المقالات

حوار مع صديق تركي

حول الانتخابات التركية التي حظيت باهتمام إقليمي وعالمي، بسبب الموقع الجيوسياسي لتركيا، كنت حريصاً على معرفة قراءة من الداخل التركي لهذه الانتخابات، ونتائجها وتأثيرها على توجهات تركيا، والمسارات التي تتجه إليها.
فقد بدا واضحاً أن هذه الانتخابات يتجاوز تأثيرها الشأن الداخلي التركي، ليصل إلى محيطها المباشر وخاصة في سورية، ويتجاوزه ليصل إلى الصراع الدائر في العالم، لتحديد موازين القوى والقوة، الجاري بين المنظومة الرأسمالية المتراجعة، برأسها الأمريكي وامتدادها الأوروبي والعالمي، والمنظومة المشرقية الصاعدة، براسيها الصيني الروسي، والتأثير الكبير لتموضع تركيا بين هاتين المنظومتين، حيث تقف على خط الصدع بينهما، وبالتالي لم تكن هذه الانتخابات مجرد انتخابات تركية محلية، وإنما مقياس ومؤشر على عمق الصراع ومساراته.
لي قراءتي الخاصة، التي تعززت مع هذه الانتخابات، والتي تقول بأن تركيا ليست في وضع مريح، وهي تواجه أزمات ومعضلات حقيقية داخلية وخارجية، وفي مقدمتها أزمة الهوية، بين غرب يرفضهاـ وشرق رفضها أكثر وأصبح يتوجس منها، وقوى إقليمية وعالمية أصبحت ترى في تركيا الحالية خطرا عليها، والأوراق التركية التي احترقت، بسبب الأخطاء الاستراتيجية لحكومة أردوغان، مع فشل مشروع العثمانية الجديدة، وانكشاف دورها في مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفتح جراح كنا نعتقد أنها اندملت منذ عشرات السنين، لتأتي نتيجة الانتخابات وتؤكد هذه الصورة، وأن الشرخ التركي لا يتعافى، وإنما يتعمق أكثر، وهذا ما يضع تركيا في مواجهة مستقبل غامض، وقد يحمل في طياته مخاطر حقيقية ووجودية عليها، ويهدد بقاءها كما هي الآن، ولذلك كانت القراءة من الداخل التركي ضرورية وهامة.
بداية لابد من الإشارة إلى أن صديقي التركي، ليس من الصفوف القيادية لأي من الطرفين المتنافسين، لكنه لا يحب الأخوان، ويعرف كليجيدار أوغلو، وهو لا يكره تركيا، لكنه يحب سورية، ويقول “أنا أحتقر الخونة لبلادهم، لذلك أحتقر المعارضات السورية التي خانت بلدها”.
والأهم في هذه القراءة، أن صديقي التركي متابع جيد، وقارئ متبصر للأوضاع، وأصر من البداية على التأكيد أنه لا يتكلم بالعواطف، وإنما من واقع يراه ويحس به، سواء أحبه أم لم يحبه.
بداية كان صديقي قد توقع يوم الانتخابات فوز أردوغان، وبنسبة مطابقة تماماً للنتيجة التي فاز بها، وكأنه كان يقرؤها مع إعلان النتائج، وليس صباح يوم الانتخابات.
وفي تعليق أولي له قال للأسف الوضع في تركيا بشكل عام مخيف، والمستقبل لا يدعو للاطمئنان.
وفي توصيف لأول مره أسمعه قال “تركيا بشكل دائم هي مثل المختبر الذي ينتج فيروسات المرض للعالم.. هي اسرائيل الكبيرة.. تركيا لا تنتج غير التطرف، والمتدينين المتعصبين والعرقيين”.
الحكومة الموجودة اليوم هي متجذره من الاربعينيات، والاحزاب تتغير اسماؤها فقط.. عدنان مندرس كان من الاخوان، وسليمان دميريل كان من اليمينيين، وكذلك تورغوت اوزال، واربكان، واليوم اردوغان، كلهم نسخ متكررة، ومن يوم دخل الأسطول السادس الامريكي لتركيا وهي دولة إمبريالية، وشعب تركيا ما هو يساري صح، ولا يميني متطرف”.
اليوم كلجدار اوغلو هو تربية البيروقراطية اليمينية، وقلنا له كثيراً أن لا يرشح نفسه، لان تركيا ارضيتها ليست معه، وترشيحه كبيع لحم الخنزير في حي مسلم، حتى صديقنا (د . ب) الذي عاش في دمشق لفترة، والتقيته في الشام وفي إسطنبول، وهو يمثل حزب كليجدار اوغلو في إحدى الولايات، ومن أقرب الناس لكليجدار اغلو، لم يكن مقتنعاً بترشيحه، ونحن نشبهه بأوباما تركيا.
وفي معلومات عن كليجيدار أوغلو قال “هو أساساً من الخراسان، ومولود في “تونج” وكان اسمها سابقا “درسيم” وهو علوي بكتاشي (ينتمي إليه معظم سكان الأناضول الذين يشكلون أساس الشعب التركي، قبل الغزو العثماني لهم، ويوجد اختلاف كبير بينهم وبين العثمانيين، ويعتبرونهم غزاة).
وشبه المنافسة بين أردوغان وأوغلو بمباراة بين فريقي حطين (من اللاذقية) وبرشلونه الأسباني والكل يعرف أن النتيجة محسومة لبرشلونه وأردوغان خاضها والنتيجة 1/0 قبل أن تبدأ.
وأضاف الصديق التركي “السنه كرهاني اردوغان بس ما عندهم بديل، وأيضاً جماهير كليجدار اوغلو انتخبوه غصبا عنهم، لأن ما في حل ثاني”.
وفي قراءته لفوز أردوغان، كان واضحا في رأيه بقوله “انا مرتاح لأردوغان أكثر من كليجدار اوغلو … لا ننسى أن كليجدار اوغلو أعلن أنه سيكون مع امريكا ضد روسيا في موضوع أوكرانيا، وهو مع الناتو، وسيساهم في حصار روسيا، وقال انا استلمت ملف شرق الاوسط الجديد، ورح نجيب الصلح للمنطقة (وهاد كلو حكي وضحك على الذقون) ولو ربح الانتخابات كليجدار أوغلو سيتأخر ملف سوريه أكثر من ٣ سنوات.. لهيك مؤكد مع ربح أردوغان لن أفرح، ولو خسر ما كنت راح أزعل.. وعالحالتين تركيا خسرانه، بس لو خسر اردوغان راح نرجع بملف سورية لسنه ٢٠١٣”.
وأضاف صديقي التركي “أردوغان هو بالنسبة لنا عدونا، ولكنه مكشوف، والعدو الذي تعرفه، وتعرف نقاط ضعفه، أفضل من القادم الجديد (ومن وين بيضربك ما بتعرف)… أنا معادي لسياسات أردوغان، ولكن من عام ٢٠١٦ وبعد انتصار حلب، ومحاولة الانقلاب عليه، عدل مساره، وسورية وضعته تحت الأمر الواقع، وليس من مصلحه الدولة السورية أن يتغير أردوغان، وحسنا فعل الرئيس الأسد عندما رفض أن يعطيه ورقة انتخابية، وقوله نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية، واللقاء معه سيكون ضمن شروطنا”.
وبسؤاله عن توقعاته لتركيا المستقبل، رأى أنها تتجه لتصبح جمهورية اسلاميه، وأنها مقسمة على أرض الواقع، وفيها صراع بين تركيا الأوراسيه وجمهورية الاناضول، وقد تغير حتى اسمها مستقبلاً، وقد تتقسم إلى ولايات وأقاليم”.
حتى اقتصاد تركيا متدهور.. اذا اردوغان ربح الانتخابات رح يصير الدولار ٣٠ ليرة تركية (حاليا عشرين) ولو ربح كليجدار اوغلو كان رح يستقر نوعا ما وإلى حين فقط.. يعني تركيا عالوجهين خسرانه خسرانه”.
ولأنني مهتم بموضوع مستقبل تركيا، وإلى أين تسير، ورؤيتي بأنها قد تتعرض للتقسيم، حاولت التأكد مما قاله بأنها “أصبحت مقسمة على أرض الواقع” وسألته للتوضيح أكثر حول هذه النقطة فقال “لو استلمها كليجدار اوغلو كانت ستتعرض للتقسيم بشكل أسرع، ولكن بقاءها مع اردوغان سيحاول في السنوات القليلة المقبلة أن يعدل مساره، حتى لا يحصل له كما حصل مع صدام حسين، ولكن المعادلة حاليا صعبه.. الاخطاء التي أوصلت تركيا إلى هذا المستنقع هو اردوغان نفسه.. الروس حاليا واقفين مع اردوغان، وأرادوا فوزه، ولكن ليس لسواد عيونه، بس روسيا بدها حليف قوي، وبدها تبعد امريكا عن حدودها أكثر.. بدها تكسر هيمنتها في الشرق الأوسط، بس ما رح تترك اردوغان مرتاح”.
“اذا ربح اردوغان الانتخابات مشروع أمريكا للتقسيم رح يتأخر ممكن ٥ سنين بس كليجدار اوغلو اوتامتيكيا وبأسلوب سلس كان سيخضع لأوامر امريكا وخاضع اليوم قبل امس”.
“تركيا حاليا مشحونه وفيها تشنجات كثيره، منها الاتراك الأصوليين، وفيه علمانيين وفيه علويين (سكان الأناضول) والمشروع الأمريكي يعمل على إعطاء ادارة ذاتيه للأكراد، وستكون اول خطوة”.
وحول الوضع في لواء اسكندرون، أكد أن تركيا لعبت كثيراً في ديمغرافيا اللواء، وجاء الزلزال ليكمل ذلك، حيث بيعت مناطق واسعة لشركات كبيره، لإقامة مشاريع بناء وإكمال مشروع التغيير”.
وفي معلومات خطيرة، رأى أن موقع اللواء مهم لإسرائيل، وكردستان التركية، والمخطط أن يكون منفذ الأكراد على البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف “مشروع تقسيم سورية صار صعب جداً، لكن تركيا مهددة، ومباعة من الخمسينيات، وما يجري هو غزل وحبكه للتقسيم، منسوجة مثل قطعه القماش المنسوجة يدوياً”.


يوجد تتمة خاصة بلواء اسكندرون.


أحمد رفعت يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى