعة الاخرين، وعندما تشتد الازمات وتتكثف الاخفاقات وننحسر الاوهام العثمانية لابد ان يسارع الى تقديم التنازلات وتخفيف الاثقال وفي اولها طرد قادة الاخوان وتصفية نشاطاتهم الاعلامية والتخلص من ارثهم الثقيل، استجابة لشروط الامارات والسعودية ومصر، وليس على اردوغان حرج ببيع الكبير والصغير الاخ والحليف وقد فعلها مرات مع رفاق دربه الأتراك في حزب العدالة والتنمية فهمه وهدفه الوحيد ان يكون سلطانا.
وفي سياق المحاولات الامريكية الاطلسية المحمومة الانقاذ اسرائيل وتأمينها واستكمالا للجهود التي تبذلها ادارة بايدن في محاولات اعادة احتواء السعودية عبر التطبيع مع إسرائيل لتحميلها عبء واوزار تامين اسرائيل وتمويلها ومحاولة كسر انعطافه بن سلمان للشرق والتصالح مع ايران، بتقديم إغراءات له بتأمينه وبالتعاقد لحماية السعودية بإعلان حلف استراتيجي، وجد اردوغان لنفسه دورا مكملا يأمل بان انجازه قد يؤمن له مصادر اموال وحضور وقوة يراهن ان تؤمنه في زمن الانهيار.
هكذا تفهم مبادرته لاستضافة لقاء بين ابو مازن وقيادة حماس، قبيل يومين من استقباله الحافل للرئيس السيسي الذاهب الى موسكو لحضور القمة النوعية الافريقية الروسية والسيسي صاحب حظوة استثنائية عند بوتين وصلت الامور الى ان ربطي عنق بوتين والسيسي في لقائهما من نفس اللون والقماش والصانع ولهذه دلالات عميقة ورسائل مازال الكثيرون عاجزون عن استيعابها.
ماذا يريد اردوغان من حراكه الفلسطيني؟
–        تظهير الامر وكان لتركيا باع ودور في الملف الفلسطيني
–        الاستثمار بحماس وغزة في محاولة لجذبها الى خيار التسوية والهدن الطويلة والتخلي عن المقاومة.
–        محاولة خلق توازن مع محور المقاومة وايران في الملف الفلسطيني بالتساند مع مصر وبالارتكاز الى غزة وحماس
–        التقرب من مصر وقبول شراكة من الدرجة الثانية في الملف الفلسطيني.
–        عين اردوغان على غاز غزة الوفير، ويقدم نفسه وتركيا شريكا وضامنا مع إسرائيل.
–        ولما كانت مصر ساعية الى الامساك بالملف الفلسطيني وبغاز غزة ولهذا احتضنت دعوة ابو مازن لاجتماع الامناء العامين في القاهرة فليكن لاردوغان قرصا في العرس، فيقدم نفسه كمساعد في التحضير وتوليف العلاقة بين حماس والسلطة.
–        في الملف الفلسطيني ودور تركيا يتطوع اردوغان لتقديم خدمات يراها ثمينة للأطلسي والامريكي طمعا برضاه ومحاولة لتامين الاموال وتخفيف الضغوط للمساعدة في احتواء او تأجيل انفجار الازمات.
ماذا عن الحصاد؛
تحول الدور التركي من رئيسي ومتفرد بالملف الفلسطيني عبر غزة وحماس وحركة الاخوان وقطر  الى دور ثانوي مساعد وساع للتحضير لتطويب الدور المصري. وبالمصالحة مع السيسي بحثا عن مصالح اقتصادية وتخفيف حدة التنافس في ليبيا والسودان يقر اردوغان بهزيمة مشروعه العثماني وانحسار المشروع الاخواني ويقبل الاعتذار والتراجع عن عنترياته السابقة فقد فعلها بإذلال امام بوتين في سورية.، وبتوسيطه السيسي مع بوتين يقر بتقدم مصر على تركيا ومكانتها على حساب ما كان لاردوغان من اوهام بقيادة الشرق الاوسط الجديد متطوعا كوكيل للأمريكي والاطلسي ولن يحصد من توسيط السيسي رضا بوتين الذي تحمل انقلابات ومناورات اردوغان وامنه ولم يعد بحاجة اليه فقد امن روسيا في اسيا وافريقيا وفي الحرب الاوكرانية ولم يعد لاردوغان المناور والمتقلب من فائدة.
في احتضان رعاية تسوية وتطبيع ينقذ إسرائيل ويحتوي غزة وحماس في محاولة لنقلها الى الضفة الاخرى ويكسر ظهر المقاومة فكل الوقائع تجزم بان السيف قد سبق العذل.
اردوغان وتركيا في زمن الازمات الانهيارية ولن تجدي البهلوانيات وعمليات التجميل في عودة تركيا الاردوغانية من الكهولة الى الصبا فقد ولى زمن الاخوانية واوهام العثمانية وقبول وكالة ادارة شرق اوسط امريكي جديد.
وما يسعى اليه اردوغان في فلسطين قد انتفت ظروفه واسبابه وانهارت قواه الحاملة ولن يحصد الا الخيبة والمزيد من تقزيم الدور التركي وتعمق الازمات التي قاد تركيا اليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى