قمة العشرين ومشروع الربط الأمريكي: مؤشرات واستنتاجات؟
11/09/2023
حيّان نيّوف
في قمة مجموعة السبع التي عقدت في انكلترا في حزيران/ يونيو 2021 دعا الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى مواجهة المشروع الصيني الكبير المعروف باسم “مبادرة الحزام و الطريق”. وعلى الرغم من معارضة ألمانيا وإيطاليا لاستراتيجية المواجهة مع الصين في تلك الفترة، إلا أن الولايات المتحدة استطاعت تجاوز تلك العراقيل وتوحيد المواقف داخل مجموعة السبع لمواجهة المشروع الصيني.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت الخطط الأمريكية لطرح مشاريع بديلة للمشروع الصيني في كل من أفريقيا وآسيا والشرق الاوسط وحتى في أميركا اللاتينية وأوروبا.
وتحت عناوين عدة فإن الخطط الامريكية جرى تسويقها في إطار مكافحة التغير المناخي والطاقة النظيفة وتأمين سلاسل توريد سلسة، لوضع العراقيل وافتعال الأزمات المتنقلة في وجه المشروع الصيني من باكستان إلى القوقاز، ومن بحر الصين الجنوبي إلى شرق افريقيا، ومن الشرق الاوسط إلى شرق أوروبا، وصولاً إلى الإعلان عن المشروع الأميركي الأهم والاضخم كبديل لمشروع “الحزام والطريق الصيني” وأقصد مشروع الربط الاقتصادي “الهندي ــ الشرق أوسطي ــ الأوروبي” والذي جرى التوقيع على مذكرة تفاهم حوله على هامش قمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي.
لا مكان للصدفة
ليس من المصادفة أن يتم اختيار الهند لإطلاق هذا المشروع، فالتنافس بين دول الغرب الجماعي من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى على كسب العملاق الهندي الصاعد انطلق منذ مدة، فالهند تمثل خامس أكبر اقتصاد في العالم وتحتل المرتبة الاولى كأول اقتصاد ناشئ، وهي عضو في منظمة شنغهاي الى جانب الصين وروسيا، وفي مجموعة “بريكس” أيضا، لكنها بالمقابل عضو في تحالف كواد الذي تقوده الولايات المتحدة إلى جانب استراليا واليابان.
كما أنه ليس من المصادفة أيضاً أن يتم اختيار المناسبة لإطلاق المشروع الأميركي، وأقصد قمة مجموعة العشرين التي تغيّب عنها الرئيس الروسي “بوتين” والرئيس الصيني “جينغ” بعد أن نجحت قمة بريكس الشهر الماضي في تحقيق اختراق مهم لدول الجنوب العالمي لصالح الصين وروسيا على حساب دول الغرب الجماعي، وهو ما أوحى بأن “بريكس+” كفيلة بأن تشكل بديلاً ليس عن مجموعة السبع فحسب، بل وعن مجموعة العشرين ذاتها، وتشجع العديد من الدول ذات الاقتصادات الكبيرة والناشئة بالتوجه للانضمام إليها.
وليس من باب المصادفة أيضاً أن يرافق الإعلان عن المشروع الامريكي ما حصل من توتر في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، وما رافقه من مناورات أميركية أرمينية مشتركة وتهجم مقصود من رئيس الوزراء الأرميني على روسيا، وحيث إنه لا يمكن القفز على جغرافيا القوقاز وأهميتها الإستراتيجية بالنسبة لطريق الحرير الصيني كجزء من خط الحزام والطريق الشمالي، ولممر شمال ــ جنوب الذي يربط ايران بروسيا عبرها.
والأمر ذاته ينطبق على الأحداث التي شهدها الشرق السوري وما رافقها من تسريبات عن رغبة أميركية بإغلاق الحدود السورية العراقية والتي يمر عبرها أحد أهم الممرات البرية من طهران الى البحر المتوسط، وسبق لطهران أن أعلنت أنها يمكن أن تكون ممرا بين الشرق والغرب في إشارة منها لتكون جزءا من مشروع الحزام والطريق الصيني.
وليس من باب المصادفة أن يتم الإعلان عن ممر طريق التنمية العراقي قبل شهرين من المشروع الأمريكي والذي يريط الخليج وتركيا ومنها الى اوروبا عبر العراق كبديل عن المشاريع الصينية والروسية والإيرانية، علما بأن مشروت طريق التنمية العراقي من الممكن ان يشكل أحد فروع مشروع الربط الامريكي في فترة لاحقة وأن الدول المشاركة في مشروع الربط الأمريكي الجديد قد أيدت المشروع العراقي في حينها، وهو ذاته ما ألمح إليه أردوغان على هامش قمة العشرين عندما قال بأن تركيا تدرس مشروعا للربط مع دول الخليج عبر العراق.
وفي هذا الإطار ولأنه ليس للصدفة مكان في الصراع الجيوسياسي المحتدم، فإنه لا بد من التذكير بأحداث سابقة كتفجير مرفأ بيروت، ومحاولة تفجير ميناء البصرة العراقي والذي كان مقررا ان تطوره الصين، والاعتداءات على ميناء اللاذقية السوري من قبل الكيان الصهيوني، ونستذكر أيضا الموقف الأميركي الحاسم تجاه الكيان الصهيوني عندما حاول التشبيك مع الصين عبر ميناء حيفا، والضغط الأمريكي على ايطاليا لإلغاء انضمامها لمبادرة الحزام و الطريق الصينية.
الهند: الرابح الأكبر
اختار رئيس الوزراء الهندي تلك المناسبة بشقيها، سواء المتعلق منها بانعقاد قمة العشرين في بلاده أو المتعلق بإطلاق مشروع الربط الأمريكي من بلاده، لتغيير اسم بلاده من الهند إلى “بهارات” بكل ما تحمله تلك التسمية من معانٍ تشير الى مكانة بلاده التاريخية ودورها المستقبلي في العالم الجديد.
لقد أثبتت الهند أنها دولة ريادية ومحورية استطاعت أن تجمع دولاً من مجموعة السبع ودولاً من مجموعة بريكس بمشروع واحد هو مشروع الربط الهندي/ الشرق أوسطي/الاوروبي. الهند أيضاً وكما أسلفنا الذكر فهي أحد اركان ممر شمال ــ جنوب الذي يمتد من الساحل الغربي للهند إلى بحر العرب ومنه عبر إيران إلى قزوين وصولاً لموسكو.
يعتقد رئيس الوزراء الهندي بأن بلاده تستطيع من اليوم فصاعداً أن تمارس دوراً عالمياً استثنائياً ضابطاً ومانعاً لنشوء حرب باردة أو الوصول بالعالم إلى هيمنة قطبية، وأنها دولة العالم العظمى القادمة التي تمكنت من التشبيك مع الجميع.
فرص النجاح و الفشل
واحد من أهم المؤشرات التي يمكن استنتاجها من التوقيع على مذكرة التفاهم لإنشاء الربط الآسيوي الشرق أوسطي الأوروبي، أنه يعكس اقتراب الولايات المتحدة والسعودية من إتمام الصفقة الكبرى التي يجري العمل عليها بين البلدين لصياغة استراتيجية جديدة للعلاقات بينهما ومن ضمنها التطبيع السعودي ــ الإسرائيلي.
إذا ما اضيف ذلك إلى الإنقلاب الجيوسياسي الذي يمكن أن يحدثه مشروع الربط الامريكي فإنه يمكن الاستنتاج أن عودة التوتر واحتدام الصراع في الشرق الاوسط هو أمر وارد وبقوة في المرحلة المقبلة.
كما أنه لا يمكن لهذا المشروع الامريكي القفز فوق حقيقة مفادها أن هذا المشروع وفي محطات جغرافية عديدة منه سيبقى محكوماً بنفوذ محور المقاومة، أقلّه في مياه الخليج وفلسطين المحتلة وشرق المتوسط، ومن غير إغفال للضرر الذي سيلحق بدول عدة ذكرنا بعضها، واخرى محسوبة كدول حليفة للولايات المتحدة ومنها مصر التي تمتلك أحد أهم المعابر المائية “قناة السويس” والذي جرى تجاهله في المشروع.