المفتي دريان : للاسراع وإطلاق الموقوفين الإسلاميين
جه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، رسالة لمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، قال فيها: “الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا والمقام الأسنى، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، صاحب الشفاعة العظمى، الذي تجلى عليه ربه بما لا يحصى ولا يعد من الآيات الكبرى، وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين آمنوا بمعجزة الإسراء والمعراج، ولم تصبهم فتنة، بل ازدادوا إيمانا وهم يستبشرون”.
أضاف: “وبعد أيها المسلمون: يقول المولى تعالى في محكم تنزيله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. في ذكرى الإسراء والمعراج، يتجدد لدى المسلمين الإحساس والوعي بعناية الله عز وجل ورحمته. ويتجلى ذلك ببعثة ورسالة محمد صلوات الله وسلامه عليه، الذي أرسله الله سبحانه رحمة للعالمين، قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وأرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا. قال تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا. ومع البعثة، ولإحقاق الرسالة، كانت آيات الله سبحانه ومعجزاته، للتدليل على صدقه عليه الصلاة والسلام، ولإيضاح مرتكزات الدين وثوابته. ففي الإسراء خريطة قدسية لتنزل الوحي والرحمات، فيما بين البيت الحرام، والمسجد الأقصى. وفي المعراج تثبيت لعلاقة المصطفى بربه، رب العالمين، حيث رأى من آيات ربه الكبرى. وهكذا، فإن في هاتين الواقعتين الكبيرتين في حياة رسول الله، وحياة الدين والمسلمين، نورا هاديا، وسراجا منيرا، بالوظائف الثلاث لبعثته عليه الصلاة والسلام: الشهادة والتبشير والإنذار. فهو عليه الصلاة والسلام يبشر بالخير والأمن والسلم والسلام، وينذر المعرضين عن دعوة الخير، ويظل شاهد صدق على مسار أمة المؤمنين، وما وراء ذلك مما يتعلق بمصائر الأمة في العالم. وفوق ذلك كله، عنايته عز وجل، وهو السميع البصير”.
وتابع: “كما في كل عام، يحتفي المسلمون بذكرى وواقعة الإسراء والمعراج. ويقول المفسرون: إن الإسراء برسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، من مكة إلى بيت المقدس، الذي ذكره القرآن في مطلع السورة التي سميت باسمه، كان شاهدا عظيما على إكرام الله لرسوله، وقد كان ذلك كله في السنوات الأولى للبعثة النبوية، أي قبل الهجرة، لكي يعرف المكيون الطبيعة التوحيدية للاسلام، أما المعراج، وهو عروج برسول الله إلى السموات العلى، وقد ذكره القرآن الكريم في سورة النجم، وهي سورة مكية أيضا، والنص القرآني، قال تعالى: والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى. أفتمارونه على ما يرى. ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من آيات ربه الكبرى، والآيات الإلهية الكبرى التي اختص الرسول صلوات الله وسلامه عليه برؤيتها هي ما نقصده بإعزازه عند ربه بالاصطفاء، وعظم المقام، ثم التبشير بانتصار الدين، وظهور الأمة”.
وقال: “في آيات الإسراء، كما في آيات المعراج، يتكرر ذكر آيات الله، وآيات الله الكبرى. ويتكرر ذكر الرؤية بالعين وبالقلب والعقل : قال تعالى : لنريه من آياتنا، وقال تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى . وهكذا فإن المقصد النهائي للحدثين، أو الحدث المتصل بين الأرض والسماء، هو نشر اليقين برحمة الله عز وجل، بالبصر وبالقلب والعقل، وهو اليقين الناجم عن الإيمان بالله عز وجل، والثقة بوعده للمؤمنين، أنهم سائرون إلى النجاة والفرج، إن تطلعوا إلى ربهم بالدعاء، وهم يشهدون آياته في الأرض وفي السماء”.
أضاف: “أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، نحن في حال بلاء وابتلاء واختبار. اختبار قدرتنا على الصمود، وعلى اجتراح الحلول والمخارج. اعتدنا القول إن الأزمات تحفل بالصعوبات، لكنها أيضا تعرض فرصا لمن يستطيع اقتناصها، وصنع شيء جديد من خلالها، سواء في الحالات الفردية أو العامة. لدينا الأزمة الاقتصادية والنقدية، ولدينا أزمة الوباء النازل، ولدينا الأزمة السياسية. وأهم مظاهر الأزمة السياسية، هي الثقة المتضائلة، أو المفتقدة بين السلطات والناس. إذ ان معظم اللبنانيين ليسوا متأكدين من سلامة الإجراءات التي تتخذها السلطات، سواء في الجانب الاقتصادي والنقدي، أو جانب مكافحة الداء والوباء. ويرجع ذلك في اعتقادهم إلى ثلاثة أسباب: أن السياسات الاقتصادية والمالية، ما كانت سليمة ولا متبصرة. السبب الثاني أن ضرورات الإصلاح التي قال الجميع إنهم مقتنعون بها، لم تحقق. والسبب الثالث أن كل ما تم القيام به، كان متأخرا أو متأخرا جدا. لذلك، نرى أن أول الواجبات على السلطات، استعادة ثقة الناس، من طريق السير في تحقيق الإصلاح بالفعل، لاستعادة الثقة من جانب المواطنين بالداخل، ومن جانب المجتمع الدولي والعالم المعاصر. واستعادة الثقة من الحرص بالفعل، على مجابهة الوباء الذي نزل بوطننا”.
وتابع: “أيها المواطنون، إن وطننا الصغير جزء من هذا العالم، الذي صار قرية كونية كما يقال. وقد كان لبنان على صغره، طليعة في إقامة دولة حديثة، وطليعة في اهتمام العالم، بسبب نبوغ أبنائه، وعالمية اهتماماتهم. وما عاد الأمر كذلك في السنوات الأخيرة. كنا مستشفى الشرق، وكنا جامعته، وكنا منارة في المنطقة والمحيط. ويكون علينا بالفعل، أن نسأل: لماذا هذا الفشل في الإدارة السياسية والاقتصادية والمصرفية والاستشفائية؟ وكيف حدثت عزلتنا عن العالم؟ وكيف صرنا نعتقد أننا وحدنا، وأننا ضحايا، وأن العالم يتخلى عنا أو يحاصرنا؟ إن هذه التساؤلات، هي الشغل الشاغل للبنانيين الآن، وقد نزل بهم الفقر والعجز، وتصدع مؤسسات العناية والرعاية في شتى المجالات. وهكذا، فإنه إذا كان واجب السلطات الأول، استعادة ثقة المواطنين بالجدية والجدوى، فإن واجبها الآخر، العودة للانفتاح على العرب والعالم، والصدق معهم، لكي نعود إلى خريطة العالم المعاصر كما كنا، تبادلا ومودة واهتماما متبادلا ومشاركة في الجديد والمتقدم”.
وقال: “أيها اللبنانيون، الدولة لا بد لها من أن تتحمل مسؤولية ومواجهة ما نحن فيه اليوم، من فقر وجوع وبطالة، فالناس أموالها محتجزة ورهينة لدى المصارف، والمؤسسات العامة والخاصة في حال ترهل وانهيار، والشركات تقفل أبوابها الواحدة تلو الأخرى، والعمال يصرفون من أشغالهم بسبب الإفلاس، وتنتشر الأزمات في شتى المجالات. انطلاقا من هذا الواقع المؤلم، ندق اليوم ناقوس الخطر، لهول ما نحن فيه من وضع مأساوي، ولا يسعنا إلا أن نكون مع الدولة وإلى جانبها، للعمل معا من أجل لبنان واللبنانيين، الذين أصبحوا في حيرة من أمرهم في عيشهم وصحتهم ومستقبل أولادهم وبلدهم. ندعو إلى تحصين وحدتنا بالتعاون والتكافل والتضامن، لإنقاذ ما تبقى من لبنان. وهنا نسأل: أما آن الأوان لإطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين وغيرهم وإغلاق هذا الملف نهائيا؟ لا بد من رفع الظلم عن المظلومين وإطلاق سراح المسجونين، بإصدار العفو العام الشامل، وإلا سنواجه مأساة في ظل تفشي وباء فيروس كورونا، الذي لا يزال جوالا في سماء بلدنا، على الرغم من كل الإجراءات الاحترازية. والتعقيم الذي تقوم به وزارة الداخلية مشكورة، واتخاذ كل التدابير، لعدم دخول هذا المرض الخبيث إلى السجون. ويا للمفارقة، عملاء العدو الإسرائيلي يطلق سراحهم خلال أشهر، والموقوفون الإسلاميون لا يبت أمرهم حتى الآن؟ بالفعل، أصبحنا في زمن عجيب غريب، ولم العجب؟ فقد أخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، بأنه في آخر الزمان ستنقلب المقاييس، يخون الأمين ويؤتمن الخائن”.
أضاف: “أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، نحتفي كل عام، وفي مثل هذه الأيام بالإسراء والمعراج، وهما حافلان بالمعاني والدلالات، معاني الترابط بين المساجد الثلاثة، في مكة والمدينة وبيت المقدس، وقبل ذلك وبعده، معاني اليقين، والثقة بالبصر والقلب والعقل، بالله عز وجل، ورحمته وفضله، وقد قال سبحانه وتعالى: ادعوني أستجب لكم. فنحن نتوجه إليه سبحانه بالدعاء، لكي يرحمنا، ويتفضل علينا برفع البلاء في الشدة واللأواء، والرحمة والتفضل تجاه الفقراء والمعوزين والمرضى بهذا الداء الوبيل، ورحمته وتفضله عز وجل بوطننا وإنساننا، وحاضرنا ومستقبلنا. فيا رب العالمين، كما أريت رسولك الكريم آياتك الكبرى في معراجه، نسألك للبلاد والعباد آيات الرحمة والمغفرة، ورفع الشدة والبلاء”.
وتابع: “أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، إن المقصد الرئيسي للشرع الحنيف، مقصد حفظ النفس أو الحياة. لذلك، ولأنه يغلب على الظن حدوث الإيذاء، نتيجة الاجتماع للصلوات في المساجد، فإن مقصد حفظ النفس يتقدم في هذه الحال، فلا بد من تجنب التجمع في المساجد، من أجل السلامة والحياة. أمران من الدين: دفع المفاسد، وجلب المصالح. وفي الأزمات يتقدم اعتبار دفع المفسدة، ولذا، الرأي بالفعل اتباع ما دعت إليه السلطات من البقاء في المنازل، لكي لا يعم الوباء. اللهم رب المستضعفين، لقد استغاث بك رسولنا الأكرم، ونحن نستغيث بك في هذا الهول بدعاء رسول الله إياك: اللهم إنا نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
وختم دريان بدعاء قرآني: “ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به. واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين”.