مقالات

ليلة سقوط دمشق .. النسر الاميركي وطائر الفينيق .. وأحلام العناكب

نارام سرجون

بدأت كل العيون تحدق في سورية هذه الايام .. وعيون المعارضين تنتظر بلهفة وترقب لحظة انهيار الدولة وانهيار النظام .. وهناك حالة من الترقب غير مسبوقة وشعور عام لدى المعارضين ان اللحظة التي انتظروها طويلا بشوق وصلت أخيرا .. وانهم سيكبرون تكبيرات النصر ويسجدون شكرا لله .. الذي نصر جنده وهزم الاحزاب وحده ..

في كل سؤال يسأله المعارضون عن سورية هناك تحت السؤال أمنية ان يكون الجواب يحمل معه رائحة اليأس من الصمود .. ورائحة الغضب .. وهناك حالة استرخاء في اوساط المعارضين مع شعور طاغ ان نهاية النظام آتية لاريب فيها وبشكل قريب جدا .. وهناك قدر من السعادة والبهجة عندما لايتوقف اعلام المعارضة عن ضخ الفزع ونقل خيبات أمل الناس الموالين وعذاباتهم وآلام من بقي تحت رعاية الدولة السورية .. وكأن المعارضة صار قلبها على المواطن السوري رغم انها هي التي تسببت بهذا الوضع .. وهي التي كانت تحتفل بكل انهيار لليرة منذ عام 2012 وتبشر السوريين بنفاذ مخزونهم من القطع الاجنبي .. وكانت نظرية الجاسوس الاسرائيلي عزمي بشارة الشهيرة عام 2012 هي ان النظام قد وصل الى نهاية مخزونه من القطع الاجنبي وسينهار اقتصاديا خلال شهرين .. وكانت صفحات المعارضة تنقل نبوءة نبيّهم عزمي بشارة وكأنه أوحي اليه وتوزع الحلوى معها .. وتراقب هبوط سعر الليرة في كل ساعة .. وصارت بعض المواقع مثل مكتب للبورصة تنقل بالساعة اخبار موت ليرة النظام السوري عام 2012 .. وكان منظرو الثوار يرون ان انهيار الاقتصاد هو أمر ضروري لتحطيم النظام لدرحة ان صادق جلال العظم كانت له نظرية عجيبة في منتهى الغرابة ولكنها في منتهى الوقاحة والنذالة لم يجرؤ ان يطلقها جنرال اسرائيلي حيث ان صادق بارك الثورة التي تدمر الاقتصاد ووسائل الانتاج وتفقر الشعب .. بل وحثها على ذلك .. لأن ذلك سيفضي الى انتصار الثورة .. لذلك برأيه فان هذا الوضع هو وضع مثالي رغبت به كل القوى المعارضة ..
أخيرا وصلت النهاية السعيدة لهذا النظام الذي عجزوا عن زحزحته رغم مئات آلاف أطنان المتفجرات ومئات ملايين الرصاصات ومئات آلاف المتطوعين من انحاء العالم .. ورغم حشد الناتو لكل امكاناته اللوجتسية والتقنية .. وتجنيد كل اعلام العالم لزحزحة النظام السوري كما يسمونه الا ان هذا النظام لم يتزحزح ولم ينتقل مليمترا واحدا عن مكانه .. لكنه اليوم يترنح .كما يظنون. .

فهل توقعات المعارضة حقيقية ؟؟ وهل آمالها تقترب من التحقق؟؟

المؤشرات الظاهرة تقول ان المعارضة ربما محقة في توقعاتها .. وان كل آمالها تقترب من التحقق بفعل مايصفه المعارضون في أدبياتهم – ذوبان الليرة السورية وتفكك ماكينات الاقتصاد .. وانهيار التكتل الاجتماعي حول قضية الحرب والصراع مع الغرب … وتراجع فكرة الاستقلال لصالح فكرة الاكتفاء المعيشي والاقتصادي .. وبروز فكرة التفاوت الطبقي التي صارت النقيض الاساسي في المجتمع تفوقت على فكرة التناقض مع الاخر الخارجي المتمثل بمشروع المعارضة وفقدان الاستقلال الوطني ..
وهذه مرحلة أخرى من الثقة الزائفة التي تصيب المعارضة والمعارضين وتصيب المعسكر الغربي .. وهي احلام عزمي بشارة القديمة التي عاودت الظهور .. فعندما كان اليقين من انهيار الدولة خلال اسابيع وأيام أحيانا .. حدثت المعجزة .. وسقطت المعارضة وسقطت كل اوروبة على اسوار حلب ودمشق ..
اليوم استطيع ان أقول بكل ثقة .. وارجو ان يسمع المعارضون ماسأقول .. وماسأقول ليس نبوءة تشبه نبوءة نبي المعارضة الجاسوس عزمي بشارة .. بل هي قراءة من كتاب الغد الذي كتبناه كما كتبنا كتاب الأمس ..

في الوقت الذي تتابع فيه عيون المعارضين الغبية عقارب ليلة (سقوط دمشق) – كما تسميها أبواق المعارضة هذه الأيام على غرار ليلة سقوط غرناطة .. وهي تقترب من اعلان منتصف الليل حيث سيسقط النظام وتنتهي القصة الثورية نهاية سعيدة .. هنالك ساعة أخرى ينظر اليها الأميريكيون ويترقبونها ليست هي الساعة الثورجية بالتأكيد .. فعيون الاميريكيين ليست على ساعة المعارضة التي هي ساعة ودمية للأطفال والمراهقين .. بل عيونهم على ساعة أخرى هي التي كانت تدق قبل كل هزة عنيفة في الشرق ..
هذه الساعة تقترب عقاربها من لحظة يخشاها الاميريكيون .. وهم بين عشية وضحاها يحاولون تأخير دقة الساعة .. فتقديم السعودية من ايران وتقريبها من سورية او التودد لها برسائل غامضة وخفية يحملها الخلايجة .. كان لشراء الوقت ولضبط الساعة التي تصيبهم بالقلق الشديد ..

مالفت الانظار انه فجأة وفي لحظة حرجة قررت اميريكا اجراء صفقة تبادل مع ايران افرجت فيها عن اموال ضخمة مقابل بعض الاسرى .. والغريب ان توقيت الصفقة ليس له مبرر .. فليس هناك مايجعل البيت الابيض مستعجلا لأنه لايوجد ضغط شعبي ولا اعلامي ولا قضية رأي عام كما يزعمون احيانا وليست هناك انتخابات مصيرية .. ولكن الاميريكيين قدموا ثمنا باهظا لايران يساوي صفقة لوكربي التي قدمها الراحل القذافي ثلاث مرات .. والكلام يتحدث عن صفقة بمثابة رشوة لايران لمنع اطلاق اعمال قتالية ضد الاميريكيين في سورية والعراق .. ولكن يبدو ان الجزء الثاني من الصفقة ستكون تتمته في سورية ..
فهناك مؤشرات ليست بالقليلة على ان مثل هذه الصفقة تتم مناقشتها عبر وسطاء مع السوريين حيث ان هناك اسيرا اميريكا او أسرى .. ولايعرف ماهو العرض الاميريكي للافراج عنهم .. رغم ان البعض يتحدث عن احتمال تسليم بعض ابار النفط في الشرق للحكومة السورية مقابل الاسرى (او الاسير) الاميريكي .. وهي تأتي في سياق سياسة العصا والجزرة حيث اطلقت داعش في عمليات دموية ضد الجيش السوري (العصا) والان تتقدم اليد الاميركية بالجزرة .. لأن التقديرات الاميريكية ان الاصابع السورية والايرانية في الشرق صارت على الزناد .. ويجب تهدئتها بأي صفقة او رشوة او حقل نفط (من الشرق السوري) ..

التقديرات الاميريكية تقول ان السوريين لم يراهنوا كثيرا على عودة تركيا عن عدائها لسورية ولاينتظرون ان يفي اردوغان بأي وعد .. فالرجل من أكذب ماعرفه المؤرخون .. ولكن السوريين يرون ان الوضع الاقتصادي الضاغط لن تحله بسرعة عودة ادلب ومهجريها بل عودة حقول الطاقة السورية التي ستعيد عملية الانتاج والتي ستزيد الثقة بالمستقبل وتدعم الليرة بسرعة .. ولذلك فان منطق الربح والخسارة سيوصل الى نتيجة كثيفة هي ان قلقلة الاحتلال الاميركي شرقا هي التي ستقلقل الاحتلال التركي في الشمال .. وليس العكس .. وستجعل اقتلاع التركي اسهل بكثير عندما يجد ان اميريكا اضكرت للتراجع .. اما رهانه على ان له موالين في الاوساط السورية فانه صار رهانا مثقوبا لأن التوتر الشديد والعنصرية التركية التي اكتشفها السوريون في تركيا ستجعل من عملية التتريك مقتصرة فقط على زمرة الاخوانيين ولكن التيار العام للاجئين صار مزاجه اكثر سورية .. وهذا اذا مااقترن بزحزحة الاميركييين شرقا سيجعل البيت التركي في الشمال السوري مثل بيت العنكبوت ..

مما سبق .. يمكن أن نطمئن المعارضين قبل الموالين الى ان ليلة سقوط دمشق .. ليست واردة على ساعة الزمن .. وليست في خاطر اي تاريخ .. وربما عليهم ان يتعلموا ان يضيفوا لخيباتهم خيبة كبيرة جدا هذه المرة لأن هناك من نفخ في الحلم ولم يقل لهم ان الاسطورة أقوى من الحلم لأن الاسطورة ولدت من حقيقة .. والاسطورة السورية القديمة تحكي عن طائر الفينيق الذي يخرج حيا من تحت الرماد .. وهي القصة التي تأثرت بها القصص القديمة .. وصار النبي ابراهيم نفسه يتمثل طائر الفينيق .. هل نسيتم كيف انه خرج حيا من تحت الرماد وكانت النار بردا وسلاما عليه ..في صدى لحكاية أكثر قدما هي حكاية طائر الفينيق .. فهل نار الدولار ستحرق طائر الفينيق؟؟ ..
احيانا لاأعرف من هو الاغبى .. الاميريكون ام المعارضون السوريون .. لكن أحس ان الاميريكيين هم أغبى من المعارضين السوريين .. عندما يظنون انهم هذه المرة سيحرقون طائر الفينيق .. ويغيرون الاسطورة ويكتبون نهايتها .. هل هناك اغبى من هذه الثقافة المغرورة .. التي تظن انها قاجرة على تغيير جينات الاساطير أيضا ؟؟!!
وان غدا لناظره قريب ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى