مقالات

إيران وسورية في وجدان الشهيد القائد نصر الله

بقلم : حيان نيوف

أربعون يوماً مرّت على انتقال الأمين العام لحزب الله السيد الأقدس حسن نصر الله (رض) إلى جوار ربّه شهيداً سامياً في ليلة السابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر الفائت على أيدي طغاة العصر بعدما أفرغوا كل ما لديهم من حقدٍ و طغيان وإجرام، ترجمتها عشرات الأطنان من القنابل التي ألقيت على الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، والتي تشرفت بعروج روحه من بقعتها إلى السماء بعد أن تباركت به سنوات طويلة، اختارها لتكون مكاناً لإقامته، ومقراً لقيادته لأعظم ملاحم البطولة و الشرف ومقارعة الظلم في التاريخ الحديث على نهج جدّه الإمام الحسين عليه السلام .

كان السوريون و الإيرانيون كغيرهم من محبّي سماحته قد تعلقوا به إلى درجة العشق بعد أن تحوّل على مدى 32 عاماً إلى رمزٍ لعزتهم وكرامتهم ، وجزء لا يتجزء من ثقافتهم ، نهجاً وقيماً ورجولةّ وعزةّ وإباء ، كيف لا، وهو الصادق الأمين، والثابت الحكيم، واللسان الفصيح الذي كان يعبر في كل مرّة عن أحاديث العقول وخطرات القلوب، ليرسم لهم بيقينه نوافذ من نور وأملٍ ونصر .

شكّلت سورية و إيران الحاملين الرئيسيين للفكر المقاوم للهيمنة الأمريكية والغطرسة “الإسرائيلية” على امتداد العقود الأخيرة، وتحت كنف العلاقة الإستراتيجية بينهما، كدولتين إقليميتين تبنتا الفكر المقاوم، نشأت العديد من الحركات والتيارات المقاومة وصولاً لتشكّل جبهة مقاومة على امتداد الإقليم محورها الرئيسي قضية فلسطين، وكان حزب الله واحداً من أهم مكونات تلك الجبهة منذ البداية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ، وقد ساهم بإعطاء جبهة المقاومة زخماً وقوة وقدرة على التأثير على الصعيدين “الجيوسياسي” و الشعبي ، وتحول الحزب إلى رأس حربة للمشروع المقاوم في مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة ، وحقق انتصارات تاريخية عظيمة تسببت في هزيمة و عرقلة المشروع الصهيوني ، وكان أبرزها في العام 1996 ، ثم الانسحاب “الإسرائيلي” من لبنان عام 2000 ، وانتصار تموز عام 2006 ، والمشاركة بهزيمة المشروع التكفيري “الداعشي” لإسقاط سورية برعاية صهيو-أمريكية ، وجميع تلك الانتصارات تمت بمشاركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الجمهورية العربية السورية ، وبدعم مطلق ومفتوح على كل الصعد العسكرية و السياسية وغيرها، وبإشراف مباشر من قيادتي البلدين ، وصولاً إلى المعركة الحالية ، معركة طوفان الأقصى وجبهات الإسناد ضد حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة ولبنان.

لذلك كان من البديهي أن يكنّ السيد الشهيد لسورية وإيران، الكثير من الاحترام والتقدير والتعظيم ، وكان يحرص سماحته على توجيه التحية و الشكر لهما ولشعبيهما وجيشيهما وقيادتيهما في كل خطاب يلقيه أو كلمة يوجهها إلى جمهور المقاومة وحتى في مقابلاته مع وسائل الإعلام .

وكمثال على ذلك، يمكن لنا التذكير بما قاله السيد الشهيد حسن نصر الله في الذكرى السادسة لانتصار تموز، موجهاً التحية لسورية ولقيادتها ومبيناً دورها المحوري في هذا النصر، ومقدماً الدلائل على هذا الدور بقوله : 

« إن أهم الصواريخ التي كانت تنزل على حيفا ووسط إسرائيل كانت صواريخ من الصناعة العسكرية السورية أعطيت للمقاومة. كانت سورية سنداً للمقاومة وأعطت المقاومة سلاحاً يمكنّها من الوقوف في حرب تموز، عندما كانت الأنظمة العربية تمنع الخبز والمال وجمع التبرعات لغزة كانت سورية تُرسل السلاح مع الطعام إلى غزة وخاطرت من أجل ذلك، هذه سورية، سورية بشار الأسد »  ..

وكمثال ثانٍ حول تقديره لجهود إيران واعترافه بما تقدمه للمقاومة ، نقتبس بعضاً مما قاله سماحته في هذا الإطار في خطابه بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف في العام نفسه 2012 حيث قال : 

 « نتلقى الدعم المعنوي والسياسي بكل أشكاله الممكنة والمتاحة من الجمهورية الإسلامية في إيران منذ العام 1982″ … هذه الحقيقة كانت في السابق تقال بشكل جزئي.. كنا نقول لدينا دعم معنوي وسياسي، وعندما نسأل عن الدعم العسكري نسكت حتى لا نحرج الجمهورية الإسلامية.. الدعم الذي تقدمه إيران بلا مقابل وبلا إملاءات، وهم هناك يدفعون أثماناً باهظة لوقوفهم إلى جانب فلسطين ولبنان».

وإلى جانب الدعم العسكري و السياسي و الاجتماعي الذي كانت تقدمه إيران وسورية للمقاومة الإسلامية في لبنان- حزب الله، فإن البعد الأيديولوجي الذي تمثله كل سورية وإيران في العالمين العربي والإسلامي كان موضع اهتمام سماحته ، وكان حريصاً على تظهير ذلك في خطاباته كعامل قوة و ديمومة للفكر المقاوم ، وكرافعة له للاستمرار والتمدد والتأييد في العالمين العربي و الإسلامي .

وهذا الحرص من سماحته تجلى مراراً في حديثه الصادق عن النظام الثوري الإسلامي في إيران الذي يقوده الإمام السيد علي الخامنئي ، واعتماده تعاليم الإسلام الحقيقي في سياساته و قوانينه و إستراتيجياته وعلاقاته مع الدول الشقيقة و الصديقة، وكذلك مع الدول المعادية وفق ما تفرضه شريعة الإسلام. وبالتوازي كان حريصاً أيضاً على تظهير رمزية سورية العروبية و بعدها وعمقها العربي ، وهذا النهج الإيديولوجي العروبي حافظت عليه القيادة السورية في عهد الرئيسين الراحل حافظ الأسد و الحالي بشار الأسد ، وشكّل أساساً في إستراتيجياتها و سياساتها وعلاقاتها الإقليمية و العربية .

وعليه، فإن سماحة السيد الشهيد نصر الله كان يرى في هذا التنوع الأيديولوجي والعقائدي الإسلامي و العروبي بين إيران وسورية عاملاً من عوامل القوة الإضافية التي جمعتها المقاومة الإسلامية في لبنان-حزب الله، كحزب مقاوم، عربي الانتماء إسلامي العقيدة ، وهو ما أضفى على الحزب طابعاً خاصاً جعله موضع ترحيب واهتمام وإعجاب على امتداد الساحتين العربية و الإسلامية.

في الختام ؛ لا بد من القول إنه من الظلم أن نحصر العلاقة الوثيقة والإستراتيجية بين حزب الله ممثلاً بسماحة السيد الشهيد حسن نصر الله مع كل من سورية وإيران بمقال واحد أو ببضع عبارات ، وهي علاقة وصلت إلى أسمى مظاهرها بامتزاج دماء مجاهدي الحزب مع دماء الجنود الإيرانيين والجنود السوريين على أرض سورية في إطار المعركة على الإرهاب “الداعشي” التكفيري الذي تقوده واشنطن وتدعمه وتحركه “إسرائيل”، غير أن  الواجب يفرض علينا التنويه والإشارة إلى بعض جوانب تلك العلاقة على قاعدة “فصل من الجوهر جوهر” ..
سلام على روح السيد الشهيد حسن نصر الله ، سلامٌ على من عبر ملايين القلوب في العالمين العربي و الإسلامي تاركاً فيها أثراً من ريحه.. سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد حياً عند ربه يرزق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى