الخانات الحلبية و دورها الاقتصادي التاريخي
بقلم الباحث الاقتصادي علي هاشم
اشتهرت مدينة حلب بأسواقها المتنوعة التي سميت بأسماء الحرف والصناعات، مثل سوق العطارين وسوق الحدادين وسوق النحاسين، وتعد أسواقها الشرقية واحدة من أطول الأسواق الأثرية المسقوفة بالعالم إذ تمتد لمساحة تزيد عن 15 كيلومتراً فإذا ذُكرت الخانات قالوا خانات حلب ساهمَت الخانات سابقاً بشكلٍ كبيرٍ في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للشعوب وكانت ملتقىً ومجمّعاً للتجار الذين يتبادلون السلع ويعقدون الصفقات ويستفيد بعضهم من تجارب بعضهم الآخر وخبراتهم الاقتصادية والاجتماعية وفي مقالنا هذا سنتعرف على أهم وأشهر خانات حلب فتابعونا…عُرفت الخانات منذ العصورِ الإسلاميةِ الأولى وكانت لها أهمية كبيرة في العمارة الإسلامية، والخانات هي الأبنيةُ المخصصةُ لإقامةِ المسافرين والقوافلَ التجارية يتألفُ التخطيط المعماري للخان العربي الإسلامي من صحنٍ واسعٍ تتوسطه بركةُ ماءٍ كبيرة وله مدخلٌ قوسيٌّ عالٍ، بابه خشبيٌّ ضخمٌ مصفحٌ بالحديد أو النحاس. وتوجد حول الباحة المستودعات والحوانيت التي تُستخدم لايداع البضائع، وعادةً ما توجد قاعةٌ ضخمةٌ على مدخل الخان واجهتها مزينة ومزخرفة بزخارف بديعة. أما في الطابق العلوي فتوجد غرف للسكن تقوم فوق المستودعات، كما ضمَّت بعض الخانات مسجداً صغيراًونظراً لازديادِ أهمية حلب التجارية فقد كثرَت فيها الخانات، وقد توضعَت داخل وقرب الأسواق القديمة وأشهرها هي:خان الصابون: يقعُ داخل سوقِ المدينة بالقرب من سوق الصابون ولذلك سميَّ بهذا الاسمخان الجمرك (الكمرك): يقع في منطقةِ الأسواق الرئيسية في المدينة، بناهُ الوالي العثماني محمد باشا عام 982ه /1574م، وهو من أكبر خانات حلب، أهم ما يميز البناء زخارف مدخله الرائعة بنقوشها من الخارج وبضفائر أعمدة الشبابيك المطلة على الداخل .خان الوزير: يقعُ بين قلعةِ حلب والجامع الكبير، بُني في العهد العثماني عام 1096ه/1683م. يعدُ من أشهر خانات حلب، يمتازُ بواجهتِه الداخلية المزينة والخارجية ذات اللونين الأسود والأبيض، وبوابتِه الضخمة الجميلة ونوافذه الغنيِّة بالزخارف، وهو نموذجٌ رائعٌ لخانات حلب له صحنٌ سماويٌّ واسعٌ تحيط به المستودعات والمخازن التجارية، وفي الطابق العلوي رواقٌ طويلٌ يطلُّ على الصحن بواسطة سلسلة من القناطر، وفيه تقع غرف النوم.-خان القصابية: يقعُ في نهاية سوق القصابية وهو جزءٌ من مجموعة أسواق المدينة المسقوفة. بناهُ نائب قلعة حلب الأمير ابرك الأشرفي في عهد سلطان المماليك قانصوه الغوري عام 916 /1510م. له واجهةٌ مزخرفةٌ وبابٌ معدنيٌّ منقوشٌ عليه كتابات تُؤرخ بناءه.-خان القاضي: وهو من أقدم خانات حلب، يقعُ في محلةِ باب قنسرين قُربَ البيمارستان الأرغوني انشأه قاضي حلب كمال الدين المعري عام 854 ه / 1450 م.-خان خاير بك: يقعُ في محلةِ سويقة علي بناهُ الأمير خاير بك في العهد المملوكي عام 920 ه / 1514 م ويُعدُّ من أحسن خانات حلب بتخطيطه وهندسته.خان أوج خان (العطشان): يقعُ في سوق النحاسين مقابل باب النصر خارج أسوار المدينة، وكلمة أوج خان تعني ثلاثة خانات، بناهُ نائب السلطان المملوكي خاير بك وجُدِد بنهاية عصر المماليك أيام السلطان قانصوه الغوري، وأهم ما يميزه بوابتَه الغنية بالنقوش المملوكية.كما يوجدُ في حلب خاناتٌ أخرى منها خان النحاسين، خان البرغل، خان الحاج موسى، خان قرتباي، خان الطاف، خان التتن، خان البندقة، خان العلبية، خان الفرايين، خان النقر، خان الشونة، وغيرها ولابدَّ من الإشارة مرةً أخرى إلى أن هذه الخانات القديمة حافظَت على هيئتِها وطرازِها لفترةٍ طويلةٍ من الزمن كما حافظَت على إطارِها التاريخيِّ في وظيفتها المعاصرة إلا أنَّها فقدَت أهميتها التي بُنيت من أجلِها بسبب التطورِ العمراني لمدينةِ حلب ونشوء الفنادق والأسواق الحديثة لكنَها ستبقى دائماً أثراً عظيماً تدلُّ على أهميةِ مدينة حلبَ الاقتصادية.خسرت حلب التجارة مع مدن هذه الأقاليم خاصة المدن التي كانت تابعة لولاية حلب تاريخيا كعنتاب ومرعش وأضنة ومرسين، كما خسرت السكك الحديدية المهمّة التي كانت تصلها بالموصل أدت اتفاقية سايكس بيكو وفصل العراق عن سورية إلى كساد وتدهور كبير في اقتصاد حلب. وفي عام 1940 فقدت حلب إمكانية وصولها إلى البحر بعد خسارتها لمنفذها الرئيسي على البحر الأبيض المتوسط في الإسكندرونة. تراجع موقع حلب السياسي بسبب جعل مدينة دمشق عاصمة لسورية ورغم كل هذه الضربات، بقيت هذه المدينة عاصمة اقتصادية لسورية فهي تضم أهم المعامل الصناعية وهي أيضا تشكل مركزاً للمناطق الزراعية في سورية وخاصة زراعة القطن الضرورية لمعامل النسيج المزدهرة في المدينة كانت حلب وريفها تعطي معظم الناتج الإجمالي السوري حتى نهاية الخمسينات أصبحت المدينة القديمة في مدينة حلب من مواقع التراث العالمي اليونسكو في عام 1986 وقد نالت المدينة لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عن الوطن العربي في عام 2006 م وخلال أحداث الأزمة السورية تضررت حلب بشكل كبير إنسانياً واقتصادياً بفعل القتال والقصف ونقل المعامل إلى تركيا وتوقفت عجلة الاقتصاد في المدينة وتعرض الكثير من معالمها الأثرية للدمار مثل مئذنة المسجد الأموي وتخريب معظم أسواق حلب القديمةعبر اسواق حلب الموسومة بعالم الشرق القديم ونكهة العطور وانبهار الالوان والضياءات المتسللة عبر كوى تتوزع على امتداد السقوف التي تظلل الأسواق، تتخاطفك ومضات وتساؤلات عدة تقفز من جدران حجرية زينت بنقوش بارزة، او حفرت بكتابات معينة ملقية عليك بالسؤال الاكثر إلحاحا؟ اي حكايا واسرار تختفي خلف تلك الجدران؟بوابة حديدية عالية الارتفاع يزينها نقش بارز يتسامق مع ارتفاعها، تجبرك على التوقف وتأمل هيبتها، والى جوارها لوحة كتب عليها تاريخ يمتد عدة قرون واسم لأحد خانات حلب الشهيرة هو «خان الوزير».خانات عدة تمتد بمحاذاة السوق الكثيرة التفرع والالتواء تفتح ابوابها على السوق فتضخ بضاعتها ويستمر بذلك شريان الحياة التجارية عبر القرون والعصور التي طبعت الحياة في هذه المدينة التي يمتد تأريخها بتواصل الى آلاف الأعوام والخانات هي إحدى السمات التي تميز مدينة حلب وتمتد عميقاً في التاريخ فما هي قصة الخانات ولماذا اقترنت بهذه المدينة؟حلب الأولى في تصنيف حماية الآثار ان تصنيف اليونسكو أعد حلب في مجال حماية الآثار القديمة، المدينة الأولى في العالم من حيث الاهمية. وتحتفظ المدينة القديمة باكبر رقعة مسورة لمدينة اسلامية تبلغ مساحتها 418 هكتارا، وتضم تنوعات عديدة من الأبنية والمعمار ما بين اسواق ومساجد وحصون وابراج وخانات وشواهد متنوعة.لقد مرّت على المدينة عهود عديدة من الحكم ما بين أموي وعباسي وحمداني وزنكي ومملوكي وغيرها وليس غريباً ان نجد فيها الف مسجد ما بين حديث وقديم فضلا عن العديد من المواقع الدينية لأديان اخرى. حلب بقيت تمارس نشاطها التجاري عبر كل تلك العصور رغم تعرضها لخرابين احدهما على يد تيمورلنك وقبله على أيدي الأكديين ولعل ذلك يعود الى موقعها الجغرافي ووقوعها في منطقة زراعية تتوسط جبال الاناضول والفرات والبحر المتوسط وبادية الشام وصولا الى الحجازوكونها ممراً تجارياً اقتضى وجود وظيفة المحطة لاستراحة القوافل ولتبادل السلع كانت الحاجة الى الخانات التي انشئت قريبة من الأسواق التي تعود الى عام 312 ق.م. والتي تتكون من سوق محورية تتفرع منها 39 سوقا فرعيةالخان استوجبه تطور العمل التجاري نشأ الخان كضرورة لتوسع العمل التجاري بين الشرق والغرب والحاجة الى استراحة للتاجر وقافلته وايضا مكان لتبادل السلع والخان كلمة فارسية تعني البناء الكبير وايضا الملك والمبنى الذي يؤدي وظيفة الفندق للمبيت والمستودع للبضائع كما يضم مكتباً لتحريك العمل التجاري والتبادل ويحتوي ايضا على خدمات مساعدة كالاسطبلات والمستودعات التموينية إن أقدم خان هو خان السيدة وعمره الف عام، ويطلق عليه ايضا خان الكتان حين اصبحت حلب بمثابة العاصمة الاقتصادية للدولة العثمانية في حين كانت اسطنبول العاصمة السياسية والقاهرة العاصمة الروحية