مقالات

هناك من يدعى ان الاغلاق المصري لمعبر رفح هو موقف مستقل ينطلق من اعتبارات الأمن القومى والمصالح المصرية والسيادة الوطنية.

وهو أمر عار من الصحة، فمشاركة الادارة المصرية فى الحصار المفروض على غزة منذ عدة سنوات، مرجعه اتفاقية مصرية اسرائيلية تم توقيعها فى اول سبتمبر 2005، بعد الانسحاب الإسرائيلي منها، والمعروفة باسم “اتفاقية فيلادلفيا”، وبموجبها انتقلت مسئولية تأمين الحدود مع غزة، وفقا للمعايير والاشتراطات الاسرائيلية، الى الحكومة المصرية، لتكبلنا بالتزامات جديدة تجاه أمن (اسرائيل) تضاف الى حزمة الالتزامات المماثلة والقيود القاسية التي فرضت علينا في اتفاقيات كامب ديفيد(2). كما تخضع هذه الاتفاقية لبنود “اتفاقية المعابر الاسرائيلية الفلسطينية”، وهو ما يعنى ان فتح معبر رفح مرهون بإرادة (اسرائيل) وموافقتها.وخلاصة هذا الاتفاقية المجهولة للكثيرين ما يلي:· 

     انه بروتوكول عسكري بالأساس.· 

      وهو ينص على ان تتولى قوة (اضافية) من حرس الحدود المصري القيام بمهام امنية محددة فى المنطقة على الحدود المصرية الغزاوية المعروفة باسم ممر فيلادلفي.·  

     وذلك لان اتفاقية السلام الموقعة عام 1979 منعت وجود اى قوات مسلحة مصرية فى المنطقة المتاخمة للحدود وعرضها حوالي 33 كم، والتى أطلقوا عليها المنطقة (ج).

وسمحت فقط بوجود قوات من الشرطة المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة.·  

     وتتحدد مهمة هذه القوة الاضافية فى منع العمليات الارهابية ومنع التهريب عامة والسلاح والذخيرة على وجه الخصوص وكذلك منع تسلل الافراد والقبض على المشبوهين واكتشاف الانفاق وكل ما من شانه تامين الحدود على الوجه الذي كانت تقوم به (اسرائيل) قبل انسحابها.·

       وتتألف القوة من عدد اربعة سرايا، تعداد افرادها 750 فردا، ينتشرون على امتداد 14 كم هي طول الحدود المصرية مع قطاع غزة.  وقد طالبت مصر بان يكون عدد هذه القوات 2500، ولكن رفضت (اسرائيل)، واصرت على العدد المذكور.وكالمعتاد قامت اسرائيل بتقييد تسليح هذه القوة (المصرية) الاضافية، وتم ذلك على الوجه التالى:

       504 بندقية

      9 بنادق قناصة

      94 مسدس

      67 رشاش

      27 ار بى جى

     31 مدرعة شرطة

       44 سيارة جيب

       ولها الحق فى اربعة سفن لمراقبة الحدود البحرية.

       وعدد 8 مروحيات غير مسلحة للاستكشاف الجوى.

       وعدد ثلاثة رادارات برية وواحد بحرى.

       ويحظر على القوة المصرية اقامة اى تحصينات او مواقع حصينة. وتخضع القوة المصرية لمراقبة القوات متعددة الجنسية الموجود فى سيناء منذ اتفاقيات كامب ديفيد والتى تمارس مهامها تحت قيادة مدنية امريكية بنص الاتفاقية. فيتم مراقبة التزامها بعدد القوات والتسليح والمعدات، وبمدى قيامها بالمهام الموكلة اليها والمكلفة بها فى حماية الحدود على الوجه الذى تريده (اسرائيل)، وليس اى مهمات أخرى.  ويعقد الجانب المصرى سلسلة من اللقاءات الدورية مع الجانب “الاسرائيلى” لتبادل المعلومات واجراء تقييم سنوى للاتفاق من حيث مدى نجاح الطرف المصرى فى مكافحة الارهاب. ولا يجوز تعديل هذا الاتفاق الا بموافقة الطرفين، فلكل طرف حق الفيتو على اى اجراء يتخذه الطرف الاخر. وقد تم ادخال تعديلات على اتفاق فيلادلفى فى 16 يوليو 2007 بعد احداث انفصال حماس بغزة الذى تم فى يونيو 2007، والذى اضيفت بموجبه بنودا جديدة لاحكام الحصار على غزة. ولقد تمت فى السنوات الأخيرة تفاهمات اضافية لم تعلن تفاصيلها، تم بموجبها السماح لمصر بمزيد من السلاح والقوات، لحماية الأمن المصرى الاسرائيلى المشترك!

 وكانت الحكومة “الاسرائيلية” قد صرحت اثناء مناقشة اتفاق فيلادلفى فى الكنيست ان المهمة المحددة والوحيدة للقوة المصرية هى تأمين الحدود على الوجه المنصوص عليه.  ولقد اصرت (اسرائيل)على توصيف هذا الاتفاق بانه “ملحق امنى” لمعاهدة السلام 1979، وانه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها، وذلك لما تضمنته المعاهدة الاصلية من اجراءات عقابية على مصر فيما لو أخلت بالتزاماتها.

هذه هى الحقيقة وراء إغلاق معبر رفح، وعدم فتحه الا بموافقة اسرائيلية، وكما هو واضح فإن المسألة ليس فيها أمن قومى مصرى ولا استقلال وطنى ولا قرار سيادى ولا يحزنون، بل هو اتفاق أمنى استراتيجى مصرى اسرائيلى ضد حركات المقاومة فى غزة !

وفى ذات السياق جاءت الاجراءات المصرية فى السنوات الأخيرة من هدم الأنفاق واخلاء المنطقة الحدودية. وهى الاجراءات التى رفضتها الادارة المصرية ايام مبارك، لحرصها على ترك منفذ للتنفيس عن اهالى غزة تجنبا للانفجار واجتياح الحدود على غرار ما حدث فى يناير 2008. وكذلك للتخوف الشديد من اخلاء اى اراضى اما عدو متخصص فى استيطان الاراضى الخالية.

الخلاصة التى آن الأوان أن نركز عليها اليوم وعلى الدوام شعبا وسلطة فى مصر فى مواجهة حرب الابادة والتجويع الاسرائيلية هى ضرورة تحرير القرار المصرى لفتح معبر رفح وتقديم كل انواع المساعدات والاغاثة للفلسطينيين من أى فيتو أو توجيه او تدخل او حتى تنسيق اسرائيلى أو أمريكى. فلا يعقل أن نستأذن القاتل لانقاذ ضحاياه.

القاهرة فى 12 أكتوبر 2023 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى