مقالات

ممنوع على الشيعة السياسة والإعلام، لانهم خارج الماسونية والنظام العالمي

بقلم ناجي أمّهز

أنا هنا أصف أسباب الصراع القائم بين مشروعين مختلفين تمامًا، وهذه حقيقة يجب أن يدركها الجميع. يقوم المشروع الشيعي على رفض هيمنة النظام العالمي، بينما يهدف مشروع إسرائيل وحلفائها إلى إقامة نظام عالمي جديد ينطلق من “الشرق الأوسط الجديد”.

يرى الشيعة أن النظام العالمي الجديد لا مكان فيه للمستضعفين والفقراء، بل يسعى إلى استعباد هذه الفئات ونهب ثرواتها، مما يتنافى مع القيم الدينية والإنسانية التي يتمسكون بها منذ استشهاد الإمام الحسين قبل ١٤٠٠ عام.

ورغم إدراكهم بأن إمكانياتهم قد لا تكون كافية لمواجهة قوى العالم، يسعى الشيعة جاهدين، خصوصًا في المشرق العربي، إلى الدفاع عن المقدسات، وحماية المستضعفين والأقليات، والحفاظ على دورهم المحدود في منطقة تعج بالتناقضات الدينية والطائفية.

رغم امكانيات الطائفة وقلة عددها الا انه لا أحد على وجه البسيطة يستطيع أن ينكر قوة حزب الله العسكرية وثباته وبسالته وتفننه في القتال، حتى اصبح يقال عن مقاتلو حزب الله كانهم يذهبون إلى القتال كما لو أنهم في نزهة، وحقيقةً، غالبية هؤلاء يتسابقون إلى الميدان إيمانًا بعزّتهم وحريتهم وتحررهم، ودفاعًا عن قراهم اللبنانية.

في المقابل، ظهرت فجوة كبيرة للغاية في السياسة والإعلام الشيعي، حيث صرخ أحدهم قائلاً: “هناك مليون شيعي لبناني، أين هم؟”

وهذه الصرخة في محلها اليوم، لأنه لولا وجود الرئيس برّي، الذي يلتقي بعض الموفدين الدوليين ويتواصل مع بعض الأطراف الداخلية، لكان شيعة لبنان معزولين تمامًا عن العالم السياسي والإعلامي.

واسرائيل تدرك ان السياسي الوحيد الموجود في الطائفة الشيعية هو الرئيس بري، لذلك سارعت الى تهديده بالاغتيال فرد عليها قائلا: “أنام ملء جفوني.. شأني شأن أي لبناني آخر، وفي نهاية المطاف الشهادة هي حق”.

فالسياسيون من حزب الله، أصحاب القرار، بعضهم استشهد والبقية مستهدفة، وحلفاء حزب الله غير قادرين على التواصل مع أحد خشية أن يغتالهم العدو الإسرائيلي بالطائرات المسيّرة أو الحربية. لذلك، ينسحبون واحدًا تلو الآخر من مركب المقاومة، والحلفاء الثابتون في مواقفهم قاموا بتحييد أنفسهم إلى أن تظهر بعض إشارات وقف إطلاق النار.

إضافةً إلى أن الدول العربية تقاطع حزب الله، كما الدول الغربية بسبب قوانين الإرهاب، وان كان هناك من تواصل غير معلن؛ إلا أن هكذا لقاءات تُصنّف كأنها استخباراتية وليست سياسية. كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها التواصل مع حزب الله تحت أي عنوان بسبب العداء، وهذا ينطبق على الداخل اللبناني، حيث لا تواصل للأطراف المعارضة لحزب الله من كافة الطوائف مع الحزب، كما أنهم غير مضطرين للبحث عن حلول سياسية له، تحت شعار “دَعْ حلفاءه يبحثون له عن حلول سياسية”. وما ينطبق على قطيعة الدول مع حزب الله ينطبق على حلفاء الحزب أيضًا.

هذه المشكلة السياسية الإعلامية ليست وليدة عام 2024 أو نتيجة الحرب الحالية مع إسرائيل، بل هي أزمة تاريخية ناتجة عن اقصاء الشيعة عن الحكم وحرمانهم من حقوهم المدنية حتى مطلع عام 1943 اضافة الى التنكيل والحرمان اللذين تعرض لهما الشيعة منذ نشأتهم حتى يومنا هذا.

فالطائفة السنية الكريمة لها تجربة طويلة في الحكم تمتد لـ1400 عام، حيث اكتسبوا خبرة في هذا المجال ونسجوا جذورًا عميقة، كما تعلم بعض القادة العرب فنون السياسة والقيادة خلال الحقبة العثمانية عندما تقاربوا مع الغرب للانقلاب على السلطنة العثمانية حيث قامت الإمبراطوريتين الإنجليزية والفرنسية بضمهم الى المحافل الماسونية ونسجت لهم علاقات سرية مع بعض المعارضين الاتراك منهم الزعيم اتاتورك. وعندما سقطت السلطنة العثمانية وتولى أتاتورك، وهو من أشهر الماسونيين في المنطقة، زعامة تركيا، حافظ مع الباقين على هذه الأخوّة؛ فامتدت الماسونية إلى مصر، والعراق، وسوريا، كما الأردن وغالبية دول الخليج التي كانت بدائية آنذاك، أما المغرب العربي فهو ماسوني في كافة تقاليده وأعرافه وقوانينه ودساتيره.

ملاحظة: تم تنصيب أتاتورك في بداية القرن التاسع عشر في المحفل الماسوني “نزل فلسطين 415” عندما نُقِل إلى سوريا ولبنان، وساهم بعدها في دعم حركة مناهضة للسلطنة العثمانية.

وهذه الطبقة العربية التي اعلنت عن رغبتها في المشاركة بنظام عالمي جديد وقدم لها كل التسهيلات حيث كان الجنيه المصري يعادل الدولار أضعافًا، وكان الدينار العراقي يساوي ما يقارب ثلاثة دولارات، رغم عدم ظهور طفرة النفط في تلك الفترة، وسعر الليرة السورية واللبنانية يعادل 35 سنتًا من قيمة الدولار الأمريكي.

لكن بعد نكبة ١٩٤٨ انتفض العالم العربي ومع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي سقطت ادوات النظام العالمي انطلاقا من مصر وصولا الى العراق وسوريا، ومع سقوط ادوات النظام العالمي شن حروبه على هذه الدول حتى شاع الفقر وتراجع التعليم وعمت الفوضى.

اما شعب لبنان خاصة المسيحيين فان حربهم مع اليهود بدات مع نهاية القرن الثامن عشر عندما نجحوا في إقصاء اليهود عن الماسونية حتى اوائل القرن التاسع عشر، عندما قررت الماسونية العالمية إقامة نظام عالمي جديد .

وبما ان النظام العالمي الجديد سيكون على حساب الاقليات في المنطقة رفض المسيحييون هذا المشروع الذي تبناه اليهود، ليكونوا بديلاً للمسيحيين في الشرق الأوسط.
وقد نشب صراع في الغرب بين المسيحية واليهود استمر حتى عام 1933 عندما اقر قانون معاداة السامية.

وفي تلك الحقبة كان الذي يسيطر على الشرق الاوسط هي الامبرطورية الانجليزية، ولكي يتمكن اليهود من الدخول الى السلطة البريطانية عليهم العبور من خلال الماسونية، وللدخول الى الماسونية يجب تعديل بعض القوانين الماسونية والبريطانية ايضا ومنها تجنبهم القسم على الانجيل بحال توليهم مناصب رسمية، وهنا بدأ أصحاب الأموال من اليهود، بما في ذلك التجار ومالكو المصانع، بالضغط على عمالهم وموظفيهم لدفع السلطات البريطانية نحو تعديل بعض بنود الدستور. وبهذا، سُمح بتعديل الدستور البريطاني، فتمكن اليهود من الانتساب إلى الماسونية والانتقال تدريجياً إلى المناصب الرسمية العليا،

لذلك، كل ما يُسمع عن وعد بلفور يخالف ما حدث فعليًا، بل هو عكس السياق التاريخي لإعداده وإعلانه.

بدأت حكاية اليهود، الذين تعرفونهم اليوم، وكان هدفهم الأول ضرب الماسونية في العالم العربي، لعزلهم عن التواصل مع الماسون في الغرب، لأن الأخوّة العالمية تمنع المساس بأعضائها. ولذلك، تسمعون عن “المليار الذهبي”.

نجح اليهود في ضرب الماسونية ومنها الماسونية اللبنانية من خلال افتعال الأزمات وإشعال الخلافات بين المحافل اللبنانية، مما اضطر بعض اقطاب الماسون في لبنان باصدار قرار بتجميد المحافل اللبنانية عام 1982.

وهكذا انتهت الماسونية الحرة في العالم العربي واصبحت حكرا فقط على اسرائيل التي تسيطر من خلالها على الغرب.

وتحول الغرب الى اعور لا ينظر الا بعين واحدة وهي مصالحه مع اسرائيل.

ويقال ان تجميد المحافل الماسونية في لبنان اضافة الى ضغط اللوبي اللبناني الامريكي الذي كان يطالب باخراج الفلسطينيين من لبنان كانت احد العوامل التي استفادت منها اسرائيل للضغط على الرئيس رونالد ريغان بقبول اجتياح لبنان عام 1982 بعد معارضة شديدة منه، ومع ذلك، لم يوافق ريغان إلا بعد تعيين فيليب حبيب، اللبناني الماروني، لمتابعة كل ما يجري في لبنان. فقام هنري كسينجر بشن حملة هوجاء وعاصفة على فليب حبيب، لكنه لم يستطيع ابعاده كونه اخ للرئيس ريغان باحد المحافل الماسونية، خاصة ان الرئيس ريغان كان يفتخر بأن ماسونيًا لبنانيًا وقع شهادة انضمامه الفخرية.

يُقال إن المحفل الذي منح رونالد ريغان الشهادة الماسونية الفخرية كان احد اعضائه شقيق الكاتب والأديب الشهير ميخائيل نعيمة، والذي انتمى أيضًا للماسونية ووصل إلى درجة الأستاذية.

القصد من هذا السرد الايضاح اسباب تحجيم الدور الشيعي في السياسة والاعلام خاصة أن الشيعة العرب، عبر التاريخ وحتى اليوم، خارج دائرة الحكم والماسونية والأندية الدولية.

أكرر: لا يوجد شيعي عربي واحد في الماسونية العالمية.

وبما ان الشيعة لديهم مشروعهم الخاص وهو يقوم على العدالة الاجتماعية التي كرستها تعاليم الامام علي بن ابي طالب، بالمقابل فان العالم تحكمه قيم مختلفة لا يستطيع الشيعي تقبلها كما يرفض النظام العالمي تقبل المشروع الشيعي.

لذلك عندما يتحدث شيعي عربي في السياسة، يسمعه الغربي كما لو أن رجل دين شيعي يحاول إقناع رجل دين مسيحي أو يهودي باعتناق التشيع.

لذا، فإن المدرسة السياسية الشيعية تختلف تمامًا عن السياسة العالمية في أدبياتها ومفرداتها ومقارباتها وأهدافها.

من هنا، نجد أنه لا يوجد من يبكي على الشيعة أو يهتم بشؤونهم، لذلك يعتمدون على قوتهم وما تعلموه من آل البيت في المحبة والتعايش.

أما ما أكتبه أو أقدمه من حين لآخر فهو لأنني تربيت مع النخبة المارونية العالمية واطلعت على أسرار هذا العالم. وعندما أكتب، أصف واقعًا عشته وأعرف نقطة انطلاقه ونهاية مستقره.

أما ما يُقال إن ناجي أمّهز يحب الموارنة أكثر من الشيعة، فهذا مناقض للحقيقة، فانا بالختام شيعي لكن كم شخص يشبهني لا اعرف. والموارنة يحترمون معرفتي ويقدرون تجربتي، ويتحدثون معي بصدق، بينما في الغالبية من الطائفة الشيعية، القيمة تكون لمن يملك المال، وللاسف انا لا املك المال بل اعمل يوميا 18 ساعة لتأمين قوت عائلتي..

ولمعرفة مقدار الشدة والصرامة والقيود في الماسونية فانه لا يمكن لأي شخص مهما كانت جنسيته او ديانته ومكانته السياسية والمالية والاجتماعية الوصول إلى أعلى درجة في الماسونية ما لم يرتدِ الطربوش التركي، الذي كان الزي الرسمي في المناصب العثمانية قبل 400 عام.

واترك لكم صورة للرئيس ريغان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى