مبادرات لتعليم تاريخ وجغرافية فلسطين
باسل عبد العال السبت 13 تموز 2024
تُبادر بعض المؤسسات والمراكز الثقافية الفلسطينية في لبنان، في ظلّ العدوان على غزة المستمر منذ 7 تشرين الأول 2023، إلى إطلاق برامج ثقافية لتعليم تاريخ وجغرافية فلسطين في المخيمات الفلسطينية، ويعود سبب ذلك إلى عدم تدريس هذه المواضيع في مدارس «الأونروا»، وبعض المؤسسات المشابهة لها، للطلاب والطالبات الفلسطينيين، التي تُغيّب عنهم المعلومات المتعلقة بوطنهم فلسطين، مدنه، وقراه، وحدوده، ومساحته، وتنوّع سكانه، وتاريخه الوطني والثقافي والجغرافي.تعتبر المؤسسات التي تعلّم تاريخ وجغرافيا فلسطين، أنها تقوم بجانب من واجبها النضالي من أجل القضية الفلسطينية، من شأنه المساهمة في صقل معلومات الطلاب، ودعم مسيرتهم الثقافية والأدبية، نحو معرفة أكثر عن القضية الفلسطينية بشكلٍ عام. ومن هذه المؤسسات: «مركز زاوية رؤية الثقافية»، و«جمعية أزاهير» في مخيم نهر البارد شمال لبنان، والأخيرة تشتغل مع الشباب والأطفال، وقد قامت بفتح برنامج لتدريس تاريخ وجغرافية فلسطين من عمر 9 سنوات لغاية 20 سنة، ويؤكد منسق الجمعية محمد سلامة لـ«الأخبار»: «شعرنا بتقصير من مدراس الأونروا في هذا الجانب، وكنّا نسأل الأطفال والشباب بكثرة عن قراهم، ومن أيّ بلد أنتم من فلسطين؟ فتكون إجاباتهم بأنهم لا يعرفون. وكانوا يقولون في حصة التاريخ والجغرافيا في المدارس لا يدرّسوننا عن فلسطين». أمام هذا الوضع، أخذ سلامة ومن معه المبادرة، يقول: «قمنا بتكليف فتاة متخصصة بهذا الشأن، فدرّستهم عن القرى الفلسطينية وبماذا تشتهر، وما هي الأماكن الأثرية في فلسطين». ويضيف سلامة أنهم قاموا بتقديم المعلومات بطرق مختلفة، منها السينما، فعرضوا للأطفال أفلاماً عن فلسطين تقرّب المعلومات إليهم. لاقى البرنامج إقبالاً في المخيم، «واهتماماً كبيراً من الأهالي»، ولذلك ذهب سلامة والفريق معه للتفكير بنقل التجربة إلى كل البيوت، وهذه الخطة التي يعملون عليها كما يوضح: «نجهز إن شاء الله في المستقبل أن تكون لدينا برامج مخصصة للأمهات، كي يستطعن تزويد أولادهن في البيوت بالمعلومات، وذلك أسهل وأنسب، ربّما لتدريس تاريخ وجغرافية فلسطين».
هذه المبادرات منتشرة أيضاً في مخيمات أخرى في لبنان، كـ«النادي الثقافي الفلسطيني العربي» في مخيّمَي مار الياس والبداوي، ومؤسسة «جفرا» ومركز «النقب» في مخيم برج البراجنة، الذي أوضح منسقه محمود معطي أنهم في المركز كانوا يسألون الطلاب في المركز عن بعض المعلومات الأولية، فلا يجيبون، «كنا نسألهم مثلاً، لماذا اسم مدرستك الجليل؟ أين يقع الجليل مثلاً؟ فلا نحصل على إجابات دقيقة. وعليه افتتحنا صفوف تعليم فلسطين، وأضفنا هذه المادة لأنشطتنا الصيفية». يوضح معطي الأسلوب الذي اتّبعوه في «النقب»، عبر شرح خريطة فلسطين بالكامل، ويضيف: «قمنا بعقد ورش عمل للأطفال، لرسم وتلوين القرى والمدن الفلسطينية، كي يميّز الطفل بين قرية وقرية أخرى، وكذلك المدن بألوان مختلفة. لجأنا إلى أساليب منهجية لتسهيل وصول المعلومة للأطفال. تطورت الدروس المعرفية، فبدأنا التعريف بالاحتلال، والمعارك التي خاضها الشعب الفلسطيني في مواجهته. كما وصلنا مع البعض، للتعريف السياسي، وكيف صارت لدينا مسألة الضفة الغربية وقطاع غزة».
تمكّن مركز «النقب» من تحقيق صدى لمشروعه في المخيم وبين الطلاب، ولا سيما أن المتطوعين فيه يعتبرون فعلهم إحدى وسائل المقاومة.
تبدو الحاجة إلى مثل هذه المبادرات انطلاقاً فقط من فقر واضح في المعلومات، وهذا صحيح، لكنها أيضاً مبادرات شعبية، تساهم في وصل الأجيال بأرضهم، وكذلك المجتمعات المضيفة. لكنها من جانب آخر، تصبّ في مصلحة السردية الفلسطينية، ولا سيّما أن الاحتلال يشن حرب إبادة على الشعب الفلسطيني، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
وطالما كان المقصود من حروب الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب الإبادة بأشكال مختلفة، منها القتل المباشر، وأيضاً الوصول إلى أجيال فلسطينية في الداخل والشتات بلا ذاكرة ولا تاريخ ولا ثقافة. وما المبادرات المذكورة أعلاه سوى مواجهة لإبادة الذاكرة والمستقبل