كيف حوّلت روسيا الهجوم الأوكراني على كورسك إلى فرصة…؟
حسن حردان
لم يدم كثيراً احتفال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومعه حكومات الغرب بنجاح القوات الأوكرانية في اجتياح جزء من مقاطعة كورسك الروسية، والصدمة الذي أحدثها في البداية في روسيا، التي سرعان ما استوعبت ما حصل من خرق لأراضيها بمساعدة الولايات المتحدة وأقمارها الاصطناعية والأسلحة المتطورة التي زوْد بها حلف الناتو النظام الأوكراني لتمكينه من قلب المعادلة في الميدان وتحقيق هذا التحوّل في مسار الحرب…الهدف كان واضحاً وهو محاولة نقل المعركة إلى الداخل الروسي ودفع موسكو إلى سحب جزء كبير من قواتها على جبهات الدونباس وخاركوف، وإرسالها لمواجهة وصدّ هجوم القوات الأوكرانية في كورسك.. وبالتالي تخفيف الضغط عن القوات الأوكرانية في هاتين المنطقتين، وصولاً إلى محاولة أوكرانيا الوصول إلى المحطة النووية في كورسك، واستخدام ذلك وسيلة مقايضة في المفاوضات بما يحقق لـ زيلينسكي انسحاب القوات الروسية من داخل أوكرانيا مقابل انسحاب القوات الأوكرانية من الأراضي الروسية في كورسك…لكن هذا الحلم الذي تطلع اليه زيلينسكي سرعان ما تهاوى نتيجة ذكاء القيادة الروسية التي عمدت إلى وضع خطة تحوّل دخول القوات الأوكرانية إلى كورسك إلى مصيدة لأجل تحقيق الأهداف التالية:الهدف الأول، وقف تقدّم القوات الأوكرانية في كورسك، وحصر وجودها في البلدات والقرى المحاذية للحدود من أوكرانيا.. ولتحقيق ذلك جرى استخدام الطيران الحربي وفرقة أحمد الشيشانية وقوات حرس الحدود.. من دون أن تتمّ الاستعانة بالقوات الموجودة على جبهات القتال في داخل أوكرانيا.الهدف الثاني، استنزاف قوات النخبة الأوكرانية التي جرى سحبها من جبهات القتال في دونيتسك، والعمل على دفع أوكرانيا إلى إرسال تعزيزات لدعم هذه القوات، بما يجعلها تبقى في كورسك أطول فترة لانهاكها واستنزافها.. بما يضعف القدرات الدفاعية للجيش الأوكراني على جبهات القتال في الدونباس وخاركوف وغيرها من المناطق في اوكرانيا..الهدف الثالث، تزخيم هجوم القوات الروسية المتقدمة في أوكرانيا للسيطرة على ما تبقى من مدن وبلدات هامة في دونيتسك وخاركوف، وبالتالي استغلال أشغال القوات الأوكرانية في كورسك، لتحقيق أكبر قدر من التقدم في جبهات القتال في أوكرانيا..هذه الخطة والأهداف المُراد تحقيقها منها نجحت وأتت أُكُلها.. ففي الوقت الذي قامت وحدات روسية مدعمة بالطيران الحربي في وقف الهجوم الأوكراني في كورسك واستعادة العديد من البلدات، كانت القوات الروسية تواصل هجماتها وتتقدّم بسرعة مذهلة في خاركوف والدونباس مما أقلق الحكم الأوكراني وأصاب حكومات الغرب بالخيبة وسقطت رهاناتهم على تحويل الجهد الروسي العسكري إلى كورسك.. ما دفع المراقبين والمحللين والصحف الغربية إلى الاعتراف بأنّ روسيا حققت تقدّماً كاسحاً في الأيام الأخيرة ومكاسب هامة أكبر من تلك التي حققتها أوكرانيا في منطقة كورسك، حيث أصبحت القوات الروسية على بعد بضعة كيلومترات من مدينة بوكروفسك الأوكرانية وهي مركز لوجستي حيوي يستخدمه الجيش الأوكراني، حيث تعتبر هذه المدينة، التي توجد فيها محطة سكة حديد رئيسية وطرق رئيسية، نقطة إمداد وتعزيز أساسية للقوات الأوكرانية على خط المواجهة الشرقي، ما يعني انّ سقوطها بيد القوات الروسية سيؤدّي إلى تدهور كبير في الوضعية الدفاعية للقوات الأوكرانية في جبهات القتال، وهي التي تعاني أصلاً من تراجع مستمر.. على انّ هذه التطورات الدراماتيكية في الميدان، دفعت المعارضين للحكومة في كييف إلى التحذير من ان يكون الجيش الأوكراني قد أخطأ في حسابات الوضع على الأرض.. فيما يبدو الجيش الأوكراني وقع في مصيدة روسية محكمة، من جهة أصبح غير قادر على الصمود أمام زخم هجوم القوات الروسية على جبهات القتال، ومن جهة ثانية قوات النخبة الأوكرانية لا تستطيع نجدته لأنها عالقة في كورسك وتعاني من حرب استنزاف مكلفة.هكذا نجحت القيادة الروسية في تحويل هجوم كورسك إلى مصيدة للقوات الأوكرانية، وفرصة للقوات الروسية لتحقق تقدّماً كبيراً في ميادين القتال بأسرع مما كانت تتوقعه.