المقالات

روسيا من حيث لاتدري .. نهاية التاريخ في صراع الأعماق

نارام سرجون

سيفرّ بعض الملوثين بالدعاية الامريكية من قراءة هذا المقال ويعتبرونه من أفكار محور المقاومة .. وأنه لايعدو كونه لحظة حلم .. وهؤلاء الذين سيخرجون من هذا المقال سنبارك خروجهم ونشجعهم على الخروج منه لأنه مقال كتب لذوي القلوب القوية التي لاتعلق بها الافكار الامريكية وملوثات الحضارة الغربية والليبرالية التي دمرت الانسان والاخلاق وحولت الرجال الى نساء والنساء الى رجال .. والتلوث بالافكار وخاصة الامريكية هو أشد أنواع التلوث خطرا وهو أسوأ من تلوث البحار ببقع الزيت والنفط .. وتلوث البيئة بالبلاستيك والمشتقات البترولية .. وأخطر من ثقب الاورزون والاحتباس الحراري .. لأن العقل الملوث عقل انتحاري او عقل معطل .. وهؤلاء الملوثون بالدعاية الامريكية لا نرجو شفاءهم لأن التلوث الفكري يشبه التلوث بالاشعاع .. ولذلك فاننا لا نريد لهم الشفاء لأن كلفة تعافيهم باهظة جدا ومكلفة وغير مجدية .. وكما في الطب فان الكلفة العالية لعلاج المراحل النهائية من الامراض المستعصية تستوجب أحيانا التوقف عن العلاج والتفكير في قتل المرحمة او ما يسمى أحيانا الممر السريع الى نهاية الحياة ..

سيسمع الملوثون بالبلوتونيوم الدعائي الامريكي المشع ما تقشعر له أبدانهم ولن يصدقوه .. ولايريدون أن يصدقوه .. ولكن الحقيقة هي أن الاميريكيين – وهم آلهة البعض من العرب – يمرون في أخطر لحظة في حياتهم .. وهي لحظة التفكك والانشقاق .. والتي تلوح في ارتفاع مستوى الصراع الداخلي الى درجة الاقتراب من الحرب الاهلية التي صارت جمرا تحت الرماد .. فمن الواضح ان مشروع الدولة العميقة الاميريكية هي الحرب على روسيا .. ولذلك فان بايدن اعلن في ايامه الاولى ودون مبرر ان بوتين مجرم وقاتل .. وكان من الواضح انه يعلن انطلاق مشروع مواجهة مع روسيا قد كلف به بايدن .. وقد فطن بوتين للمشروع الذي كان يرى ان اوكرانيا هي الشحنة الناسفة الكبرى التي ستدفع الى قلب روسيا لتنسفها من الداخل فقرر تدميرها قبل وصولها الى روسيا .. فأوكرانيا تم مسح ذاكرتها وادلجتها واعطيت المهلوسات عن الليبرالية الغربية وعن الروس الاعداء وحقنت بالكراهية حتى صارت دولة انتحارية مثل انتحاريي داعش الذين كانوا يتعلمون الكراهية في المساجد ومن ثم كانوا يدفعون للانتحار في عربات مصفحة نحو الخطوط الامامية للجيش السوري لاختراقها .. وكان هناك في الجيش السوري من يترصدها من المقاتلين بقذائف الـ آر بي جي لتدميرها قبل وصولها .. واليوم استولى الاميريكون على عربة مصفحة اسمها اوكرانيا زادوها تدريعا ودفعوها لاختراق الدفاعات الروسية التي قررت ضربها قبل الوصول الى داخل روسيا ..

الحرب الاوكرانية لاتسير كما يريدها الروس الذين راهنوا على ان حركتهم لم تكن متوقعة بعد ان صمتوا عن اوكرانيا منذ عام 2014 .. ولكن الاميريكيين لاتسير الحرب كما يريدون أيضا .. فالروس لم يندفعوا نحو كييف بحركة انتحارية .. واكتفوا باقتطاع الجزء الذي اعلنوه هدفهم التحريري .. وكان الروس يتوقعون او يدفعون لان يتم هناك تمرد اوكراني او انقلاب او ثورة شعبية تطيح بالطغمة الحاكمة الانتحارية الاوكرانية تجنبا للحرب كما فعل الايطاليون مع حكم موسوليني عندما استقرؤوا ان الحرب تتجه للخسارة .وأن عليهم فك ارتباطهم بهتلر الذي بدأ يترنح .. فقرروا الانقلاب على موسوليني واجراء صفقة تفاهم مع الحلفاء لتجنيبهم مصيرا كان سيشبه مصير ألمانيا واليابان ..
الأميريكون كانوا يظنون ان العربة الروسية الضخمة التي تصطدم بحاجز اوكرانيا ستنقلب اقتصاديا واجتماعيا وستنهار على رأس بوتين في ثورة شعبية او اجتماعية على غرار الثورة التي قام بها يلتسين ضد الشيوعيين عندما أطلقوا حركة الانقلاب ضد نهج غورباتشوف .. وكان الصراع بين الجهتين هو الشق الذي شق الامبراطورية السوفييتية .. ولكن الروس صمدوا اقتصاديا وبدؤوا يفككون منظومة اميريكا الحاكمة في العالم وبدؤوا يحفرون تحت أقدام الدولار حفرة عميقة .. وبدؤوا عملية تفكيك النظام العالمي واقامة تحالف وتقاسم للنفوذ مع الصينيين ؟؟ وكأنهم يعيدون مؤتمر يالطة لتقسيم تركة العالم القديم الذي تقاسم فيه الحلفاء لحم ألمانيا ..

اطالة الحرب في اوكرانيا التي كانت هدفا امريكيا ربما ليست في صالح الروس ولكنها ايضا لم تعد في صالح الاميريكان وخاصة الدولة العميقة الامريكية التي تحرص على ان يتم الامر في هذا العام مهما كلفها لأن ولاية بايدن تقترب من نهايتها .. .. ولكن اذا كانت السنوات الاربع لبايدن لم تكفه فان عليها ان تضمن أن السنوات الاربعة التي ستتلو بايدن ان يكون فيها بايدن نفسه (وطاقمه) الذي تديره الدولة العميقة .. او من يحمل رايته ضد وسيا ويكمل المهمة .. تماما كما كان هاجسها ان يستمر جورج بوش بعد احتلال العراق لأربع سنوات اخرى لينهي المهمة بانهاء آخر جيوب المقاومة العراقية وانهاء ماتبقى من الخطة التي تقضي بتدمير سورية ولبنان وايران بالرعب العسكري .. ولكن الخطة تعثرت وعاش الاميريكون الرعب العسكري وهم ينقلون نعوشهم بالمئات .. وكان من الواضح ان السنوات الاربعة التالية التي اعطيت لبوش اوصلتهم الى قناعة ان المهمة تعثرت وكان لابد من اصلاح العربة الاميريكية بعد اصطدامها بحاجز العراق ولذلك شحنت العربة الاميريكة على يد موظف آخر هو اوباما الذي كانت مهمته هي اخراج اميريكا من العراق .. والانتقال الى الحرب بالريموت كونترول عبر الجيش الاسلامي الذي بنته اميريكا من لحم الاخوان المسلمين .. وكانت مهمته ان يأكل هذا الوحش كل أعداء اميريكا .. مثل سورية وايران وحزب الله وروسيا والصين .. واخراج الاسلام من الاسلام عبر الربيع العربي الاسلامي الرهيب .. وأعطي اوباما ثماني سنوات لاتمام المهمة التي فشلت بعد ان نجحت في تدمير الشرق .. ولكن الوحش الاسلامي واجه محاربين أشد فتكا منه في سورية التي كانت أرض المعركة الرئيسية وتلقى الوحش طعنات قاتلة وطحنت عظامه في المعركة حتى جعلته عاجزا على كرسي متحرك ..

الخطر الذي تراه الدولة العميقة الاميريكة اليوم هو في تحالف الوقت مع روسيا .. واقتراب دونالد ترامب من العودة الى البيت الابيض وما يمثله ترامب من توجهات مغايرة .. الوقت قد ينفذ في المهلة الاوكرانية ولاينتهي عصر بوتين كما يشتهي الاميريكيون .. وسيحتاجون الى التمديد لبايدن او فريقه .. ولكن يبدو ان زمن ترامب الثاني قد يصل على غير توقع .. ووجود رجل خطر مثل دونالد ترامب هو ماتخشاه النخبة العميقة الاميريكة .. ترامب الذي يعاند الدولة العميقة ويبني دولة عميقة بديلة او انه جزء من دولة عميقة تتشكل على السطح وتريد الحلول محل الدولة العميقة القديمة ليكون بينهما صراع الاعماق .. ومن الواضح ان اول مهمة لمعسكر ترامب هو الابتعاد عن الحرب الاوكرانية وترك اوكرانيا لروسيا لأن اولويات هذا المعسكر مختلفة تماما .. وربما مقايضة اوكرانيا بالصين .. اي ان يعطى بوتين كل اوكرانيا مقابل ان يتخلى عن تحالفه مع الصين .. وهذا المعسكر سيستفيد من انجاز معسكر بايدن في اطالة الحرب لجعل الروس يقبلون بهذا العرض او يفاوضون عليه ..

الدولة العميقة الحالية لن تقبل بهذه الخسارة وستحاول ابعاد ترامب عن الدولة الاميريكية وابعاده عن الفوز في اي انتخابات .. ولذلك يتم تجهيز مجموعة من العقبات والقضايا والموانع القانونية وغير القانونية لعرقلة وصول ترامب الى البيت الابيض ..
ولكن الطريقة الاستفزازية التي يستعملونها ستثير مناصريه ومريديه .. وهم قطاع واسع أبيض في اميريكا ويشكلون قاعدة (الواسب) وهم في المصطلحات السياسية المتطرفون الاميريكون او النازيون الامريكون او الاخوان المسلمون الاميريكون الذين يؤمنون بالسلاح والقوة والعنف .. وهم في معظمهم مسلحون بثقافة راعي البقر واستعجاله في وضع يده على الزناد واطلاق الرصاص .. وكلهم مسلحون بكل أنواع الاسلحة الفردية .. وهؤلاء يزداد ولاؤهم لزعيمهم الروحي ترامب الذي اذا نطق كلمة واحدة واشتكى الاجراءات القانونية التي تلاحقه وتعاقبه وتمنعه من الترشح فانه سيثير هذه الطبقة ضد الدولة العميقة .. وستكون كل محاولة لايقاف ترامب سببا في اشتثارة هذه الطبقة كأسماك القرش التي تشم رائحة الدم في الماء ..

ولذلك فان هذا الاحتكاك والصراع قد يتطور الى مرحلة الشرارة والتفجير .. ولاتوجد امة معصومة من هذا التفجير .. فكل الامم تمر في صراعات داخلية تسميها ثورات أحيانا عندما ينتصر فريق على فريق .. ويسمي حربه ثورة عندما ينتصر .. وأحيانا يسميها حربا اهلية اذا لم تحسم .. والاميريكون هم أكثر تجمع بشري فيه كل أسباب الحرب الاهلية .. بما فيها من عنصرية وفروق طبقية وثقافة العنف وثقافة السلاح وثقافة الابادة وثقافة الصراع العرقي .. وثقافة رأس المال المتوحش الذي التهم العالم .. ولكنه اليوم يريد ان يلتهم لحم نفسه ..

لذلك المعضلة اليوم في اطالة الحرب لن تكون لروسيا التي يبدو انها صارت تميل لأن تهدئ الحرب وتتركها بلا حسم لأن التطاول فيها سيطيل أزمة الصراع في اميريكا والغرب وأزمات اقتصادية تتفاقم .. ويؤثر في اقتصاداتها .. مما سيثير القوى المتضررة والطامحة لاستبدال الدولة العميقة .. وهنا لا توجد قوة في السلطة سواء عميقة او غير عميقة من سيسلم السلطة دون معركة .. الروس صاروا على مايبدو مهتمين بأن تصطدم عربة اوكرانيا بالمعركة الانتخابية الامريكية .. فربما هي التي ستفجر اميريكا .. بعد ان كانت اميريكا تفكر باوكرانيا لتفجير روسيا ..
يبدو ان صراع الاعماق في اميريكا هو الذي يأتي بنهاية التاريخ .. وربما صار الروس يدركون انهم ليسوا في عجلة من امرهم للحسم في اوكرانيا .. لأن الوقت صار يميل لنظريتهم في ان أميريكا ستقتل اميريكا .. وربما ستصير اوكرانيا هي الشحنة الناسفة لاميريكا .. او أن الدولة العميقة الجديدة هي التي ستنهي الحرب لصالح روسيا في صفقة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى