مقالات

محنة الرفاق

مقال جدير بالقراءة بقلم د.ناديا خوست

حمل عنوان ((محنة الرفاق)) كان في ذاكرتي حزب البعث المدافع عن المنتجين، المؤمن بالعدالة الاجتماعية، يوم دافعت عنه في اللقاء الاستشاري في بداية الحرب. وكان الهجوم عليه وقتذاك في سياق تفكيك المؤسسات السورية. فكتبت جريدة الوطن السورية عن اللقاء الاستشاري: “غابت المعارضة وحضر فكرها”. مرت سنوات على ذلك. وظهر أن كسر الأحزاب والمنظمات ليس فقط بالهجوم الخارجي عليها، بل باختراقها، وقلب مسارها. وقد اخترقت أكبر الأحزاب الأوروبية فغابت عن مواجهة الانسياق في الحرب على روسيا. لكن اختراق الاتحاد السوفييتي بقيادةٍ خائنةٍ يظل أبلغ الأمثلة التي توحي بأن أحزاب الدنيا يمكن خرقها لتجري في مشروع عدوّها. يوم اجتمع مجلس الشعب ليحاسب الحكومة، وكان الأمل العام إقالتها، بدا أن الرفاق البعثيين كانوا بين أمرين: فإما أن يطيعوا أوامر قيادتهم ويبيحوا لحكومة فقدت ثقة الشعب أن تستكمل مهمتها بفوضى السوق، أو أن يمارسوا واجبهم كنواب يفترض أن يعبّروا عن أوجاع الشعب. نعرف أن الحزبي ينفذ أوامر حزبه. لكننا نعرف من قراءة التاريخ، أن الحزبيين التزموا بالمبادئ لا بالأوامر يوم حددت لحظات التاريخ الكبرى مسار الوطن. بجلسة مجلس الشعب المذكورة، أضاف الرفاق البعثيون بامتناعهم عن محاسبة الحكومة، سحب ثقة الشعب بمجلس الشعب، إلى سحب ثقته بالحكومة. ورأينا سخرية الناس من تبعية المجلس والحكومة للقيادة الحزبية التي تغافلت عن فوضى السوق وكسر الليرة السورية وأمجاد الدفاع عن الثوابت الوطنية في حرب صعبة. أمامنا الآن الواقع الآتي: 1 – شعب أسطوري بصبره ووعيه وتاريخه. 2 – وجيش أسطوري بدفاعه عن الوطن في حرب عربية عالمية. 3 – ومؤسسة رئاسية ثبتت أيام لم يكن الخيط الأبيض قد تميز من الخيط الأسود، ومخَرت بحراً صاخباً من إخوة غدارين وأعداء متوحشين. مقابلهم: قيادة حزبية بعيدة عن هموم الناس وأوجاع الحرب، مندفعة في نهج الليبيرالية الجديدة التي تقنص مآسي الحرب، ولا تتميز من منظومات الحكم في البلاد المجاورة. ليست المسألة، إذن، تصميم قيادة حزبية على حماية حكومة منحازة لرجال السوق والمال. بل ما يعبر عنه هذا التصميم: سحق البنية الصحية والمعيشية والتعليمية والروحية السورية. وكأنها تقول للسوريين: تطلبون زيادة الرواتب والأجور؟ هانحن نسلبها منكم في الليلة نفسها بزيادة الأسعار! وسنسلبكم بقية المنجزات التي كنتم تفخرون بها وتميزكم من “دول الجوار”! وكأننا نسمع مرة أخرى كلمة السيد مهدي دخل الله في مؤتمر الكتاب: لا تكتبوا فلن يقرأكم أحد! أو محاسبة الحزبيين الذين شاركوا المستقلين الخوف على نهج اتحاد الكتاب من انحراف رئيس الاتحاد الأسبق نحو الإمارات: نحن مرجعيتكم لا وزير الثقافة، ولا الدكتورة نجاح العطار!لذلك يبدو لنا أن الرفاق المؤمنين بمبادئ البعث، يواجهون الآن محنة الاختيار بين المبادئ والأوامر. وهذا الاختيار ليس بسيطاً لأنه بين رفض أهداف الحرب، أو سَوق الوطن خارج محور المقاومة، في مسار مهزوميّ المستقبل لا في مسار المؤهلين للانتصار في الصراع العالمي. وهو نقيض الثوابت التي شيدت الوجدان السوري وتاريخ سورية الذي امتزج فيه الدفاع عن السيادة بالدفاع عن الاقتصاد الوطني. وفيه سعى خالد العظم، رجل البورجوازية الوطنية، لتأسيس القطاع العام وصوامع الحبوب والسدود. لم يسجل الدستور السوري الحزب الحاكم. لكن الواقع غير ذلك. هذه المحنة إذن أولاً هي محنة الرفاق البعثيين المخلصين لأن قيادتهم مسؤولة عن الوضع المعاشي الذي انحدر إليه السوريون. ثانياً محنة أحزاب الجبهة المستمتعة بما يجود عليها به رفاقها البعثيون من وظائف ووزارات. وهي أيضاً محنة الشعب السوري لأنه، بفقد ثقته في مجلس الشعب والقيادة الحزبية، يُحرم من جسم سياسي. ولأن الليبيرالية التي تميل إليها القيادة الحزبية ليست كلمات على ورق، بل هي نهج اقتصادي وأخلاق تطلق الأقوياء لينهشوا الضعفاء، وتستهين بالسيادة الوطنية فتمهد للتطبيع. وقد رأينا هذه الحنجلة دون غمغمة في مهرجان القلعة. هانحن أمام الاستعصاء: فالمجموعة التي تقود حياة الشعب السوري الاقتصادية والتعليمية والصحية، تنهك أسر المقاتلين والشهداء بالغلاء والفقر. وتسوق الحزبيين في نهجها فتفقدهم بقايا الحضن الشعبي. رفعُ الأسعار أمس ليس مسألة أرقام، بل يعني أن الحكومة في هوى التجار والمضاربين، لا لخدمة الشعب الذي يدفع أجورها. ونخشى أن يكون الهدف: أن يتنازل السوريون، من الجوع، عن ثوابتهم الوطنية، ليصبحوا من رعايا الخليج بعد أن كانوا من رواد محور المقاومة. قد يحل هذا الاستعصاء بانفجار. لكننا استناداً إلى الوعي الذي يكنزه الشعب السوري، وإلى الثقة بالجيش ومؤسسة الرئاسة، ننتظر إعفاء من انساق في أحلام “بيريسترويكا سورية”، وتكليف مجموعة من الخبراء المخلصين بصياغة نهج اقتصادي وطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى