كورونا .. والتخلي الواضح والفاضح عن ابناء المخيمات ..!! عثمان بدر
لا يحتاج الفلسطينيون ولا سيما منهم ابناء المخيمات الى كثيرٍ من الذكاءِ او الى (منجم مغربي) ليتأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك ان قيادتهم قد تخلّت عنهم بشكل كلّي وكامل وتركتهم لمصيرهم او كما يُقال (يقلعون شوكهم بايديهم)،والحقيقة ان هذا التخلّي ليس جديداً ولا مستجدّاً ولا وليد الازمة الراهنة بل يعود الى بدايات ثمانينات القرن الماضي وللتحديد عام 1982،عندما غادرت (قوات الثورة الفلسطينية) العاصمة اللبنانية بيروت اثر الاتفاق الشهير مع المبعوث الاميركي فليب حبيب،ودون تأمين حماية دولية للمخيمات خاصّة وان الدولة اللبنانية لم تكن آنذاك قادرة على حماية المخيمات نتيجة الحرب الاهلية،ما نجم عنه مذبحة يندى لها الجبين الانساني خجلاً في مخيمي (صبرا) و(شاتيلا) ذهب ضحيتها اكثر من 3500 شهيداً من الرجال والنساء والاطفال والشيوخ جُلهم من الفلسطينين،غير ان التخلّي بدى اكثر وضوحاً عام 1993 اذ قامت (القيادة الفلسطينية) بتوقيع اتفاقيات (اوسلو) سيئة الصيت والسمعة والتي تنازلت بموجبها عن حقوق اللاجئين الفلسطينين بوطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم واعترفت بحق (اسرائيل) في الوجود وفي اقامة دولتها المزعومة على ارض ابائهم واجدادهم،وبهذا فقد قتلت احلامهم في العودة الى ارض الوطن ولم تكلف نفسها حتى عناء الوقوف الى جانبهم في مواجهة قرارات عنصرية وجائرة تصدر من هنا وهناك تصادر منهم انسانيتهم وحقهم في العيش الكريم…!!
ولم يتوقف (مسلسل التخلّي) الطويل عند هذه الحدود فقد عمدت (القيادة الفلسطينية) الى تجويع ابناء المخيمات عن سبق اصرار وتصميم وترصد وضمن مخطط (شيطاني) لايصالهم الى مرحلة اليأس من اجل اجبارهم على الموافقة على الحلول التي قد تُطرح لحل قضيتهم والتي لا تتضمن قطعا (حق العودة) او دفعهم للهجرة الى اوروبا او امريكا وغيرها للتخلّص من اكبر عدد منهم باعتبار ان قضية اللاجئين باتت تشكّل العقبة الكبرى والكأداء امام (عملية الاستسلام) المغلّفة باسم السلام،وهنا يصح القول ان (القيادة) قد حاربت وما زالت تحارب ابناء المخيمات بلقمة عيش عيالهم وانها تضيّق عليهم الخناق لغايات ومأرب لم تعد خافيةٍ على احدٍ،وبعيداً عن الغوص في تفاصيل مقيتة واليمة وسرد احداث ووقائع تؤكّد هذا التخلّى الواضح والفاضح،فان ازمة (كورونا) جاءت لا لتفضح تخلّي (القيادة) فحسب بل لتفضح تخلّي جميع الفصائل والتنظيمات عن اللاجئين وقد اكتفت باصدار بيانات ومناشدات ل(الاونروا) من اجل مد يد العون والمساعدة لابناء المخيمات وكأنها غير معنيةٍ بالامر لان (العرس عند الجيران)،اما (القيادة الفلسطينية) فقد أصمّت الاذان عن بكاء اطفال المخيمات من قرصة الجوع وعن صراخ الاباء والامهات لنجدتهم وهم يصارعون ب(اللحم الحي) من اجل البقاء على جبهتين:جبهة مكافحة تفشي وباء كورونا في مخيماتهم خاصّة وان الجهات المعنيّة جميعها لم تفعل ما ينبغي فعله من اجل حمايتهم لولا ان بعض مؤسسات المجتمع المدني قد هبّت لسد الفراغ الذي خلّفه الغياب للمعنيين والذي يبدو انه متعمّداً واخذت على عاتقها القيام بعمليات تعقيم الحارات والبيوت والمؤسسات وما الى هنالك من اجراءات وقائيّة،والجبهة الثانية، جبهة لقمة العيش اذ انه ليس خافياً على احدٍ ان المخيمات الفلسطينية تعيش منذ ما قبل تفشي وباء (كورونا) اوضاعاً حياتية ومعيشية غاية في الصعوبة والتعقيد نتيجة الاوضاع الاقتصادية المترديّة التي يعيشها لبنان جرّاء (الثورة) التي انلعت في 17 تشرين الاول والتي ادّت الى تعطيل جميع مرافق الحياة فيه وقد تضاعف تردي الاوضاع المعيشيّة في المخيمات الفلسطينية نتيجة اغلاقها والزام سكانها ب(الحجر المنزلي) اسوة ببقية المناطق اللبنانية خوفاً من تفشي وباء كورونا والذي كان قد وصل الى لبنان،ولم تكلّف (القيادة الفلسطينية) نفسها عناء وضع (خطّة طواريء) مركزيّة للمخيمات بالتعاون مع (الاونروا)،واكتفت القيادات المحليّة بوضع خطّة هي اشبه ما تكون بخططهم ل(تحرير فلسطين) والتي بقيت نتيجة عبقريتهم الفذّة محتلة لاكثر من سبعين سنة وليتها بقيت محتلة دون ان يفرطّوا فيها وان يتنازلوا عنها وكأنها ممتلكاتهم الشخصيّة،ورغم معرفتها اليقينية بحاجة ابناء المخيمات الى مساعدة مالية عاجلة من اجل الصمود الاّ ان (القيادة) لم تحرّك ساكناً واكتفت بعض التنظيمات بتوزيع بعض المساعدات (الكرتونيّة) التي لا تفي بالحاجة وقد تم توزيعها بغالبيتها على الازلام والمحسوبين وحُرم منها الفقراء والمحتاجين الذين هم باشد الحاجة الى المساعدة،وبقي ابناء القيادات يأكلون ما لذ وطاب ويقومون برحلاتهم السندباديّة الى اي بلد يريدون في العالم غير آبهين حتى ب(كورونا) ويرتشفون افخر واغلى انواع (الويسكي) ويضاجعون اجمل عاهرات العالم على نفقة الشعب الفلسطيني وباسم قضيته الوطنيّة، فيما ابناء المخيمات يتضورون جوعًا،ولسان حال غالبيتهم يقول (ان لم نمت بكورونا سنموت من الجوع تعدّدت الاسباب والموت واحد)،ولكن الجميل في الامر انهم ايقنوا بقناعة يقينية ان قيادتهم قد تخلّت عنهم وتركتهم يصارعون (كورونا) والجوع لوحدهم واذا قُدر لهم تجاوز هذه المنحة العصيبة فسوف يكون لهم حساباتٍ اخرى..!!