من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا: واشنطن تستشعر الخطر
حيّان نيّوف
من المهم التوقف عند التصريحات الصادرة عن كل من وزيري الخارجية والحرب الأمريكيين في الأيام الأخيرة، والمتعلقة بأهمية المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا في ظل فشل إدارة بايدن في تمرير قانون عبر الكونغرس لإقرار تلك المساعدات والتمويل الخاص بها.
وزير الحرب الأمريكي لويد أوستين قال إن “القوات المسلحة قد بدأت جهود التحديث الأكثر طموحا منذ 40 عاماً للقاعدة الصناعية الدفاعية في الولايات المتحدة”.
بينما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن “التوريدات العسكرية لأوكرانيا ساهمت في زيادة التصنيع لدينا، مما خلق ذلك المزيد من فرص العمل الأمريكية، والمزيد من النمو لاقتصادنا.. لهذا السبب تحتاج الولايات المتحدة إلى مواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، تقديم المساعدة لأوكرانيا هو حافز للمزيد من النمو لاقتصادنا.. إنه وضع مربح للجميع، لذلك نحن بحاجة إلى الاستمرار”.
الغاية من تصريحات وزيري الحرب والخارجية الأمريكيين هو الضغط على الجمهوريين في الكونغرس ومحاولة إقناعهم بتمرير قرار تمويل للحرب الأوكرانية.
ولأجل هذه الغاية أيضًا جرى استدعاء الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى البيت الأبيض من قبل الرئيس الامريكي بايدن بعد فشل محاولات سابقة من قبله للسماح له بإلقاء خطاب أمام الكونغرس عن بعد لدفعه للقبول بتخصيص الأموال اللازمة للمساعدات.
يأتي التحرك المستجد والمستعجل لإدارة بايدن في ظل عوامل رئيسية أربعة دفعت بواشنطن إلى التحرك الفوري نحو كييف من جديد بعد مواقف عدة صدرت مؤخرا من واشنطن والغرب وخاصة بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد أوحت جميعها بتراجع الموقف الغربي الداعم لأوكرانيا، وهذه العوامل الأربعة هي:
العامل الأول: التصريحات الصادرة عن الخارجية الروسية منذ يومين والتي أعلنت فيها الناطقة باسمها ماريا زاخاروفا الشروط الروسية للتوصل إلى حل شامل ومستدام وعادل للصراع الدائر حول أوكرانيا، حيث عبرت الشروط الروسية عن موقف روسي شديد حازم بوجه الغرب الجماعي وعلى رأسه واشنطن ، وهذه الشروط هي:
• أن يتوقف الغرب عن تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالأسلحة.
• أن تتوقف كييف عن الأعمال القتالية وأن تسحب قواتها من الأراضي الروسية.
• من الضروري تأكيد وضع أوكرانيا المحايد وغير المنحاز والخالي من الأسلحة النووية.
• تنفيذ عملية نزع الأسلحة والقضاء على النازية في أوكرانيا.
• الاعتراف بالواقع الإقليمي الجديد وضمان حقوق المواطنين الناطقين بالروسية والأقليات القومية التي تعيش في هذا البلد.
العامل الثاني: عملية طوفان الأقصى والمعركة في غزة، والتي تسببت بتحويل معظم التوريدات والمساعدات المالية والعسكرية إلى “اسرائيل”، خاصة في ظل استمرار المعركة واحتمالية توسعها إلى جبهات أخرى، وتكثيف الضربات التي تتلقاها قواعد الإحتلال الأمريكي في كل من العراق وسورية على يد المقاومة العراقية، وكذلك دعوة واشنطن لتشكيل قوة بحرية مشتركة في البحر الأحمر بعد إعلان صنعاء عن إغلاقه بوجه السفن التي تتجه إلى الكيان الصهيوني.
العامل الثالث: التحرّك الروسي المفاجئ وعلى أعلى المستويات نحو الشرق الأوسط والذي تمثل بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كلّ من دولتي الإمارات والسعودية. هذه الزيارة شكلت صدمة في الغرب الجماعي الذي يسعى لعزل روسيا بشكل عام والرئيس بوتين بشكل خاص. وكالة بلومبيرغ اعتبرت جولة بوتين مؤشرا على ثقة الرئيس الروسي في تحدي محاولات عزل روسيا على الرغم من استمرار جهود الولايات المتحدة وأوروبا لإبعاد روسيا عن المسرح الدولي، بينما وصفها مساعد الرئيس الروسي بأنها طلقة مركزة في السياسية الخارجية الروسية.
العامل الرابع: الزيارة المفاجئة والخاطفة للرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي إلى موسكو والتي تلت مباشرة جولة بوتين الشرق أوسطية، وعقده قمة ثنائية مع الرئيس بوتين حيث وصفت بالمهمة للغاية، حيث ركزت مباحثات رئيسي وبوتين التي استمرت لأكثر من 5 ساعات، وتم الجزء الرئيسي منها بشكل مغلق، على تعزيز العلاقات الثنائية وتنسيق المواقف حيال التطورات الإقليمية والدولية، والعزم على تنفيذ مشاريع مشتركة في المجال التجاري والاقتصادي، كما تناول الجانبان تفاقم الصراع في الشرق الأوسط والوضع الإنساني في قطاع غزة، وشدد الرئيس الروسي على أن الأحداث في القطاع لا تمثل مشكلة لدول الشرق الأوسط فحسب.
يمكن القول بأن واشنطن وجدت نفسها بين فكّي كماشة، في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط بفعل التحالف بين موسكو ومحور المقاومة، وهو ما قد ينتهي بخسارة مزدوجة ومدوية لها على الصعيدين السياسي والميداني، أو بالأحرى على الصعيد الإستراتيجي، أو بالحد الأدنى فإنها وجدت نفسها في موقف ستكون معه مضطرة للتراجع وتقديم التنازلات لخصومها في الإقليمين.
لذلك فإن إدارة بايدن اختارت التضليل والإلتفاف على صعيد الجبهة الداخلية الأمريكية في محاولة منها لتهيئة الظروف لإعادة تفعيل الجبهة الأوكرانية لتحقيق شيء من التوازن، واللجوء إلى كافة الوسائل لإقناع بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس بالتصويت لصالح إقرار تمويل اوكرانيا، حيث ترى واشنطن بأن قيام روسيا بهجوم شامل على كامل خطوط الجبهة مع دخول الشتاء سيؤدي إلى حسم المعركة بشكل نهائي، ما يعني تفرغ موسكو للمزيد من التغلغل السياسي والعسكري في الشرق الأوسط ومجابهة النفوذ الأمريكي فيه بدعم ومساعدة طهران ومحور المقاومة.
من غير المرجح أن تتمكن إدارة بايدن من إقناع الجمهوريين بخططها الجديدة، وحتى لو تمكنت من ذلك فإنها ستكون مضطرة لتقديم تنازلات داخلية مؤلمة بالنسبة لها لصالح الجمهوريين، وهو ما سينعكس بشكل أو بآخر على الرأي العام الأمريكي مع وصول شعبية بايدن إلى أدنى مستوى لها منذ وصوله للبيت الأبيض، وتقدم منافسه ترامب عليه في استطلاعات الرأي بفارق واسع نسبيا بلغ 3 إلى 4 نقاط، وخارجياً فإن التمويل الجديد لأوكرانيا إن جرى إقراره فإنه على الأغلب لن يكون قادرا على إحداث خرق في جبهة خصوم الولايات المتحدة خاصة أن خصومها ما زال بجعبتهم كما كبيرا من الأوراق التي لم يتم الزج بها في الصراع، ولديهم خيارات واسعة لتشتيت عوامل القوة الأمريكية.