ترامب ونتنياهو ومهلة الشهرين: خيارات التصعيد و التفاوض
بقلم : حيان نيوف
18/11/2024
بعد أكثر من عام على الصراع المستمر في الشرق الأوسط منذ 7/أكتوبر/ 2023 ما تزل حالة الشك وعدم اليقين هي السائدة عند النظر لإمكانية التوصل لوقف إطلاق النار، على اعتبار أن الأمر متوقف بالدرجة الأولى على قبول حكومة العدو “الإسرائيلي” بوقف اعتداءاتها الوحشية على كلٍ من قطاع غزة و لبنان، والذي لا تبدو أنها على استعداد له حتى الآن في ظل سيطرة اليمين المتطرف الذي تحركه خلفيات توراتية وتلمودية قائمة على القتل و التوسع والضمّ.
لقد بات معلوماً أن المؤثرات الرئيسية في القرار “الإسرائيلي” تقوم على ثلاثة عوامل فاعلة؛ أولها وأهمها نتائج الميدان والضغط الذي يشكله على أمن الكيان ومخاطره العسكرية على وجوده، والثاني مرتبط بالقرار الأمريكي الداعم بالمطلق للكيان “الإسرائيلي” في حقيقته ومدى حاجة واشنطن الحقيقية لوقف المعركة في إطار مصالحها في المنطقة و ارتباط ذلك بالصراع العالمي، والثالث يرتبط بالجبهة الداخلية “الإسرائيلية” ومدى قدرة نتنياهو وحكومته على التحكم بها وتحشيدها في ظل تأثرها بالنتائج الكارثية لعمليات جبهة المقاومة في غزة ولبنان وبقية جبهات الإسناد، ومدى قدرتها على التحمل على كل الأصعدة ، وتبدو العوامل الثلاثة المؤثرة في القرار “الإسرائيلي” مترابطة في ما بينها إلى حدٍ بعيد .
اليوم، ومع إنجاز الاستحقاق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمكّن الرئيس الامريكي السابق الجمهوري دونالد ترامب من حسم التنافس الرئاسي لصالحه بشكل كاسح انسحب على مجلسي الشيوخ والنواب ليصبح رئيساً بصلاحيات مطلقة في حالة نادرة تشهدها الولايات المتحدة، يقف العالم في حالة من الترقب للقرارات التي ستتخذها إدارة ترامب المقبلة على الصعيد العالمي وخاصة ما يتعلق بالصراعات القائمة حالياً في أوكرانيا والشرق الأوسط والتي وعد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهائها فور دخوله للبيت الأبيض، مع العلم أن كلاً من الصراعين قد بلغ ذروة التعقيد والتداخل مع المحيط الخاص به وعلى الصعيد الدولي ، كما أنه لا يمكن نفي الترابط في ما بينهما على اعتبار أن كليهما قائمان على صراع بين الولايات المتحدة وخصوم لها لها بواسطة وكلائها الإقليميين .
وإذا كانت الجبهة الأوكرانية أقرب للتفاؤل لجهة التهدئة في ظل جموح ترامب لوقفها والوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية لإيقاف الحرب هناك خلال يوم واحد بعد استلامه لمهامه، فإن الصراع القائم في الشرق الأوسط يبقى الأكثر تعقيداً على الرغم من وعود ترامب بإنهائه، والتي استثمر بها خلال حملته الانتخابية مستغلاً فشل إدارة بايدن بذلك، لاستمالة الناخبين من أصول عربية وإسلامية، وخاصة في الولايات المتأرجحة وتحديداً في ميتشغان التي تمكن من انتزاعها من الديمقراطيين بفضل أصوات الجاليتين العربية و المسلمة.
إن محاولة استقراء سياسة ترامب تجاه الصراع في “الشرق الأوسط” تتطلب تتبع مواقفه خلال رئاسته السابقة 2016-2020 ، وكذلك تصريحاته خلال حملته الانتخابية الأخيرة ، فخلال رئاسته السابقة قام ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وطبق عليها عقوبات اقتصادية و تجارية صارمة، ونفذ جريمة اغتيال القائد قاسم سليماني، وفرض “السلام الإبراهيمي” بين دول عربية عدة و”إسرائيل”، وقدم للكيان الصهيوني دعماً مفتوحاً على الصعيد العسكري مكافأة له على ذلك، وتبنى صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، واعترف بضم الجولان السوري المحتل، وبالانتقال لمواقفه الجديدة خلال الحملة الانتخابية، فيمكن القول إن ترامب كان أكثر “براغماتية” و حذراً في مواقفه في ظل وعوده بإنهاء الصراع الحالي، حيث خاطب ترامب “إسرائيل” قائلاً : “على إسرائيل الحذر، لأنها تخسر الكثير من العالم، وتخسر الكثير من الدعم. يجب على إسرائيل أن تفعل ما يجب عليها فعله، ولكن علينا أن نصل إلى السلام، لأن العالم يتحوّل، وهذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة إلى إسرائيل”. وقال ترامب “يزعجني أن الناس لم يعودوا يتحدثون عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إنهم يتحدثون عن مدى عدوانية إسرائيل”. كما خاطب نتنياهو على وجه التحديد قائلاً له: “عليك أن تنهي حربك. عليك أن تنجزها. علينا أن نصل إلى السلام”.
ويبدو من مواقف ترامب أنه يرغب بإنهاء الصراع الحالي لأنه يجد في ذلك خدمة لمصالح “إسرائيل” إلى جانب مصالح الولايات المتحدة، وأن ذلك سيمنحه هامشاً واسعاً للتحرك في هذا المجال وهو ما يوحي به قوله، إن العالم يتحول، وهو يقصد بذلك أن الأولويات تقتضي مراعاة المعادلات الجديدة اليوم على الصعيد العالمي الذي يشهد تحشيداً بين خصوم الولايات المتحدة ومحاولات لاختراق مناطق نفوذها السابقة، وبالتحديد هو يقصد أن الصراع الحالي يزيد من التقارب الروسي الإيراني الصيني، ويشكل فرصة لهم لمد الجسور نحو الشرق الأوسط، وأن الأمر يقتضي وقف الصراعات من أجل التفرغ لاستكمال بناء “السلام الإبراهيمي” وعزل إيران مجدداً عبر العقوبات المشددة، وهو ما أكده وأشار إليه مستشار ترامب “مايك إيفانز” الذي قال، بأن أمام “إسرائيل” ثمانية أسابيع لتنهي الحرب في الشمال والجنوب من أجل التركيز على إيران، كما كان لافتاً في الوقت ذاته أن ترامب وعد اليمين “الإسرائيلي” بمكافأته لاحقاً بقوله: “تبدو إسرائيل قطعة صغيرة على الخريطة” وتساءل إن كان هناك “إمكانية لزيادتها”، وهو بذلك يغمز من جهة ما طرحه في ولايته السابقة حول صفقة القرن وضم مستوطنات الضفة، ولعل حكومة “اليمين الإسرائيلية” التقطت إشاراته ووعوده وهو ما دلت عليه تصريحات “سموتريتش” حول الضفة، وكذلك استهداف قيادات حركة الجهاد الإسلامي مؤخراً في سورية، على اعتبار أنها حركة المقاومة الأكثر فاعلية في الضفة الغربية ومخيماتها.
وفي ظل التقاط حكومة نتنياهو لمؤشرات ترامب وقيامها بتكثيف الاعتداءات والقصف والتدمير على جبهتي لبنان و غزة وتوسيع الاعتداءات على سورية لاستغلال فترة الشهرين قبل دخول ترامب للبيت الأبيض تبدو جبهة المقاومة أكثر ثباتاً في الميدان وأكثر قدرة على إفشال إيلام الكيان الصهيوني وتفويت الفرصة عليه لتحقيق أهدافه خلال هذه المدة، وهو ما أظهرته تحديدًا المقاومة الإسلامية في لبنان-حزب الله الذي يتدرج في إيلامه للعدو من خلال سحق جنوده وقواته برياً على الحدود، ومن خلال الزج بالصواريخ البالستية النوعية وكذلك سلاح المسيرات الانقضاضية النوعي، وكان آخر عملياتها النوعية و المؤلمة بالأمس التي استهدفت حيفا والكرمل والقواعد العسكرية الجوية و البحرية و اللوجستية الخمس فيها، في ظل عجز كامل لمنظومات الدفاع الجوي “الإسرائيلية” بما فيها منظومة “ثاد” الأمريكية، بالتوازي مع عمليات الباليستي والمسير اليمني الذي استهدف حاملة الطائرات الأميركية لينكولن والمدمرات المرافقة لها إلى جانب استهدافه وسط الكيان وجنوبه.
ووفقاً لهذا المشهد الميداني والسياسي يأتي التحرك السياسي بالتوازي لتقطيع مدة الشهرين، وتحضيراً لمنع العدو من تحقيق مكاسب في السياسة عجز عنها في الميدان، ومن أجل الحفاظ على نتائج ومعادلات الصراع الجديدة وتفويت الفرصة على واشنطن و “تل أبيب”، وفي هذا الإطار كانت زيارة مستشار قائد الثورة الإيرانية الدكتور علي لاريجاني إلى دمشق وبيروت، ناقلاً رسائل خاصة من قائد الثورة ورئيس الجمهورية الإسلامية، وكذلك تصريحاته الواضحة حول الدعم المطلق في الميدان إلى جانب الدعم السياسي لخيارات الحل التفاوضي، فيما استقبلت طهران مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافييل غروسي” في طهران وأكدت على النهج السلمي لبرنامجها النووي واستعدادها للتعاون والتفاوض بهذا الخصوص، وأعقبت ذلك بتلويحات صارمة ومبطنة من وزير الخارجية عباس عراقجي، في حال اتحاذ مجلس المحافظين في الوكالة قرارا ظالماً ضدها، فيما كان وزير دفاعها يحط في دمشق بعد يومين من زيارة لاريجاني. وفي لبنان فقد عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن موقف الحكومة وموقف المقاومة بالالتزام الكامل بالقرار 1701 دون زيادة حرف واحد عليه أو إنقاصه، رافضاً بشكل قطعي كل المحاولات لتعديله، سواء ما تضمن منها نشر قوات غربية أو إعطاء إسرائيل حرية التحرك العسكري في الداخل اللبناني، بالتوازي مع الموقف السوري الرافض لمراقبة الحدود وقطع الإمداد عن المقاومة، ويضاف لذلك التصلب في الموقف من قبل المقاومة الفلسطينية، وكذلك الموقف اليمني الثابت والداعم لغزة.
في الختام؛ يمكن القول إن وقف إطلاق النار في المنطقة يشكل حاجة مرحلية وضرورية لإدارة ترامب القادمة، وخاصة مع توليها لمهامها، وإن إستراتيجية جبهة المقاومة التي تدرك ذلك تقوم على قطع الطريق عسكرياً وسياسياً على ترامب ونتنياهو، لاستثمار المهلة المتبقية حتى 20 يناير 2025 موعد تسلم ترامب لمهامه، كما أنه لا بد من القول إن إدارة بايدن لم تدخر شيئاً لم تقدمه لـ”إسرائيل”، ولم تترك دعماً نوعياً يستطيع ترامب أن يميز به إدارته القادمة، فيما لا يزال في جعبة جبهة المقاومة أوراق كثيرة ومفاجآت جيوسياسية قادرة على خلط الأوراق مجدداً وتعقيدها في وجه إدارة ترامب القادمة على امتداد المنطقة وجبهاتها المشتعلة و الساكنة.