وول ستريت جورنال تنقل عذابات فلسطينيين اعتقلتهم “إسرائيل” في غزة
الأربعاء 13 مارس 2024
وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عمدت قوات الاحتلال إلى اعتقال آلاف الفلسطينيين في القطاع المحاصر والمستهدف، وذلك في عمليات اعتقال جماعية في أحيان كثيرة، الأمر الذي يُدرَج في إطار الجرائم المختلفة التي ترتكبها إسرائيل في حقّ أهل غزة.
وقد وُصفت عمليات الاعتقال الجماعية بأنّها جرائم حرب، ولا سيّما أنّها عُدّت انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وكرامة المعتقلين إذ أتت مذلّة.
وفي تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” التي تتّخذ من مدينة نيويورك مقرّاً لها، اليوم الأربعاء، نقلت شهادات موجعة حصلت عليها من أكثر من 10 فلسطينيين من قطاع غزة أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي سراحهم بعدما كانت قد اعتقلتهم من داخل القطاع إثر غزوه بريّاً.
وبيّنت الصحيفة في تقريرها أنّ هؤلاء المعتقلين الذين أُطلق سراحهم تعرّضوا لأشكال مختلفة من الانتهاكات النفسية والجسدية، إذ تحدّثوا عن ضرب وركل خلال عمليات الاستجواب، مع إبقائهم في وضعيات مرهقة لفترات طويلة، على سبيل المثال إجبارهم على البقاء في وضعية الركوع على ركابهم، وذلك حتى 20 ساعة في اليوم، أحياناً تكون أيديهم مكبّلة فوق رؤوسهم.
كذلك، أفاد آخرون بأنّهم لم يتعرّضوا للضرب، إنّما تلقّوا إهانات بصورة متكرّرة، بالإضافة إلى انتهاكات لفظية أخرى. وأشار معتقلون أُطلق سراحهم من بين هؤلاء إلى أنّهم أُرغموا على البقاء مستيقظين، مع السماح لهم بالنوم لمدّة أربع ساعات يومياً فقط. وعندما سُمح لهم بالنوم، كان ذلك من دون أسرّة ولا أغطية.
وقد وصف كثيرون من هؤلاء الفلسطينيين الذين أُطلق سراحهم الظروف والأوضاع السيّئة في المنشآت حيث اعتُقلوا، بما في ذلك اكتظاظها بالمعتقلين ونقص الإمدادات الصحية والطعام.
يُذكر أنّ المعتقلين الفلسطينيين الذين تحدّثوا إلى “وول ستريت جورنال”، الذين اعتُقلوا بمعظمهم في شهرَي نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من عام 2023، أُطلق سراحهم من دون أيّ إدانة من قبل سلطات الاحتلال.
بهاء أبو ركبة، المسعف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، واحد بين هؤلاء، وقد اعتقلته قوات الاحتلال من مقرّ الجمعية في جباليا شمالي القطاع في 21 ديسمبر الماضي، واحتجزته لمدّة ثلاثة أسابيع قبل أنّ تطلق سراحه في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي. في شهادته التي دوّنتها “وول ستريت جورنال”، قال أبو ركبة: “كنت أصلّي فقط من أجل البقاء على قيد الحياة”.
ولم يخفِ الشاب البالغ من العمر 24 عاماً أنّه كان يتألّم ويجاهد من أجل السير على قدمَيه بعد تعرّضه للضرب المتكرّر بأعقاب البنادق، بالإضافة إلى الركل في فخذَيه.
ويأتي اعتقال أبو ركبة في سياق استهداف الاحتلال الممنهج لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وطواقمها ومقارها، وكذلك المستشفيات التابعة لها. وبحسب بيانات الجمعية الأخيرة، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتقال 14 من طواقمها، علماً أنّ مصيرهم ما زال مجهولاً حتى اللحظة.
وقد لفتت الجمعية، في تدوينة أخيرة على منصّة “إكس”، إلى أنّ عائلات أفراد طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني المعتقلين وزملاءهم يشعرون بقلق شديد، إذ إنّهم يعلمون أنّ هؤلاء “يتعرّضون الآن للتعذيب والإهانة بناءً على إفادات زملائهم الذين أُطلق سراحهم”.
في سياق متصل، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنّ قوات الاحتلال أفادتها بأنّها على علم بمقتل 27 فلسطينياً معتقلاً، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية كانت قد بيّنت، في وقت سابق من شهر مارس/ آذار الجاري، أنّ 27 فلسطينياً من قطاع غزة قضوا في الاعتقال منذ السابع من أكتوبر.
الصحافي الفلسطيني محمد عبيد، البالغ من العمر 20 عاماً، من المعتقلين الذين أُطلق سراحهم والذين نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” شهاداتهم. اعتُقل عبيد في شهر أكتوبر الماضي، عندما كان يخلي (مع آخرين) الحيّ الذي يقطنه في مدينة غزة شمالي القطاع، بناءً على أوامر القوات الإسرائيلية التي أجبرت حينها سكان الشمال على النزوح.
أخبر عبيد الصحيفة أنّ عناصر القوات الإسرائيلية سحبوه من بين النازحين الآخرين وأجبروه على خلع ملابسه، وهم يوجّهون السلاح نحوه. بعدها كبّلوا يدَيه ورجلَيه، قبل أنّ يضعوه في شاحنة ثمّ في حافلة مع معتقلين آخرين واقتادوهم إلى حقل مفتوح.
أضاف عبيد أنّه استُجوِب لستّ ساعات، فيما كانت يداه مقيّدتَين بالسقف. وفي اليوم الثاني، تناوب مستجوبوه على لكمه على وجهه في إحدى الغرف، قبل أن يُجرّ خارجاً ويُجبَر على مسح الدم عن وجهه قبل التقاط صورة أمام العلم الإسرائيلي. وقد أُطلق سراح عبيد بعد 40 يوماً من دون أيّ إدانة.
كذلك، عرضت الصحيفة الصادرة في الولايات المتحدة الأميركية، في تقريرها الصادر اليوم الأربعاء، شهادة الفلسطيني أيمن لباد، البالغ من العمر 34 عاماً، الذي أفاد بأنّ قوات الاحتلال عمدت، بعد أوامر بإخلاء الحيّ الذي يقطنه في شمال غزة، إلى إرسال النساء وكبار السنّ إلى مستشفى في المنطقة، فيما أجبرت الذكور الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً فما فوق إلى خلع ملابسهم والركوع في الطريق.
أضاف لباد، الذي أُطلق سراحه في 14 ديسمبر الماضي، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، أنّ عينَيه عُصبتا وقُيّدت يداه ونُقل إلى أكثر من مركز اعتقال في الأيام التالية. وأكّد أنّ “الجنود الإسرائيليين ضربوني بصورة متكررة من دون سبب”، موضحاً أنّ الضرب تركّز على قفصه الصدري، الأمر الذي حرمه من النوم على مدى ليلتَين بسبب “شدّة الألم”.
أمّا النساء الفلسطينيات اللواتي تحدّثنَ إلى صحيفة “وول ستريت جورنال”، فقد أفادت عديدات منهنّ بأنّهنّ نُقلنَ إلى منشآت سجنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948. من بين هؤلاء هبة غابن، البالغة من العمر 40 عاماً، التي اعتُقلت في بداية ديسمبر الماضي، خلال عملية إجلاء من شمالي قطاع غزة في اتجاه الجنوب. وقد احتُجزت لنحو شهرَين في سجن الدامون القريب من حيفا.
وأشارت غابن إلى أنّ عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي هدّدوها بـ”الصعق بالكهرباء” خلال جلسات الاستجواب، وأنّهم كانوا يعمدون إلى “تكبيل أيدينا (هي والمعتقلات الفلسطينيات الأخريات) وأرجلنا عند إعادتنا إلى الزنزانة” بعد الاستجواب الذي كان يدور حول سكان حيّها وقادة حركة حماس والرهائن الإسرائيليين.