كيف بدأت قصة السلاح في المخيمات الفلسطينية في لبنان؟
عل اء عبد الرحمن
أعادت الاشتباكات العنيفة التي وقعت في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، تسليط الضوء على حالة السلاح في المخيمات، وكيفية ظهوره، وامتلاك الفصائل الفلسطينية له داخل المخيمات، رغم القبضة الأمنية القوية للسلطات اللبنانية، بداية إنشاء المخيمات.
ويضم لبنان 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، ويبلغ عدد اللاجئين 174.422 لاجئاً في لبنان، ويعانون من إقصاء مجتمعي وحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، وتملك العقارات، فضلاً عن منعهم من مزاولة أكثر من 30 مهنة، بحسب إحصاءات للجامعة الأميركية في بيروت عام 2015.
لكن كيف بدأت حكاية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ وكيف يشكل السلاح فيها معضلة؟
تشكلت المخيمات الفلسطينية في لبنان، من اللاجئين الذين جرى تهجيرهم من القسم الشمالي من فلسطين، وتحديداً قرى الجليل، ومدن الساحل مثل يافا وحيفا وعكا، وكان أغلبهم من سكان الريف والفقراء ومن فقدوا ممتلكاتهم في هجمات العصابات الصهيونية عام 1948.
ويقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى لبنان، بنحو 110 آلاف، وجرى توزيعهم على المخيمات ونقاط الإيواء في ذلك الوقت، والتي بلغت العشرات، لكن لاحقاً، لم تعترف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأنروا” سوى بـ 12 مخيماً، وهي: عين الحلوة، المية ومية، شاتيلا، برج البراجنة، نهر البارد، البداوي، البص، الرشيدية، برج الشمالي، ويفل، ضبية، مار إلياس.
وبحسب “مركز الزيتونة لأبحاث القضية الفلسطينية”، يتمركز اللاجئون بنسبة 36 بالمئة في منطقة صيدا، و25 بالمئة في منطقة الشمال، و15 بالمئة في منطقة صور، و13 بالمئة في بيروت، ويشكل الأفراد ما دون 15 عاماً نسبة 29 بالمئة، في حين بلغت نسبة من تبلغ سنهم 65 عاماً فأكثر 6.4 بالمئة، وبلغ متوسط حجم الأسرة الفلسطينية في لبنان 4 أفراد، وبلغت نسبة الأسر التي ترأسها نساء 17.5 بالمئة.
ورغم حالة التعاطف مع اللاجئين المهجرين من بلدهم، في بدايات احتلال فلسطين، إلا أنه ومع مرور الوقت، باتت طريقة المعاملة من الدولة اللبنانية تتغير مع اللاجئين، وحدوث اضطرابات داخلية في لبنان عام 1958، حين أصدر الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب، قرارا باستخدام مكتب الاستخبارات العسكرية، أو ما كان يطلق عليه “المكتب الثاني”، من أجل السيطرة على المخيمات بالقوة.
واتسمت هذه الفترة باتخاذ تدابير قمعية بحق الفلسطينيين، وفرض قيود على كافة مناحي الحياة في المخيمات، وتقييد الخروج للعائلات من أجل حتى إجراء زيارات لأقاربهم في مخيمات أخرى، فضلاً عن حظر الراديو والصحف وترميم المنازل المتهالكة في المخيم، والتي كانت تتطلب إصدار تصاريح خاصة لم تكن ميسرة بالمطلق.
ووصل الأمر بـ”المكتب الثاني” (مخابرات الجيش اللبناني) أن فرض قيوداً حتى على التخلص من مياه الغسيل، ومنع الحصول على حمامات خاصة، والاكتفاء بالسماح باستخدام الحمامات العامة في المخيم. وبسبب الوضع المزري، والاعتقالات والممارسات المهينة لسكان المخيمات، ثارت احتجاجات واسعة عام 1969، وهاجم اللاجئون مقرات “المكتب الثاني”، وعمدوا إلى طردها من المخيمات، وإدارة الأوضاع داخلها من قبل الفلسطينيين، تجنباً لـ”إذلال” الجهات الرسمية في لبنان.
“اتفاق القاهرة”.. شرعنة السلاح
تسبب الانتصار الذي تحقق في “معركة الكرامة”، والذي شارك فيه فدائيون فلسطينيون كانوا يملكون قواعد عسكرية في الأردن، بتوسع العمل القتالي، والمشاركة في الاستعداد العسكري في الدول العربية الأخرى، وخاصة لبنان. وخلال محاولة فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” المسلحة آنذاك إقامة قواعد عسكرية في لبنان، واجهت مقاومة من قبل الدولة اللبنانية.
وبعد اشتباكات واسعة تضمنت السيطرة على مخافر أمنية ومواقع للأمن اللبناني، توسطت مصر بين الدولة اللبنانية و”منظمة التحرير الفلسطينية”، عبر مفاوضات أطلقت عليها “مفاوضات القاهرة”، كان طرفاها رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات، وقائد الجيش اللبناني العماد إميل البستاني، والتي مهدت لدخول السلاح إلى المخيمات بشكل رسمي.
وبموجب “اتفاق القاهرة”، سُمح للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، والعمل السياسي داخل المخيمات، واستبعاد “المكتب الثاني” من المخيمات. ومن ضمن البنود كذلك، تشكيل لجان للفلسطينيين ونقاط للكفاح المسلح داخل المخيمات، وتأمين الطرق للمشاركين في الثورة الفلسطينية، وهو ما أعطى شرعية للعمل الفلسطيني المقاوم في لبنان، وامتلاك السلاح في المخيمات.
لكن الاتفاق تعرض لانتقادات لبنانية عديدة، واعتبر تهديداً لسيادة الدولة، والسماح بتشكيلات مسلحة من خارجها. وفي حزيران/يونيو عام 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع “منظمة التحرير”، وسبق أن صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.