رسالة إلى أحباء “إسرائيل” وعشاقها!
بقلم د. حسن أحمد حسن
(لا يلام المرء في حب أهله)… وقد حرصت على ذكر مضمون القول المأثور قبل أي كلام آخر كيلا تفهم رسالتي بشكل خاطئ، فمن حق أي شخص أو مجموعة أو تنظيم أو حزب أو دولة أو شعب أن يحب من يشاء، ويتعاطف مع من يريد، لكن من واجبه في الوقت نفسه ألا يخجل من قناعاته وحقيقة انتمائه والهوية الجمعية التي يعتز بحملها بملء إرادته، و لا يستقيم أن يتحدث أي كان عن الفضيلة وكل سلوكياته ترفل في الرذيلة وبما يتناقض وهوية الفضيلة جملة وتفصيلاً، ومن هنا يصبح مفهوماً القول: إنه يحق لكل إسرائيلي ـــ صهيوني أن يعلن تبنيه ودعمه لسياسة الحكومة التي تقود تل أبيب سواء أكانت برئاسة نتنياهو أو غيره، ويحق لكل عشاق الكيان الإسرائيلي والمفتتتنين بالقدرة الهائلة للصهيونية كمنظمة تتغلغل في مفاصل صنع القرار الدولي أن يصطفوا علناً زرافات ووحدانا في الخندق الصهيوني، وعليهم في الوقت نفسه ألا يخجلوا من ذلك طالما أن قرارهم يعبر عن قناعاتهم، لكن التلون والكذب والنفاق والتمثيل وكثرة الأقنعة المستخدمة وفق الحاجة المتبدلة هو ما يجب أن يخجل منه كل إنسان يعتز بإنسانيته، وبالقيم التي كرسها التاريخ البشري للإنسانية عبر تاريخها الطويل.. إن حب المرء لأهله فضيلة تحمل معنى الإيثار بشكل أو بآخر، لكنه الحب الذي لا يعني نصرة الظلم والقهر وتشييئ إنسانية الإنسان الذي كرمه الخالق على كل مخلوقاته، حب المرء لأهله لا يعني القبول بنزعة القتل والفتك والإبادة لأي سبب كان… حب المرء لأهله لا يعني الرقص على الجماجم، وتبادل الأنخاب بأكواب مترعة بأرواح الأجنَّة والرُّضَّع والخُدَّج والأطفال والنساء والعُجَّز ممن لا ذنب لهم إلا أنهم وُلِدوا بالفطرة الكونية فلسطينيين في غزة أو غيرها، ومن حقهم الحياة كبقية مخلوقات الله… حب المرء لأهله يرفض بالمطلق المساس بالمستشفيات ودور العبادة والمدارس التي يلجأ إليها الفارون من موت محتمل بقصف جنوني، فإذا بهم يقتربون أكثر من فوهات المدافع ويدخلون بنك الأهداف التي حُمّلَت إحداثياتها على أحدث ما أنتجته ما كينة التصنيع الحربي من أسلحة تدمير شامل وإبادة جماعية.. حب المرء لأهله لا يعني حشر الملايين في سجن مفتوح والتباهي بقطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء وكل مقومات استمرارية الحياة التي لا يحق لأحد في الكون مصادرتها قط.لست معنياً كإنسان بفرز من يحب “إسرائيل” ويعتنق الصهيونية فهذا شأن شخصي، وشأن الآخر الخاص لا يلغي حقي في التعبير عن القناعة وإبداء الرأي، ويقيني الذاتي أن: (كل إسرائيلي أتى من خارج فلسطين قديماً أو حديثاً واستوطن في كيان الاحتلال هو صهيوني بالضرورة، وليس كل صهيوني إسرائيلي)، وكل من ينظر بعَوَر إلى ما جرى في السابع من تشرين الأول 2023م. ويغمض متعمداً بصره وبصيرته عما عاناه الفلسطينيون منذ ما قبل 1948 إلى اليوم هو صهيوني بطريقة تفكيره، وإن لم يدرك تلك الحقيقة، وإذا كان من حق عشاق القوة المفرطة التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والوحشية التي يرتكب بها جرائم الإبادة اليومية أن يظهروا على الشاشات يتسابقون في إعلان التأييد لتلك الهمجية والوحشية، فعليهم ألا يخجلوا من التباهي بصهيونيتهم التي تسري في عروقهم، ولهم من “جو بايدن” أسوة سيئة للاقتداء بها، فقد أعلن بفخر صهيونيته وإن لم يكن يهودياً، وهذا ما لم ينله” بلينكن” الذي أعلن أنه أتى إلى تل أبيب لإعلان تأييده لحكومة نتنياهو بصفته يهودياً قبل أن يكون وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا الكلام دس للسم في العسل، فالفرق كبير بين أن يكون يهودياً وأن يكون صهيونياً، لأن اليهودية كدين يجب أن تبقى كغيرها من الأديان خارج إطار صندوق النتانة والقذارة التي تحكم كل من يرتدي السراويل الداخلية للصهيونية العنصرية. من يحب عليه أن يكون صادقاً في حبه، والبون شاسع بين إعلان الحب بسبب الخوف أو المصالح الآنية أو السير مع القطيع وانتظار السياف ليهوي بساطوره على الرؤوس بالتالي، وعلى من يخاف على “إسرائيل” ويخشى أن يخدش أحد في الكون غطرسة حكامها أن يكون متيقناً أن حمايتها لا تكون بإرسال الأساطيل والبوارج والمدمرات وحاملا ت الطائرات إلى المنطقة، لأنه من المسلم به أن زيادة التحشيد قد تفضي إلى حرب تخرج عن السيطرة، ولو لم يكن المُحَشّدون والمتحشدون يرغبون بذلك، وعلى من يحب “إسرائيل” ويحرص على حمايتها ألا يصادر إرادة الإنسانية والمجتمع الدولي بحق النقض” الفيتو” الذي يترك مجلس الأمن جثة هامدة لا حياة فها، وعلى محبي “إسرائيل” أن يكونوا على قناعة تامة بأن نزعة القتل والإبادة وسفك الدماء وقهر الطفولة والأمومة لا تؤدي إلا إلى نتائج عكسية، فكيف يمكن لطفل يافع رأى والده وأمه وأخوته يتحولون إلى أشلاء أن يسامح أو يصفح في المستقبل القريب أو البعيد، وهل يمكن لأمٍ حملت ما تبقى من لحمٍ مشويِ لزوجها وأبنائها، وهامت على وجهها من هول الصدمة أن تفكر بإمكانية العيش المشترك مع الوحوش التي نهشت لحم أبنائها أمام عينيها، أم هل يمكن لأب يقف على ما تبقى من أكوام حجر وبيتون من بيته الذي دكته قنابل الديمقراطية الأمريكية المستخدمة بأيدي جنود نتنياهو أن يغير قناعته بالحق في المقاومة كيلا يأتي الغد الذي يرى فيه من بقى على قيد الحياة من أطفاله الجيل القادم من الفلسطينيين يوأد حياً تحت ركام المنازل والمربعات السكنية التي تحولت إلى مقابر جماعية؟… رسالتي إلى محبي “إسرائيل” ومعتنقي الصهيونية جميعاً دونما استثناء ألا ينسوا بأنهم جزء من المقصلة التي ستقطع رؤوس الجميع، ولن يكون أبناؤهم وأحباؤهم بمنأى عن تلك المقصلة، وإذا كان الخوف أو التردد أو الإيمان بصوابية القرار هو السبب في استمرار العشق من طرف واحد، فمن الطبيعي ألا يخجل العاشق من إعلان عشقه، وليكن جريئاً ويعلن أنه “إسرائيلي الهوى صهيوني الهوية” بدلاً من التذبذب والتذرع ومحاولة تغليف خطابه بما يظنه اختراقاً للفكر، فالحقيقة بينة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ومن يبتسم بينه وبين نفسه متفاخراً بذكائه وبراعته في إخفاء الحقيقة، وإظهار بعض التعاطف الشكلي مع آلام الإنسانية وليس آلام الفلسطينيين فقط أن يدرك بأن دعمه أو رضاه أو مجاملته لجرائم حكام تل أبيب، أو حتى صمته وسكوته يعني أنه شريك من حيث يعلم أو لا يعلم بكل ما تم ويتم ارتكابه من فظائع وقتل وإجرام وإرهاب فكري وجسدي ومعنوي وعضوي يعصف بشعوب المطقة وأبنائها، وليس هذا فحسب، بل هو شريك في اية تداعيات وتفاقم للصراع المزمن الذي لا نهاية له إلا بقول الحقيقة أولاً، وكبح جنون آلة القتل والإبادة الصهيونية اليوم قبل الغد.نعم “لا يلام المرء في حب أهله”، وهذا يشمل الجميع بغض النظر عن أية خلفية سياسية، أو أية مقومات ومرجعيات شخصية أو أثنية أو دينية أو طائفية أو غير ذلك، لكن… على أي محب أو عاشق أو مفتتن أو داعم بالقول أو الفعل للسياسات الإسرائيلية ــ الصهيونية المستندة في كل تفاصيلها الدقيقة، وتفرعاتها الجزئية والرئيسية على الاحتلال والقتل واغتصاب حقوق الآخرين بالقوة بدعم مركب ولا محدود في السر والعلن من بعض القوى المهيمنة أو الفاعلة والمؤثرة في صنع القرار الدولي ـــ على أولئك أن ـــ يتقنوا بأنهم يدفعون عشيقتهم “إسرائيل” إلى الانتحار ونحر أكبر عدد ممكن من الآخرين في الوقت نفسه، بل قد تذهب الأمور وتتدحرج نحو الأسوأ الذي يهدد حاضر البشرية جمعاء، وأي كلام آخر يبقى شكلاً من أشكال الترف الفكري والتلاعب بالألفاظ…
دمشق في 5/12/2023م.