القضيّة الفلسطينيّة قضيّة حقّ ، والساكت عن الحقّ شيطان أخرس
بعد حرب تمّوز المشرّفة والتأييد الكبير لحزب الله على مساحة الوطن العربي والعالم الإسلامي أُنفقت المليارات لشيطنة حزب الله وإخراجه من ثوبه المقاوم وإلباسه ثوب الطائفيّة. ما هو السيناريو الذي سيجري تحضيره اليوم للفصائل الفلسطينيّة وهي تخطف القلوب والمشاعر في أشرف معركة يمكن أن يخوضها شعب يعاني أقسى أنواع القهر على يد محتلّ غاصب يحظى بدعم كلّ قوى الشر في العالم. الجميل حتى اليوم أن مواقف بعض الأنظمة العربيّة جاءت متوازنة، وبعضها الآخر كان يكفي صمتها، وربّما كان من الصعب عليها أن تكون منتقدة “لطوفان الأقصى” في وجه طوفان شعوبها المؤيدة لشعب يدفع عنه الظلم والمهانة. الجميل أيضاً صمت شيوخ الفتنة، رغم أن صمتهم يتلاقى مع الخيانة، خاصّة وأنهم لم يتردّدوا في اصدار فتاويهم الشيطانية ضد “الدولة السوريّة”، فلماذا نراهم اليوم يصمتون في معركة شعب ضد مُحتلّ قذر. غزّة تكتب اليوم دروس الكرامة لكلّ عربي أحبطته معايير الغرب، وأذلّته حكوماته وهي تجعله يتقبّل قسراً صورة الفلسطيني وهو يُقتل على يدّ مُحتلّه، أو وهو يشاهد تدمير بيته بجرافات العدو أو وهو يُجبر على الركوع أمام محتلّة، أو وهو يستقبل السائح الإسرائيلي ويقدّم له الخدمات، أو وهو يعيش التطبيع الذي لا يمكن أن يكون تطبيعاً حقيقياً طالما أنّ هناك احتلال وسياسات فصل عنصري … آلاف المشاهد التي جعلتنا محبطين إلى درجة الذل. في وسط هذا الإحباط يستنهض الفلسطيني كرامتنا وعزتنا ويأسرنا إلى شاشات التلفاز ومواقع الآخبار لنتابع اخبار انتصاراته بابتسامات لم نعرفها منذ حرب تموز، وإن كانت اليوم بنكهة مختلفة لأنّها تؤسس لمرحلة جديدة، ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل لآمالنا ومبادئنا وقيمنا التي صرفت المليارات لوأدها في نفوسنا. ماذا فعلتم بحقّ الله أيّها الفلسطينيون!! ماذا فعلتم بنا ونحن نشاهد أرواحكم ترخص فداءً لأرضكم !! ماذا فعلتم بنا ونحن نشاهدكم تسطّرون البطولة في أبهى وأجلى صورها !! ماذا فعلتم ونحن نشاهد حصاركم وبؤسكم وفقركم وألمكم يقفز في وحه محتليكم عنفواناً ونصراً!! إنكم ببساطة قد أعدتمونا إلى خارطة الأمل بأن الشعوب الحرّة هي التي تكتب التاريخ، وألغيتم كلّ الحدود الفاصلة بين الشعوب الحرّة. قد لا يُسعد البعض أنّ الفصائل الفلسطينيّة جزءٌ أساسيٌّ من محور المقاومة، بل قد يُزعجه أنّه إيرانيّ وسوريّ السلاح والتدريب والتمويل والدعم كما يصرّح قادتها. على هؤلاء أن يخرجوا من سجن حساباتهم الضيّقة وأن يستثمروا في نقاط القوّة التي يملكها محور المقاومة، وأن يفتحوا المجال لاستكمال عناصر القوة بيدهم، فإسرائيل كيان احتلال لن يستثني أحداً، فلن تكونوا أبداً خارج نطاق مطامحه وسياساته التوسّعية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وإعلاميّاً.اليوم تُخرج المقاومة في فلسطين محور المقاومة من اللباس الطائفيّ الذي عملت كبرى الدول على فرضه عليه بعد حرب تموز لتعيد إليه لباس حرب تموز المقاوم، ونراها اليوم تقفز فوق كلّ الطوائف والأديان والإيديولوجيات والأحزب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فوقفت جميعها لتصفق له وتتباهى بمعركته وتشكره على انعاشه لمقدراتنا المكبوتة. ما يحصل في فلسطين اليوم هو صوت حقّ بكلّ الأعراف والقوانين والمعتقدات والثقافات. إنها انتفاضة شعب ضدّ محتلّه وقاتِله وظالِمِهِ ومهجّرة ومحاصره، ويصعب كثيراً حصر صفات هذا المحتلّ الذي يمارس كلّ ذلك بدعم أمريكيّ وغربيّ في السلاح والمال والإعلام والمنظّمة الدوليّة وكافة هيئاتها ووكالاتها وفروعها، وحتى في الضغط على الأنظمة العربيّة لإجبارها على التطبيع مع هذا العدو رغماً عن إرادتها وإرادة شعوبها. القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة حقّ، والساكت عن الحقّ شيطان أخرس، فلا تكونوا شياطين الباطل، والكيان الصهيوني ورم خبيث في جسد هذه الأمّة، والورم ليس له علاج إلّا الاسئصال لكي لا ينتشر إلى كامل الجسد بأدواته المختلفة، فيقضي عليه.
د. أيمن علوش
دكتور في السياسة الدوليّة
دبلوماسي سوري متقاعد